أما آن لهذا الفارس أن يترجل الشهيد سليمان صالح دعبوس 1929-1967
اختلفت الحقب، وتنوعت المراحل على الجولان منذ أن ابتلى بلعنة الاحتلال، ولعنة الغزاة الطامعين بخيراته، بدءاً من الاحتلال الروماني لسورية ومرورا بالغزو الصليبي والتركي والفرنسي، وصولا إلى الاحتلال الإسرائيلي . فكان لكل حقبة أحداثها ومواقفها ورجالها فأسماؤها التي تقرع أبواب الذاكرة، وعندما نستحضرها فإننا نستعيد أرثا وتاريخاً وفكرا ، حضاريا وإنسانيا وأخلاقيا، مليئا بالصور والحكايات.
الشهيد سليمان صالح دعبوس، أحد تلك الأسماء التي طواها النسيان منذ أربعين عاما، تقتحم حاضرنا بذاكرة تأبى ان تموت، لكنها تحتقن بنظرات العتب واللوم المتراكم منذ ذاك اليوم الذي ترك فيه زوجته وأطفاله، حاملا سلاحه الشخصي ، في طريقه إلى الجبهة .
الشهيد سليمان صالح دعبوس من مواليد قرية عين قنية في العام 1929.تجند في صفوف قوات الجيش العربي السوري ، العاملة في الجبهة السورية في الجولان، والتحق بالدفعة الأولى التي جندت في الجيش السوري في العام 1947 بعد نيل الاستقلال الوطني ، وأنهى دورة التدريب بنجاح استلم على أثرها، سلاحه الشخصي كجندي دائم في الجيش السوري.
في العام 1950 تزوج من السيدة نخلة ذوقان عزام، في قريته عين قنية في الجولان السوري ، وأنجب منها خمسة أولاد، فيما ابنته السادسة ولدت بعد مغادرته لمنزله بعدة ايام فقط ، في العام 1967.
خلال سنوات خدمته العسكرية في بداية الستينات أوكلت إليه مسؤولية الإشراف على عمل المقاومة الشعبية وتدريب عناصرها من أبناء قرية عين قنية، على السلاح والقتال في بداية العام 1963،حيث كان مسئولا عن موقع عين الريحان العسكري جنوبي قرية عين قنية، إضافة إلى عمله العسكري المتنقل في الثكنات والمواقع العسكرية في قرية مسعدة وعين فيت وزعورة، وتل الفخار.
في الثامن والعشرين من ايار من العام 1967، تم استدعاء الشهيد إلى الجبهة، بعد الإعلان عن التعبئة العامة للقوات المسلحة،وغادر قريته حاملا سلاحه الشخصي بارودة 49 النصف آلية، ورشاشه من نوع متر اللوز .
في التاسع من حزيران انتقل الشهيد مع أفراد كتبيته العسكرية إلى قطعته العسكرية المسماة "مخفر الكرسي" شرقي بحيرة طبريا، وكانت قرية الكرسي تشمل موقعا استراتيجيا من الناحية العسكرية، حيث بنت القوات السورية تحصينات عسكرية وموقعا متقدما في مواجهة التحرشات الإسرائيلية بحق المزارعين والصيادين العرب السورين الذين تعرضوا إلى إطلاق النار عليهم ومنعهم من الاقتراب إلى أراضيهم،وصيد الأسماك، في بحيرة طبريا.
وكان آخر من التقاه أحد أبناء قريته وهو جندي احتياط يدعى علي بشارة،حيث كلف بتأمين له هاتف ميدان أمريكي كانت تحت عهدة الشهيد في منزله لاحتياجات المقاومة الشعبية التي كان يرأسها، فاستملها من أحد أبنائه، وتم التسليم بحضور الرقيب شعبان مرح .
خلال تلك الفترة لم تكن نخلة ذوقان عزام، تعلم بعد أنها لن ترى زوجها ثانية حين ودعها وعانق أطفاله، العناق الأخير، ولم تعلم بعد أنها ستشهد رحلة طويلة وراء البحث عن الزوج المفقود، الذي اختفت أثاره،ولم يتبق سوى ذكريات آأمال، بعودته حيا بين أسرى الحرب، ام ميتاً بين أسماء الشهداء. لكن همها الأكبر كان في تامين لقمة العيش لأطفالها،وانتظار عودته، وتجاوز رعب الحرب، والاحتلال الأجنبي الجديد، الذي احتل الجولان كله، وفرض قوانين عسكرية جائرة على أبنائه.
أربع سنوات من البحث بين قوائم أسماء أسرى الحرب، والصليب الأحمر الدولي، وبين أسماء النازحين والناجيين من الحرب الذين استقر بهم المطاف الاخير في مخيمات اللجوء قرب مدينة دمشق، في انتظار طرد قوات الاحتلال الغازية من أرضهم وقراهم.
أربعة أعوام من الانتظار والأمل كانت ثمرة جهود بعض الأصدقاء والمعارف الذين استجابوا لتوسلات الزوجة، انتهت إلى يقين بان المجند العربي السوري سليمان صالح دعبوس قد استشهد في العاشر من شهر حزيران من العام 1967، أثناء المعركة التي جرت مع القوات الإسرائيلية التي احتلت الموقع في مخفر الكرسي.
بتاريخ 25/2/1989 استطاعت الزوجة نخلة عزام/ دعبوس من زيارة مدينة دمشق بواسطة الصليب الأحمر الدولي، والتقت مع عدد من أصدقاء ورفاق الزوج الشهيد" المنسي" منهم " العقيد ذيبو" من مدينة دير الزور والملازم الأول "احمد" من مدينة حماة. والملازم حميد عبيد، وآخرون وهم كانوا من أصدقائه ويأتون إلى زيارته باستمرار قبل الحرب،وطلبت منهم مساعدتها ومساعدة أبنائها، في تسمية زوجها شهيدا، ومنحه وسام الشهادة استحقاقا وتخليدا لذكراه، وقد أثمرت تلك الجهود والمساعدات في ترتيب لقاء لها مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، إلا أنها لم تستطع البقاء حتى موعد اللقاء، بسبب اضطرارها إلى العودة إلى قريتها في الجزء المحتل من الجولان، بعد أن تلقت نبا وفاة ابنتها الكبرى في تاريخ 9-3-1989 .تاركة ملف زوجها الشهيد أمانة في أيدي بعض الأصدقاء والأقارب، لكن شيئا منذ ذاك التاريخ لم يتغير... سوى تصريح احتاجته الدولة إلى إثبات بان المواطن سليمان صالح دعبوس هو موظف حكومي كان مسئولا عن المقاومة الشعبية في قرية عين قنية، وكان قد استشهد في حرب حزيران عام 1967 تصريح صادر عن وجهاء ومشايخ قرية عين قنية في الجولان السوري المحتل، بتاريخ 10-9-2004
أربعون عاما مضت على استشهاد المجند سليمان صالح دعبوس، ابن قرية عين قنية في الجولان السوري المحتل، ولم يعلن بعد رسميا عن تكريمه أو اعتباره شهيدا سقط في الخندق الأمامي المتقدم من الجبهة السورية في الجولان، دفاعا عن الوطن، وعن الشعب، أربعون عاما تستحق نخلة ذوقان عزام أن تودع حياتها بقليل من العزاء، وبقليل من الطمأنينة، والثقة بوطنها وحكومتها التي أوكلت يوما إلى زوجها مهمة وطنية مقدسة، في الموت فداء لتراب الوطن، وما بخل عن العطاء، فهو في النهاية سليل عائلة فلاحيه جولانية، لم تعرف سوى الإخلاص والعطاء والتضحية في سبيل عزة وكرامة الوطن.
أليس جديرا أيضا ان نقف اليوم وبمناسبة عيد الشهداء أن نستحضر في ذاكرتنا الوطنية والشعبية ذكرى أولئك الذين رووا بدمائهم ثرى الجولان، على امتداد رحلة الكفاح السورية الوطنية في الصراع مع الاحتلال والاستعمار،بدءاً من شهداء معارك المزرعة والكفر ومجدل شمس وسحيتا، والسكرة، وشهداء معارك النكبة الفلسطينية عام 1948، وشهداء مخفر الكرسي والنقيب، وتل الفخار، وتل العزيزيات، وشهداء قرية المنصورة وواسط، وجباثا الخشب، وجبل الشيخ، وصولا إلى شهداء عدوان حزيران 1967، والشهيد الخالد فريز فياض دعبوس ابن قرية عين قنية الذي استشهد في معركة البحرية على الساحل السوري في حرب تشرين عام 1973، وكل شهداء الجولان من أبرياء عزل ومناضلين في سبيل حرية وعزة الجولان العربي السوري المحتل.
بعض وجهاء قرية عين قنية يؤكدون في تصريح مشفوع بالقسم على أن المواطن سليمان صالح دعبوس هو شهيد سقط على أرض الجولان أثناء تأدية واجبه الوطني في الجبهة عام 1967.