كيف أصبحت شيوعياً

هادئ كماء جدول، رغم أنه كان يهدر كالبحر وهو يواجه سطوة الدرك والإقطاع، أو خرائط الوجع الذي يرسمه السوط على الجسد، يمدكّ بالأمل وهو في أقاصي العمر، شيوعي حتى النخاع، الحزب عنده قبل كل شيء، لم يبغ جاهاً أو موقعاً أو منصباً، لكنه بصدقه وجرأته استطاع أن يكون قائداً فلاحياً مثله مثل غيره من شيوعيّ العقيدة والوجدان الذين ما زالوا يقبضون على الجمر، رغم مرارة الواقع..

ضيفنا لهذا العدد هو الرفيق  محسن حسين..

رفيقنا المحترم نرحب بك أجمل ترحيب, ونسألك أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعياً؟

«..أنا من مواليد منطقة الجزيرة- القامشلي - قرية خراب كورت /1935/، تعرفت على الشيوعية عن طريق رفاق من القرية, وعن طريق الرفيقين يوسف سيد يوسف وبشير محمود يوسف  انتميت إلى الحزب عام 1958، وأول فرقة حزبية عملت بها ضمت الرفيقين محمد خلف وصوفي برو، ثم أصبحت عضوا في فرعية ريف القامشلي، وبعدها صرت  عضو لجنة محلية بالقامشلي, وقد عملت مع العديد من الرفاق في كثير من قرى المنطقة  (دودا – كليجا – توكي - اولجيا ... وبعض القرى في منطقة تل حميس..).

تعرضت للتوقيف والاعتقال  أكثر من مرة, ففي المرة الأولى اعتقلت لمدة يومين إثر اتهام الملاكين لي بتحريض الفلاحين، وعندما لم  يشهد أحد من الفلاحين معهم على التهمة أخلي سبيلي. وفي المرة الثانية استدعتني الشرطة إلى بيت المختار وهددوني بالاعتقال لأني (أعمل مشاكل) حسب زعمهم, فقلت لهم: من أبلغكم بذلك هو من يعمل مشاكل.. هؤلاء يريدون إبعادي لكي لا يتعلم الفلاحون الدفاع عن حقوقهم.

أطول مدة اعتقال كانت  لثلاثة أشهر حين كلفني الحزب عن طريق الرفيق يعقوب كرو وإبراهيم سيد سلو بإيصال البريد الحزبي من وإلى دمشق، وكان ذلك عام 1964، ولأني لم أكن أعرف الطريق كلف الرفاق الرفيقة جلبية- أم فهد بإيصالي إلى المكان, وكان في آخر سوق الحميدية عند باب الجامع الأموي, وكانت كلمة السر والتعارف (يسألوني كم الساعة الآن, فأجيب بثلاث ساعات زيادة عن التوقيت الفعلي)، وهذا  ما جرى, فقد جاء اثنان من الرفاق وتعرفنا على بعضنا بموجب كلمة السر المتفق عليها، وفي اليوم الثاني جاءني الرفاق بكيس فيه مطبوعات وضعته فوق الباص، وبرسالة وضعتها تحت السكاير في علبة الدخان. وفي مفرق الرقة دير الزور أمام مخفر الشرطة العسكرية جرى تفتيشي بشكل دقيق فوجدوا الرسالة في علبة السجائر، عندها فهمت أن هناك وشاية، وعندما سئلت عن الرسالة الحزبية: ما هذه؟. قلت: إنها لك، وأنت تريد أن تلبسني التهمة.. أنكرت أية علاقة لي  بالرسالة، وسألوني هل لك أغراض فوق الباص؟ فقلت لهم لا، (هكذا كان الاتفاق مع الرفاق إذا تم توقيفنا لا نعترف بعائدية الوثائق والمطبوعات)، وتم توقيفي, وذهبت المطبوعات مع الباص ولا أدري عن مصيرها إلى اليوم.

تعرضت للتعذيب الشديد في المخفر للاعتراف بأن الرسالة لي فلم أعترف، وفي اليوم التالي حولوني إلى الرقة، وهناك سألني الضابط عن مصدر الورقة، فقلت: الورقة ليست لي، اعتقلوني لأني لا أحمل هوية. وكان معي موقوف آخر أنزلوه من الباص نفسه, اسمه جميل من القامشلي أوقف لسبب غير سياسي, فطلبت منه أن يبلغ الرفيق حميد خلي، وهو قريب له، أن محسن موقوف. أردت أن يعرف الحزب بالأمر. بعد ذلك أحالوني إلى مخابرات دير الزور، وهناك تعرضت لمزيد من التعذيب القاسي، ولم أعترف بشيء، وفي أحد الأيام دخل شرطي إلى المهجع فوقف الجميع باستثنائي، فضربني الشرطي بقدمه وكسر لي ضلعين, ثم تكرر التحقيق  ولم أعترف، وبعد شهر حولوني إلى المخابرات العسكرية بالقامشلي وبقيت مدة شهرين تحت التعذيب الدوري. وعن طريق أحد عمال المطعم الذي يجلبون منه الأكل للمعتقلين عرف الرفاق بمكان اعتقالي، فزارتني والدتي، وبطريقة متفق عليها بين الرفاق ووالدتي أبلغوني بأنه لا مانع من الاعتراف بانتمائي السياسي، فقلت لهم لم أعترف حتى الآن، ولن أعترف. فقالوا نترك لك تقدير الموقف، وبالفعل لم أعترف وتمت إحالتي إلى المحكمة وحكمت علي بثلاثة أشهر سجن و50 ليرة غرامة مالية، وكان قد مضى على اعتقالي 100 يوم،فقال لي مدير السجن مدة اعتقالك انتهت والمطلوب منك 50 ليرة لكي تذهب إلى بيتك، فقلت له بقيت عندكم 10 أيام زيادة هذه مقابل تلك! فضحك، وقال لا يجوز, ثم أمّنت والدتي المبلغ المطلوب, فأخلوا سبيلي.

شاركت في المعارك الفلاحية التي أدت لحصول فلاحي القرية على الأرض رغم إرادة الملاكين والمتواطئين معهم. وعندما تم تنفيذ الاستيلاء على الأراضي التي كانت بحوزة الفلاحين لإعطائها لمزارع الدولة ثم للمغمورين، بادرنا إلى وضع اليد على أراضي الملاكين، وكانت مساحتها 1500 دونم، فقالت الجهات الرسمية لكم 600 ولهم 900 فلم نرض، وحرثنا حوالي 1000 دونم لمصلحة الفلاحين فاشتكى الملاكون، وجاء  رئيس المخفر (ليخصص) لهم 1300 دونم لفلاحتها فلم نقبل، وقلت له هل معك أمر بذلك؟ فقال لدي أمر شفوي من مدير المنطقة، فقلت له لا نعترف بأي أمر شفوي, وتصدينا ومنعنا الفلاحة. وفي اليوم التالي قابلنا مدير المنطقة  وتمت (مصالحة) وأخذنا ثمن الحراثة من الملاكين وتركنا لهم الأرض في ذلك الموسم، وفي الموسم التالي وأمام إصرار جميع الفلاحين على عدم التنازل عن حقهم، تمكنّا من الحصول على إقرار بأن نفلح الأرض على الرغم من تهديد الملاكين لنا بطردنا من بيوتنا, وأخذنا نسخة من الاتفاق إلى اتحاد الفلاحين، وبقيت بحوزتنا مساحة ألف دونم ... وفيما بعد جرت محاولة أخرى لإعطاء قسم منها لملاكين من خارج القرية, فقاومناها وتعرضنا للاعتقال ,لكننا صمدنا ,وأقر القضاء بحقنا.

نعم أيها الرفاق، بهذه الروح الكفاحية وبهذا التضامن بين الفلاحين وبالثقة بالحزب وكادراته استطعنا الصمود في السجن والانتصار في ميدان النضال الطبقي، واليوم بعد الانقسامات التي أنهكت الحزب لم تعد (التنظيمات) قادرة على القيام بدورها, وهذا ما حز في نفسي، وكان سبباً لانقطاعي عن العمل التنظيمي, لكنني ما زلت مقتنعا بالمبادىء الشيوعية واحترم نضالات الحزب, وأدعو جميع الرفاق من خلال جريدة قاسيون إلى العمل من أجل وحدة الحزب، وأعتبر كل الرفاق المخلصين رفاقاً لي أينما كانت مواقعهم التنظيمية.