من أزمة الحصول على رغيف الخبز إلى أزمة في الرغيف
آلاف الأطنان من القمح غير القابل للاستهلاك البشري تصل موانئنا بغرض استخدامها في صناعة الخبز، يجري رفضها لتبقى مجهولة الوجهة، نتيجة طبيعية لسياسة الحكومة الاقتصادية وإجراءاتها على صعيد قطاع الإنتاج المادي بشقيه الزراعي والصناعي، التي أرهقت من يعمل بهما ليطال ذلك جميع المواطنين.
هو ذا رغيف الخبز الذي يفتقد للمواصفات الصحية، ويهزأ بكرامة المواطن ومزاياه الإنسانية، شوائب مجهولة، بثور سوداء، حروق، تعجين، شحوم صناعية وزيوت سوداء تلطخ وجه رغيف الخبز، فماذا بقي لنا بعد الوجع اليومي والموت الجزئي الذي يطالنا مع كل دفقة قرارات تسلبنا أحد الحقوق الطبيعية أو المكتسبة، حتى صار رغيف الخبز الناضج مظهراً للرفاهية بعيد المنال.
إن من يعبث بالخبز يمس عن دراية بأحد أوجه قدسية الإنسان المتوارثة عبر العصور، ويهدف إلى تدمير الروح الوطنية والمشاعر الإنسانية النبيلة متقاطعاً بذلك مع وحشية اقتصاد السوق الحر. فأزمات الحكومة تطفو على سطح مرجل السياسة، وحلولها جاهزة عند أصحاب الحل والربط، ومن المؤكد أن حلول الأزمات ستكون على حساب المواطنين في ظل غفوة الكهف التي أصابت مديرية حماية المستهلك بعدوى تثاؤب الحكومة، وفرط التغافل عن كل ما يمس مصلحة المواطن.
هنا في محافظة حماة ومنطقة الغاب عموماً لا رقابة ولا دوريات تموين، وعند كل وجبة طعام نقلب رغيف الخبز على وجهيه مرات عديدة لاختيار أيهما سنتناول، وينتهي بنا الأمر برمي الوجه (الأبيض) ليبقى القفا وما يخفيه من عيوب، وهذا هدر لنصف إنتاج الأفران من الخبز في منطقتنا، ولا ندري هل هذه الظاهرة منتشرة في باقي المحافظات، فإذا غضضت الطرف عن البثور والشوائب فلن تستطيع أن تتجاهل الشحم الأسود الذي لطخ رغيف خبزك، بفعل حلقات الجنزير وسيور خطوط التبريد، والمستغرب هذا التوافق في سوء صنع رغيف الخبز في إنتاج الأفران العامة والخاصة على حد سواء، فكثيراً ما يتنقل المرء من فرن إلى آخر عله يحظى برغيف نظيف، ولكن دون جدوى. الحال متشابهة والرغيف بالسوء ذاته أينما اتجهت، فهل هذا نمط من التشاركية يظهر فيه التكامل والانسجام بين القطاعين العام والخاص؟! فالقطاع الخاص يرمي من وراء إنتاج رغيف خبز سيئ إلى زيادة الربح، أما القائمون على أمر أفران القطاع العام فقد أخذتهم موجة الفساد والنهب واللامبالاة، انعكاساً لسياسات الحكومة. وما يزيد الطين بلة ويجعل الخبز أسوأ مما هو عليه، إتباع نظام المعتمدين الذين ينقلون الخبز مكدسا فوق بعضه ساخناً، فلا يحظى بالتهوية ولا التبريد ليبقى عجيناً محروقاً، بينما المفروض نقله بأقفاص بلاستيكية كي يحافظ على شكله وينال حقه في التبريد. وبغرض توفير بعض اللترات من المازوت يجهد القائمون على الأفران الخاصة والعامة على تخفيف قوة النار في الفرن، لتكون النتيجة هدر كبير من كميات الخبز المنتج، يستنزف الدعم المقدم لهذه المادة على خط النار الأخير.
أليس هذا انتهاكاً لأبسط حقوق المواطن؟ ورفعاً للدعم كيفياً من خلال التلاعب بمواصفات الرغيف؟ يبدأ بنوع القمح المستورد وينتهي بصناعته وطرق نقله ونظام توزيع الخبز عبر المعتمدين، الأمر الذي يُلحِق أضراراً إضافية برغيف الخبز. لذلك فمن الضروري الاعتماد على نظام البيع عبر نافذة الفرن مباشرة فقط، مع الأخذ بعين الاعتبار تنويع أوقات الإنتاج والتوزيع ليتمكن المواطنون من الحصول عليه عند الحاجة، ليلاً أو نهاراً، وخاصة في الأرياف، والمطلوب إعادة النظر بإجراءات رفع الدعم عن مستلزمات الإنتاج الزراعي، لنأكل مما نزرع، ونحافظ على أمننا الصحي والغذائي، وكرامة وطننا ومواطننا...