مطبات: ابتسامة شامتة
يستطيع مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد أن يصرح بما يشاء حول قيام المديرية بإغلاق مئات وآلاف المحال التجارية التي خالفت التسعيرة التموينية خلال شهر رمضان، ومصادرة أكثر من 7000 طن من السكر لدى من وصفهم بضعاف النفوس، ووضعها في منافذ البيع بسعر 27 ليرة للكغ، ويستطيع كذلك تبرير ارتفاع سعر السكر إلى 40 ليرة بسبب ارتفاع سعر السكر عالمياً، وأن دور الدولة التدخلي هو الوصول إلى المواطن بسعر أقل.
كذلك تستطيع وزارة الاقتصاد في كل موسم رمضاني أن تهيب بنا نحن -الإخوة المواطنين- الاتصال برقمها المنشور على الشريط الأزرق فوراً في حال تعرضنا للغش، أو بيعنا سلعة بسعر يفوق ما حددته الوزارة، كذلك يستطيع التاجر السوري أن ينهرك ويقول لك - بعد أن تقول له لقد كتبوا في الجريدة أن سعر ...: اذهب واشتر من الجريدة.
يستطيع التلفزيون السوري أن يغرقك بالبرامج التي تتخصص بالحديث عن السوق، وقد يتجرأ محمد ذو الغنى في برنامج نهار جديد أن يتأفف من مسؤول ما، ويقاطعه على الهواء في حديث عن الأسواق الملتهبة في رمضان، وعن دور الدولة في حماية المواطن.
يستطيع المواطن في بلدي أن يقول أمام الكاميرا: أين تتواجد سيارات مؤسسة الخزن والتسويق الجوالة؟، والتي يصرح من في سدة إدارتها أن دور الدولة ينحصر في التدخل الايجابي حين الأزمات وقد أغرقنا السوق المحلية بالبندورة بسعر لا يتجاوز من 12-15 ليرة للنوع الجيد، والبطاطا من 18-20.. وحافظ الفروج على سعر جيد قياساً بالعام الفائت 110-115 ليرة للكغ. ومن الممكن أن يصرخ رجل في الستين بين السخط والقهر: كيلو اللحم البلدي اقترب من 1000ليرة، ويمكن لنا في الوقت نفسه أن نقرأ تصريحات تصدير الحكومة لأكثر من 300 ألف رأس من الغنم، وأن الثروة الحيوانية بخير.
يستطيع المواطنون في بلدي التهامس فيما بينهم عن واقع نوافذ مؤسسة الخزن والتسويق التي تتفق مع بعض التجار الصغار على بيع خضارها الطازجة، وموعد استلامها، وبيع المواطن ما تبقى من بضاعة عادية ضمن دور المؤسسة التدخلي، بينما يقتسم التجار الصغار مع بعض منتفعيها من بيع البضاعة بسعر السوق الجشع أرباح هذا التدخل، ويتهامس (المواطنون أيضاً عن تحول هذه النوافذ إلى سوبرماركات تبيع بطاقات الموبايل والأنترنت.
تستطيع وزارة الكهرباء أن تبدأ برنامج تقنين طويل للكهرباء بحجة العجز الذي سيتزايد مع السنوات المقبلة بآلاف الميغاواطات إذا لم نتدارك هذا الواقع ببناء خمس محطات جديدة، وتبشرنا الوزارة ببرنامج تقنين حتى أيلول، ثم على حين غرة تنتهي المشكلة ونتجاوز الأزمة، والمعجزة أن ننتقل من العجز إلى التصدير في غضون أيام، ويتم التوصل إلى اتفاق لبناء محطة كهرباء خاصة تتنازع على استثمارها خمس شركات كبرى.
يستطيع النائب الاقتصادي أن يشرح لنا على طول الخطة الخمسية العاشرة فوائد الانتقال إلى السوق الاجتماعية الحرة المفتوحة، وأن ذلك هو الحل الوحيد للانتقال إلى العالم عبر بوابة الشراكات الكبرى العالمية والإقليمية، وأن وضع الاقتصاد السوري مع مواطنيه شهد معدلات نمو إيجابية باضطراد، وأن نهاية الخطة الخمسية العاشرة ستشهد اكتمال زيادات الأجور لتصل إلى 100% على الراتب المقطوع المحدود.
يستطيع الموظف أن يحلم بكل الوعود على أنها حقائق، ويستطيع أن يحسب راتبه الجديد المقطوع والمحدود كما يشاء، ويستطيع بناء على ذلك رسم مسار حياته العملي والاقتصادي، وحتى واجبات زوجته في الولادة والعيادة والمباركات.
يستطيع هنا أي أحد أن يقول ما يشاء، ويعد كيفما اتفق، ويحلم كما يراه مناسباً في حلمه.. ولكن لماذا لا تصدق جارتنا العجوز أم هيثم كلام صاحب الدكان المجاورة لبيتها، وتصريحات حماية المستهلك، ومدير نافذة بيع الجملة، وما تقوله الصحافة عن زيادة الرواتب وخفض الأسعار، وما تتناوله برامج التلفزيون.
جاءتها الفرصة التي أظهرت حكمتها وما بقي من أسنانها وشماتتها عندما سمعت تصريح رئيس حكومتنا: لا زيادة في المدى المنظور.