تجار المواقف
إنه لأمر في غاية البشاعة أن يقول الإنسان شيئاً ويضمر شيئاً آخر.. هذا حال بائعي المواقف وتجار السياسة الذين يبيعون ويشترون وكأنهم تجار في سوق الهال.
ترى أحد هؤلاء يقول لأبنائه كلاماً فخماً، ويبدأ بمحاضرته اليومية لهم منادياً بالعفة والوطنية كما هي العادة، وهو يدخن سيكاره الكوبي الغليظ الفاخر مع رشفة من «ويسكي» مستورد، من ذلك النوع الذي يعيل ثمن الليتر الواحد منه عائلة موظف من الفئة الأولى في الجمهورية لمدة أسبوع. ولكن ما أن يرن صوت الهاتف حتى تسقط منظومة القيم كلها أسفل قدميه وهو ينادي على «الخادمة» بطريقة مهينة جداً، ثم يتألم على نفسه بنفاد صبر لا مبرر له: «وين هي الغبية؟ ليش ما عم ترد على التليفون». عند هذه اللحظة يكتشف الأبناء مجدداً المصاب الجلل المبتلين به! نعم يكتشفون مرة أخرى أنهم يقفون أمام كاذب من الطراز الرفيع.
من جهة أخرى، إنه لمنظر ومشهد فاجر أن يعيش المرء مع أناس يتحدثون طوال الوقت عن الانتصارات وهم مهزومون.. نعم أولئك الذين طالما حاضروا في القيم والجمال والحق والحرية في حضرة الآخرين، بينما تكمن في دواخلهم وحوش مفترسة، يقتنصون الفرصة تلو الأخرى للانتقام من غيرهم والتنكيل بهم، وقد تجد على أجندتهم «العلاقاتية» السرية أناساً لا يتوقعهم أحد، فهم لا يوفرون التعاون مع أحد أياً كان موقعه أو صفته أو أخلاقه، من أجل المجد «المفرغ» من كل قيمته، والمال المنهوب، فيكذبون وينافقون، وإذا وصل بهم الأمر إلى حد القتل لا يتوانون عن ذلك، فالحياة عندهم عبارة عن تجارة، أي «ربح وخسارة»، لذلك تراهم يلعبون جولاتهم القذرة في الانتصار مرة على الأبناء، ومرة على الإخوة، وتارة على الشركاء في الوطن.. وهم جاهزون لتبديل جلودهم كالأفاعي السامة للوصول إلى أهدافهم الدنيئة والخبيثة، متناسين أن رائحتهم النتنة تفوح يوماً بعد يوم.. فليس كل ما يلمع ذهباً، وهؤلاء يعيشون نشوة حقدهم وكراهيتهم، ولا ينتبهون أنهم سينكفئون يوماً، ويعودون من جديد إلى حقيقتهم الأنانية الانتهازية وتربيتهم التي بنيت على قهر الآخر لكسب المزيد من المال الذي هو أساس معركتهم، حيث دينهم وديدنهم «المال... ثم المال... ثم المال...».