بعد «كفرسوسة».. برزة هي الحلقة القادمة! ثمانون عائلة تنتظر المجهول على يد محافظة دمشق

 «السيد رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش..

مقدمه: أهالي وسكان حي البيادر مالكي العقارين (533-539) بموجب سندات تمليك وكاتب عدل نظامية منذ أكثر من خمسين عاماً، وقبل صدور مرسوم الاستملاك رقم 1299تاريخ 21/10/1979م، القاضي باستملاك جزء من العقار 533 وكامل العقار 539 نفع عام لصالح  السكن الشعبي بموجب العقد 782تاريخ 21/4/1979م.

بتاريخ 19/8/2009 تم إخلاء منزل السيدة فوزة السمهر مع أولادها القصّر والمتوفى زوجها منذ أكثر من 22 عاماً، والسيد محمود شبرق وعائلته مع محتويات منزليهما ورميهما في الشارع دون شفقة أو رحمة وبشكل قسري، بناء على قرارات صادرة عن المكتب التنفيذي لمحافظة مدينة دمشق، مخالفة بذلك القرار القضائي رقم 677 لعام 2001م الصادر عن المحكمة الإدارية، والمثبت بدائرة فحص الطعون وأن هذا الموضوع منظور أمام القضاء حالياً وبلغت المحافظة بذلك»..

هذا بالضبط الكتاب الذي وجهه أهالي حي البيادر للرقابة والتفتيش يشكون فيه مخالفة محافظة دمشق للقوانين والأنظمة النافذة، وهذا ما تكرر في الآونة الأخيرة من شكاوى تقدم بها مواطنون، وتبدو الشكوى كحلقة من مسلسل تمت مشاهدته سابقاً وبالأحداث نفسها.

 قصة متكررة

يوضح الأهالي وبالتفصيل الممل شكواهم، فيؤكدون أن العقارين المذكورين يقطن على مساحتهما نحو 80 عائلة، وهما يتبعان لمنطقة برزة العقارية، وهم يقطنون عليهما من عام 1960، وهو إرث عن آبائهم ولأجدادهم، وازداد عدد سكان التجمع بعد نكسة 1967 وقدوم النازحين جراءها.

يورد الأهالي الإثباتات المتتالية عن وجودهم القانوني في العقارين من عام 1964 حيث تم تمديد شبكة المياه النظامية وتقدموا بإيصالات دفع للاستجرار، كذلك إيصالات الضرائب المدفوعة لمالية دمشق بعد صدور تكليفه بتقدير بدائي تحت الرقم 4182 في سنة 1966، ومن ثم ربطهم بشبكة الصرف الصحي والكهربائي في عام 1970.

في العام 1980 أخطرت محافظة دمشق شاغلي العقارين باستملاكهما بالمرسوم رقم 1299 تاريخ 21/10/1979لمصلحة السكن الشعبي، ولدى مراجعة الدوائر المختصة في المحافظة أعلم المواطنون أن العقار 533 مستملك جزئياً لمصلحة مسار الطريق العام أوتوستراد مساكن برزة – ركن الدين، بموجب العقد 782تاريخ 21/4/1979، والباقي لأصحاب العقارات، وأن المحافظة خصصت الأهالي بالمقاسم 11-12-13بالمنطقة نفسها.

في عام 1984 أكملت محافظة دمشق مسلسل أخطائها بإيداع البدل المادي الاستملاكي لكامل العقار مخالفة بذلك نص المرسوم الاستملاكي المذكور.

بتاريخ 12/5/ 1990، قامت محافظة دمشق بتوجيه إنذار لشاغلي المحلات التجارية على العقار نفسه بإخلائها ليصار لتسليمها للجمعية السكنية للعاملين في قيادة شرطة دمشق خلال شهرين، وتم إيقاف التنفيذ بقرار قضائي.

في عام 1996، أضافت المحافظة كما يقول (أ.ص) المقسمين 9-10إلى مخصصات الأهالي الشاغلين، وذلك حسب ما صرحت به آنذاك السيدة أميرة صابوني رئيسة الدائرة الفنية في المحافظة، وتم تجيير التخصص للجمعية السكنية للعاملين في قيادة شرطة دمشق.

 جمعية الشرطة والمحافظة

في العام 2001 قامت جمعية الشرطة برفع دعوى على محافظة مدينة دمشق كونها اشترت منها، ونص الدعوى هو قيام المحافظة بإخلاء الشاغلين للعقارين المذكورين باعتبارهما أرضاً للجمعية، ولكن جاء القرار القضائي رقم 677لعام 2001 من محكمة القضاء الإداري برد الدعوى مضموناً، وأن ليس للمحافظة أية صفة قانونية لإخلاء القاطنين كونها باعت المقاسم وخرجت من يدها، وعلى جمعية الشرطة إرضاء القاطنين بالتفاهم والتراضي.

لم تيأس جمعية الشرطة وتقدمت بدعوى طاعنة للقرار وحكت دائرة فحص الطعون بالإجماع على قبول الدعوى شكلاً ورفضها مضموناً بموجب القرار رقم 1467/ط/1لعام 2001.

في كل مشاكل محافظة دمشق مع الأهالي المتضررين من قرارات الاستملاك التي نفذت والتي لم تنفذ، والتي قيل إنها لمشاريع تعود بالنفع العام أو جيرت كذلك، المشكلة التي يبدو أنها وصلت إلى حد العقدة هي إيجاد البديل العادل للذين تضرروا من استملاكاتها.

في هذه المشكلة جاء تصريح محافظ دمشق في حينه الدكتور غسان اللحام في العدد 11865تاريخ 11/8/2001 ليضع حلاً للمشكلة التي لم تحل، قال المحافظ إن التوجه الجديد وخاصة لبرزة وكفرسوسة هو تأمين مساكن بديلة بالمنطقة نفسها وعدم نقل الشاغلين إلى الحسينية أو مناطق أخرى.

بعد ثماني سنوات من هذا التصريح ما زالت المشكلة قائمة، وسكان كفرسوسة من مستحقين وسواهم أبعدوا إلى ما كان ينفيه الدكتور اللحام (الحسينية)، ولم يحصلوا على البديل العادل بالمنطقة نفسها، ومَنْ تم تخصيصهم صاروا يحلمون بمنطقة قدسيا.

أما سكان برزة فبدأ مسلسل إخلائهم، ويبدو أن الحبل على الجرار، وأن المشاكل بدأت تفتعل، من الشرطة ومن بعض المستفيدين.. كيف؟

 

 

إزعاجات وترهيب

 يقول الأهالي: في العام 1980 فوجئنا بإحصاء جديد من موظفي المحافظة مع رجال الشرطة وبالتعاون مع بعض أصحاب المكاتب العقارية الذين سعوا كثيراً  لشراء منازلنا بأسعار بخسة، ومن هذه المكاتب (مكتب الباشا والمأمون العقاريان).

يتابع أحد المواطنين: لقد قام بعض المخصصين في الجمعية السكنية للشرطة بوضع مخصصاتهم لدى المكاتب العقارية لبيعها بأسعار خيالية كون التخصيص لهم ولأبنائهم وأزواجهم، ومنهم العضو (إ.ح) رقم عضويته 109، وأن معظم المستفيدين من المقسم رقم 8 في الجمعية المذكورة باعوا إلى الغير بأرباح طائلة.

تتوضح فيما ذكر الخيوط الخفية لعملية التفاوض والضغط بين أعضاء الجمعية والمكاتب العقارية كطرف مستفيد من الصراع.

ويبرز الأهالي تصريحاً للسيد عبد الفتاح إياسو الذي لا تخلو مشكلة مشابهة من حضوره، ووعوده، في العدد 606تاريخ 18/3/2009من جريدة الوطن. يقول السيد إياسو: (حيث أفاد السيد عبد الفتاح مدير التنظيم والتخطيط العمراني بالتوجه لحي البيادر في منطقة برزة هو عدم الإخلاء قبل توفير منازل للقاطنين، حيث ستقدم هبة من عدد من الجمعيات السكنية، وأن السكن البديل سيؤمن على أطراف ريف دمشق للمستحقين وغير المستحقين, وأن العام 2009 لن يشهد أية خطوة على هذا الصعيد).

وبالفعل لم يطل الانتظار طويلاً.. يقول (أ.ص): في 28/3/2009 فوجئنا بالقرار 307 تاريخ 22/3/2009الصادر عن محافظة دمشق بقبول شقتي هبة مقدمة من مالكي المقسم 9 برزة العائد للجمعية التعاونية للعاملين في قيادة شرطة محافظة دمشق، وإعادة هبتهما لكل من المواطنة (فوزة رشيد السمهر والمواطن محمود شبرق)، وعلى مسؤولية مديرية التنظيم والتخطيط العمراني.

 الخطوة العملية

بتاريخ 19/8/2009، في الساعة الواحدة ظهراً، قامت محافظة دمشق بإرسال أكثر من عشرين موظفاً مدعمين بدورية شرطة محافظة دمشق، ويفوق عددهم على حد رأي المواطنين الـ40 مع مختار المحلة للقيام بإخلاء منزل المواطنة (السمهر) مع أولادها الصغار، وتركهم في الطريق، إضافة إلى منزل المواطن محمود شبرق. وكانت المنطقة قد شهدت محاولة مشابهة قبل التاريخ المذكور بـ20يوماً، لكنها لم تنجح لأن موظفي المحافظة حضروا دون إذن من النيابة.

الأهالي بعد الصدمة التي تلقوها بعيد كلام التطمين والمحاباة الذي صرح به مدير التنظيم العمراني إلى التنفيذ المفاجئ والمغاير للتصريح، والذي اعتبره الأهالي مبيتاً، وأن يداً متواطئة ومستفيدة تتآمر لإخراجهم دون بديل عادل، ووفق الأنظمة والقوانين، ودون حق، توجهوا مباشرة إلى من يمكن أن ينصفهم، القضاء الذي كانت قراراته في صفهم، الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، بعض من أصحاب القرار، ومن يمكن أن يقول معهم الحقيقة.. الصحافة، وقد أوجزوا طلباتهم بما يلي:

* يرفض الأهالي رفضاً قاطعاً أية هبة مهما تكن وتحت أية صفة، ومن أية جهة كانت، مقابل حقهم بامتلاك المنزل والأرض.

* إعادة النظر بالمرسوم الاستملاكي الذي ينص على امتلاك جزء من العقار 533 وليس كامل العقار، علماً  أنه لم يرد أي مرسوم ينص على استملاك كامل العقار سابقاً وحتى تاريخه، ودراسته بروح نص العقد 782تاريخ 21/4/1979م.

* انجاز المقاسم المخصصة للشاغلين على نفقة المحافظة المستفيدة وتوزيعها على القاطنين مقابل الإخلاء.

 الحلول في عين المتضرر

يقول أحد المواطنين المتضررين: كأن تعاقب المحافظين والمسؤولين في المحافظة ينسف الوعود، كلما جاء محافظ يطلق وعداً جميلاً لا ينفذ، يعقبه وعد آخر إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه.

في العام 1999 أفاد السيد المحافظ ضمن لقاء جماهيري وبحضور الرفاق أعضاء قيادة فرع دمشق للحزب ومسؤولي المحافظة، أنه سيتم دراسة منح ترخيص طابقين إضافيين لكل مقسم من أجل توزيعها على الشاغلين ضمن حدود المقسم لحي البيادر، وهذا لو تم تنفيذه، كان من الممكن أن يحل المعضلة.

وكذلك استناداً للعقد 782 القاضي بتوحيد مشروعه العقارات بالعقار 166وإعادة ملكية الجزء المتبقي لأصحاب العقارات، ومنها العقاران 533-539، ومعاملة المتضررين بتطبيق نظام التنظيم العمراني أسوة بالعقار 538 المجاور.

وأخيراً.. يظهر لدى المواطنين في حي البيادر يقين أن مصيرهم لن يكون أفضل من مصير من سبقوهم إلى الحسينية من أهالي كفر سوسة ومن طالهم استملاك محافظة دمشق.

 يرجو الأهالي أن يكون البديل المادي حقيقياً ووفق السعر الرائج، لأحد المواطنين عاد إلى العروض المقدمة من المكاتب العقارية حيث تم عرض سعر المتر بـ 10000 ليرة، ويقدر البعض ثمن المتر في منطقتهم بـ 110000 ليرة.

 من قرار محكمة القضاء الإداري

القرار رقم 677/1لسنة 2001

• ومن حيث أن جهة الإدارة المدعى عليها دفعت الدعوى بأن نصوص العقد المبرم مع الجهة المدعية ليس فيه أي نص يتعلق بإخلاء الإشغالات أو بإلزام الجهة المدعى عليها بإخلاء الإشغالات وأنه وفقاً لنص المادة 2 من العقد فإن الجهة المدعية قبلت بشراء المقسم بعد أن تمت معاينته بالحالة التي هو عليها وقت توقيع العقد فإن مطالبتها بإخلاء الإشغالات لا مستند قانوني لها وجديرة بالرد.

• كما ينبغي أن لا يغيب عن البال أن المادة 29من قانون الاستملاك التي نصت على حق الإدارة بوضع يدها على العقارات المستملكة إنما جاءت بالنسبة للعقارات المستملكة لتنفيذ مشاريع الإدارة ذات النفع العام كالمدارس والطرقات وغيرها وليس للاستملاك بغرض السكن فتلك مقاسم بيعت وخرجت من يد الإدارة ولم تعد لها أية صفة لإخلاء شاغليها لفقدان السند القانوني.

 مَن دون سند؟

القرار الذي أفردنا منه هذا الحيز واضح ويضع حداً للحقوق، المحافظة ليست جهة في الخلاف بين جمعية الشرطة والأهالي، ولا تملك أي سند قانوني لإخراج الناس من بيوتهم، وجمعية الشرطة وهي من البيت نفسه، يلزمها القرار القضائي بحل المشكلة مع الشاغلين بالتراضي والتفاهم لا باستعمال وسائلها.

من هو الذي لا سند قانون بيده؟ يبدو الأمر جلياً وواضحاً.. حلقة جديدة ليست أحداثها بالمدهشة والمفاجئة.