غوطة دمشق و«الخيار الأمني»..الممارسات غير المنضبطة تهدد بتوسيع الاحتجاجات!
لعل الشعب السوري يقضي حالياً أصعب فترات حياته نتيجة الظروف السيئة التي تحيط به من كل صوب، فدوامة العنف والقهر تعصف بالجميع على حد سواء، وهي التي تبدأ بالقمع المفرط الذي تشهده بعض المظاهرات السلمية في معظم المحافظات والمدن والقرى السورية، ولا تنتهي بالحرب الإعلامية الدائرة على كل الشاشات العربية وغير العربية والتي تستهدف فيما تستهدف الإثارة أولاً وحشد الرأي العام وتحريضه لزيادة المعطيات المتجددة كل يوم في سورية فوضى على فوضى!
إنها أصعب المراحل على السوريين حقاً، أو تكاد تكون المرحلة القاتلة لجميع أحلامهم، فمند أكثر من ستة اشهر والعنف يتصاعد يومياً في البلاد، وذلك بعد أن جرى تغليب الخيار الأمني، فتم الخلط بين الصالح والطالح في محاولة اجتثاث الحراك الشعبي من جذوره، وقد كانت الغوطة الشرقية في الأسابيع الماضية هدفاً واضحاً لهذه المحاولات وفقاً لما تشير إليه الوقائع، حيث حدث تصعيد واسع بدا جلياً في قرى الغوطة: (سقبا، حمورية، جسرين، كفربطنا)، وأخذ هذا التصعيد كل الأشكال تقريباً، فغدت العقوبات جماعيةً حتى شملت جميع أوجه الحياة اليومية، وأخذت أساليب الضغط أشكالاً مختلفة فامتلأت هذه المناطق بالكثير من التواجد الأمني، وأخذ البعض يروج إلى أنه تم الاقتراب من تحقيق النجاح في إخماد المظاهرات، على أن يكون «الحسم» خلال أسبوع أو أسبوعين على أبعد تقدير، فتم تكثيف عدد الحواجز الأمنية وزيادة عدد عناصر الأمن عند كل منها، ليخضع الداخل والخارج إلى مناطق ريف دمشق للتفتيش الدقيق، وذكر السكان لـ«قاسيون» عدداً من الحالات تم فيها اعتقال الناس وفق أسماء العائلات وحسب، على أساس أن كل عائلة فقدت ابناً جراء الأحداث أو اعتقل أحد أبنائها خلال مظاهرة، فأصبحت بكاملها موضع شبهة، ولا يخفى على أحد الإهانة التي قد يتعرض لها الشاب عندما يصادف أحد العناصر غير المنضبطين على أحد الحواجز، فريثما يتم التأكد من هويته وصحة الاشتباه به يكون قد تلقى من الإهانات وسوء المعاملة ما لا يحتمل، وفي إطار الضغط تم كذلك تقطيع أوصال المدن وعزل كامل الريف عن المدينة، خصوصاً في أيام الجمعة، حيث تمنع جميع الميكروباصات من تجاوز الحاجز القائم عند الثكنة العسكرية الموجودة في منطقة الدباغات، إضافة إلى التفتيش الدقيق للسيارات الخاصة هناك.
يقول الشاب (ر. س) بخصوص ذلك: «إن انتشار الأمن في هذه المنطقة كثيف جداً، خصوصاً يوم الجمعة، وللأسف فإن ممارساتهم لا تساعد في ترسيخ الأمن، لأنهم يعملون على منع حافلات النقل العام القادمة من الريف من دخول دمشق، ويجبرون الأهالي على النزول عند الكباس ومتابعة طريقهم سيراً على الأقدام إلى منطقة الزبلطاني».
ويقول الشاب (م.و): «للأسف الدم السوري أصبح رخيصاً جداً، كما أن الأخبار الواردة تقول إن المعتقلين يتعرضون لتعذيب ممنهج وواسع يتراوح بين الحرق والصدمات الكهربائية والضرب بأدوات حادة أحياناً»، ويقول أحد الشباب في قرية كفربطنا: «إن هناك البعض يتعامل مع الناس بعدوانية وكأن جميعهم خرجوا للمظاهرات، فهم يضربون الجميع بقسوة ويقتحمون جميع البيوت دون اكتراث بحرمات هذه البيوت»، وأضاف: «حتى مشفى الفاتح اقتحموها وخربوا بسلوكهم غير المسؤول معظم أجزائها وأقسامها، وخصوصاً مبنى الجراحة والإسعاف، حتى أنه تم إغلاق المشفى إلى أجل غير مسمى بسبب الصيانة»، ويقول الشاب (ع.س) الذي يعمل في صيانة الموبايلات: «إن ما يحدث في سورية من قصص وروايات غريب وعجيب، حيث أن بعض العناصر يتجاوزون بممارساتهم كل الخطوط الحمراء ويقتحمون المناطق بالعشرات ويعتدون على متظاهرين سلميين، وغالباً ما يكون عددهم ضعف عدد الشباب الخارجين بالمظاهرات، غير أننا نرى بعض القنوات التلفزيونية مثل قناة الدنيا تعرض الحقيقة معكوسة بجميع المقاييس، حيث أنها تدَّعي بأن الشباب هم من اعتدوا على الأهالي والسكان ورجال الأمن في وقت واحد، بل وقاموا بأعمال الإرهاب، مع أننا متأكدون أن الشباب في تلك المنطقة لا يحملون حتى سكيناً»، ويتابع: «لقد أصبح الكثير منا للأسف على يقين أن هناك من جهز نفسه جيداً للقيام بمعاقبة جميع الأهالي في القرية، سواء أكانوا ممن خرجوا بالمظاهرات أو لم يخرجوا، حيث يتم قطع التيار الكهربائي عن القرى طوال النهار وحتى منتصف اليوم التالي بذريعة أن المحول العام للكهرباء في المنطقة قد توقف عن العمل، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف لم يتعطل التيار الكهربائي على الشارع الأساسي وتعطل في جميع المنازل والأحياء الموجودة في القرية؟ أم أن هذه العملية هي لتأديب المواطنين وتسهيل عمليات اعتقالهم ليس إلا؟».
ويقول الشاب (ن.ر): «إن قطع التيار الكهربائي يسهل الممارسات القمعية، ففي الأسبوع الماضي تم قطع الكهرباء عن سقبا وعربين بشكل كامل، ثم تلا ذلك أن بدأت حملات اعتقال واسعة للأهالي وسجلت بعض حوادث تكسير السيارات قام بها عناصر غير منضبطين، وقد تم اعتقال عدد من جرحى المظاهرات قبل وصولهم إلى المستشفيات، وتم الاعتداء على المشافي وسيارات الإسعاف وخصوصاً سيارات مشفى الفاتح، وبعد ذلك عادت الكهرباء».
يقول التاجر (س.ي): «لقد شهدت الغوطة يوم الجمعة 9 أيلول يوماَ شديد القسوة، فكانت الأسواق والمحلات التجارية مغلقة بالكامل خوفاً من الممارسات المتوترة في الطرقات، وكانت الصيدليات مغلقة أيضاً، وهذا ما أدى إلى نقص في الاحتياجات اليومية والأساسية في كل بيت، ويسأل: لماذا التعامل مع المتظاهرين السلميين بهذا الجبروت والقسوة الشديدة؟ وما دام الكثير من الأهالي لا يخرجون في هذه المظاهرات أصلاً، فلماذا تفرض العقوبات على جميع الأهالي وينكل بهم وتقطع الكهرباء عن المنطقة دون التفريق بين متظاهر وغير متظاهر، أو بين مؤيد للحكومة ومعارض لها؟».
بكل أسف، إن واقع الأمر في الغوطة، والأحداث التي شهدتها مؤخراً لا يشير أبداً إلى أن الخيار الذي تتبعه أو تمارسه بعض الأجهزة الأمنية سيمثل الحل لضمان سلامة سورية وأمن شعبها، بل إن هذا الخيار على ما يبدو سيزيد من سوء الوضع وسيؤدي إلى المزيد من الاحتقان جراء ما سيخلفه من أذية لدى الناس، وبذلك فإنه خيار يصعد من وتيرة الاضطرابات ولا يصح أن يكون مخرجاً من هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها البلاد، فمخرج من هذا النوع سيؤدي إلى الهاوية دون شك!.