ألمانيا توازن علاقاتها في مجال الطاقة بين أميركا وروسيا

ألمانيا توازن علاقاتها في مجال الطاقة بين أميركا وروسيا

تسعى ألمانيا إلى المحافظة على علاقات طيبة وطويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأميركية. وبينما تسعى برلين للاعتماد جزئياً على استيراد الغاز الطبيعي من واشنطن، فإن مشروعات للبنية الأساسية في هذا المجال تمهد الطريق لبدء التعاون بين أميركا وأكبر اقتصاد أوروبي في مجال الطاقة. لكن ألمانيا لا تعتزم قصر اعتمادها الخارجي في مجال الطاقة على الولايات المتحدة، فهي تعزز روابطها مع روسيا أيضاً في هذا الصدد.

ففي قطاع صناعة بطاريات السيارات الكهربائية مثلاً وقّعت شركة «بازف» الألمانية عقداً مع شركة «نوريلسك نيكل» الروسية لشراء كميات كبيرة من معدن «النيكل». وإلى الآن لم تَطُلْ العقوبات الأميركية هذه الشركة الألمانية بصورة مباشرة.

ويقول آرثور هونيغر الخبير من مصرف «دويتش بنك»، إن شركة «بازف» من بين حَمَلة أسهم الكونسورتيوم (اتفاقية اتحاد الشراكة) المشرف على مشروع «نورد ستريم 2» القاضي بتوسيع خط أنابيب الغاز في بحر البلطيق، ما يثير امتعاض حكومة واشنطن من هذا المشروع، لأنه يقوّي اعتماد أوروبا على شركة «غازبروم» الروسية. علاوة على ذلك، وقّعت شركة «بازف» مؤخراً اتفاقية مع القابضة «ليتر وان» المملوكة للملياردير الروسي ميخائيل فريدمان، لدمج شركتي «فينترشال» وتملكها شركة «بازف»، و«ديا» المملوكة لشركة «ليتر وان». ويتوقع هذا الخبير الألماني أن تنجح شركة «فينترشال - ديا» نتيجة عملية الدمج هذه، في إدراج أسهمها في البورصة خلال العامين القادمين بدعم من أنشطتها الإنتاجية المقدرة بنحو 800 ألف برميل من النفط يومياً.

ويختم الخبير هونيغر القول بأن شركة «بازف» الألمانية ليست قلقة لا من علاقاتها التجارية مع روسيا ولا من إمكانية فرض عقوبات تجارية أميركية جديدة على روسيا. وحتى عام 2020 ستزوّد «نوريلسك نيكل» الروسية، هذه الشركة الألمانية بمعدنَي النيكل والكوبالت لإنتاج بطاريات 300 ألف سيارة كهربائية كل عام. ومن غير المستبعد أن يحصل هذا المصنع الألماني على تمويل من المفوضية الأوروبية التي قررت مساعدة القطاع الإنتاجي الطاقيّ الأوروبي لتخفيف الاعتماد على الصين. مع ذلك قد لا «تهضم» المفوضية الأوروبية مسألة لجوء الشركات الأوروبية إلى الحلول الروسية لتنويع مصادر تأمين احتياجاتها الإنتاجية، ما يسمح بدخول الولايات المتحدة الأميركية على الخط لتغيير مسار المعادلات التجارية والطاقيّة الأوروبية.

من جانبها تشير باتريسيا ليري المحللة في شؤون الطاقة الألمانية، إلى أن اتفاقية الشراكة التجارية الألمانية - الروسية تأتي تزامناً مع الضغوط الأميركية على المستشارة أنجيلا ميركل في ما يتعلق بملف الغاز الأميركي. فالرئيس الأميركي دونالد ترمب يتهم ألمانيا بأنها أصبحت «رهينة روسيا» في سياسات الطاقة. وعلى الأرجح ستلجأ المستشارة، التي يبدو أنها استسلمت جزئياً للضغوط الأميركية، إلى تشييد محطة في ألمانيا لاستيراد الغاز الأميركي المسال والمحافظة، في الوقت ذاته، على علاقات طيبة مع الولايات المتحدة الأميركية.

وتؤكد هذه الخبيرة أن المستشارة الألمانية وعدت عدداً من البرلمانيين الألمان بتقديم دعم إجماليه 500 مليون يورو لتدشين هذه المحطة في بلدة «شتادي» بالقرب من مدينة هامبورغ.

وتضيف هذه الخبيرة أن تدشين هذه المحطة يقوده ائتلاف مكوٌن من شركة «تشاينا إينجنيرينغ كومباني» الصينية، ومصرف «ماكواري» الأسترالي، وشركة «داو دوبونت» الأميركية. ومن المتوقع أن تتضح معالم تمويل هذه المحطة أكثر فأكثر حتى نهاية العام الحالي. وبرأيها «قد تكون مبادرة تشييد محطة للغاز الطبيعي، حتى لو كانت غير مواتية تماماً للاقتصاد الألماني، ورقة ألمانية ذكية لتفادي عقوبات أميركية ستستهدف مشروع توسيع خط أنابيب الغاز في بحر البلطيق المعروف باسم (نورد ستريم 2)، علماً بأن إنشاء خط الأنابيب بدأ فعلياً على الأراضي الألمانية».