حوادث المرور.. تعددت أسبابها والموت واحد قتيل كل أربع ساعات و 36 جريحا يوميا
تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود 170584 آلية في دمشق لعام 2004، إضافة إلى نصف مليون آلية عبور قادمة من المحافظات الأخرى والبلدان المجاورة، وهي نسبة تبدو مخيفة، خصوصاً أن غالبية السيارات تفتقد إلى مواصفات السلامة الحقيقية، وغير خاضعة للتأمين الإلزامي، مما يشكل خطراً على المارة، والمخيف أكثر هو تكرار حوادث السير، إذ تبلغ معدل ضحايا تلك الحوادث 6 قتلى و 36 جريحاً يومياً، حسب معلومات حصلت عليها قاسيون من إدارة المرور، حيث بلغ عدد الحوادث المسجلة في العام 2005 نحو 20134 حادثاً، أما عدد الإصابات فبلغت 12841 إصابة مختلفة تتوزع بين الكسر والتعطيل عن العمل والشلل، في حين تم تسجيل 2179 قتيلاً هم ضحايا حوادث السير لعام 2005.
والقائمة التفصيلية لهذه الإحصاءات تبين أن مجموع حوادث الاصطدام بلغت 15378 حادثاً بنسبة 79% في حين كان مجموع حوادث الدهس 1673 حادثاً بنسبة 8%، أما مجموع حوادث التدهور فكانت 2979 حادثاً بنسبة 15%، بينما كانت حوادث الحريق بحدود 104 حادثة وبنسبة 1%، أما الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن حوادث السير حسب أرقام الجمعية السورية للوقاية من حوادث المرور فانها تقدر بـ 5 مليار ليرة سورية سنوياً. وهو مبلغ يساوي تقريباً 1% من حجم الدخل الوطني، بينما سجلت أرقام وزارة الصحة أن 20% من أسرّة المشافي في البلاد مشغولة بضحايا حوادث المرور وأغلبهم من ذوي الفئات العمرية الصغيرة التي تتراوح بين 5 ـ 25 سنة.
تقاذف للكرات والمشكلة مستمرة
أمام هذه الأرقام المخيفة يبدو السؤال مشروعاً حول تحديد المسؤول عن حوادث القتل المجاني في بلدنا، وهل ثمة رؤية حكومية واضحة لمواجهة هذا المرض القاتل الذي يزهق أرواح آلاف الأشخاص سنوياً ويفضي بآلاف آخرين نحو جحيم الإعاقة التي تسبب بإعاقة السير أكثر وأكثر حين يقوم هؤلاء بأخذ نصف الطريق لافتراش بسطاتهم وربما أسرتهم؟!
والجواب هنا على الرغم من بديهيته، لايبدو سهلاً نظراً لتداخل الجهات الكثيرة في الإشراف على المسألة المرورية، والبيروقراطية الثقيلة التي تحكم آلية عملها، والتي تختصر المشكلة عادة بتقاذف الكرة إلى ملعب السائقين والمشاة الذين لايتقيدون بالأنظمة في حين يقوم هؤلاء بتقاذف الكرة في الاتجاه المعاكس عبر تحميل المسؤولية لرجال المرور الذين لاهم لهم سوى تنظيف جيوب السائقين من ثمرات كفاحهم بدلاً من أن يقوموا بتنظيف الطريق أمامهم، لنكون أمام حلقات لامتناهية من مسلسل« توم وجيري» مخصصة حصرياً لحوادث السير على طرقنا المتعرجة والضيقة والمليئة بالحفر كأنها خرجت للتو من حرب طويلة الأمد.
قسم التوجيه المعنوي في وزارة الداخلية أكد على وجود قانون في سورية خصص للحد من حوادث المرور، لكن الحوادث وصلت إلى درجة مقلقة، بسبب التراخي في تطبيق القانون الذي يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات لمن تسبب في موت أحد عن إهمال، وهذه العقوبة تبدو مخففة جداً لأنها لاتعد القتل هنا من جرائم القتل المقصود، بل من جرائم القتل والإيذاء غير المقصود.
من جهة أخرى تفقدت قاسيون المركز الرئيسي للكشف الفني على السيارات في حرستا، حيث كان هناك طابور ضخم من السيارات بانتظار الدور الذي لن يأتي في الحالة الطبيعية إلا بعد مرور ثلاثة أيام على الأقل، حيث يقوم بالكشف شخص يفترض أن يحمل شهادة في الميكانيك يقوم بفحص السيارات بعد دفع الرسم من جميع النواحي، لكن السائقين هناك أكدوا بأن هذه العملية أكثر من روتينية وتخضع للمحسوبية مثلها مثل أي معاملة أخرى لدى دوائر الدولة، حيث يمكن تجاوز الدور بـ 1000 ل.س عن طريق سماسرة معروفين هناك،كما أن لهم تسعيرة خاصة لنجاح السيارات التي قد لاتحصل على النقاط المطلوبة في الكشف الفني.
أما إدارة المرور وهي الجهة المباشرة عن السير فقد أكدت لنا أن سبب الحوادث الرئيسي هو السرعة الزائدة وعدم التقيد بقوانين السير، حيث قامت الإدارة بتسجيل 2 مليون مخالفة مرورية منها 20 ألف على الطرقات الخارجية التي تم إثباتها بالصور عن طريق الرادار، لكن معظم السائقين حفظوا مكان الرادارات، فأصبحوا يتقيدون بحدود السرعة في تلك المناطق، ولأن أغلب الحوادث كانت تصيب السيارات العامة التي تنقل المواطنين فقد تقرر بدءاً من الشهر الجاري تركيب الصندوق الأسود للحافلات العامة الذي سيساهم إلى حد كبير للتخفيف من الحوادث.
فساد ومخالفات
لكن للسائقين رأياً مخالفاً للرأي الرسمي، محملين أسباب الحوادث بالدرجة الأولى إلى رجال المرور الذين يقومون بفرض اتاوات على السائقين سواء كان مخالفاً أوغير مخالف، مما يضطر السائق إلى زيادة سرعة المركبة للهروب من الضابطة المرورية المنصوبة له، أما السبب الآخر من وجهة نظر السائقين فهو ضيق الطرقات وامتلاءها بالحفر والمارة، وافتقارها إلى الجسور والأنفاق اللازمة، حيث يكون الطريق مشتركاً للكل بدءاً من الدراجة والشاحنة والنقل العام والمارة والبسطات أنتهاءً بالطنابر، على عكس ماهو معمول به في الدول المجاورة حيث يكون لكل نوع من الآليات طريق خاص بها، بينما أشار سائق اخر إلى الفساد الموجود في مدارس السياقة التي تقوم بإعطاء رخصة القيادة بمبلغ 3000 ل.س دون أن يخضع السائق لدورة تدريبية مما ساهم إلى حد كبير في زيادة حوادث السير.
الوضع المروري العام
اما الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق وهي جمعية غير ربحية تعنى بحوادث الطرق،فقد أشارت إلى ضرورة أن تتواءم أنظمة المرور مع التطورات الاقتصادية والتغيرات الديموغرافية وتزايد عدد المركبات التي تستخدم الطريق، والتي تفرض بدورها ظروفاً ومعطيات مستجدة تتطلب إعادة النظر في الأنظمة المرورية وتعديل قانون السير، لكي يتصدى لهذه التغيرات ويعالج خروقات البعض لمواده، وذلك بتشديد العقوبات والإجراءات القانونية الصارمة لردعهم عندما لايحكمون منطق العقل في التعامل مع المركبة، مضيفة بأن أحد الأسباب الهامة للحوادث هو عدم التأهيل الجيد للسائقين وهو أمر يمكن تداركه من خلال مدارس السياقة التي يجب أن لاتعطي رخصة السياقة لأي سائق قبل تأهيله من الناحية السلوكية والنفسية والتعامل مع المركبة بشكل صحيح، وهنا يجب أن لانترك للوساطات والرشاوى أن تتدخل في هذا المجال، بالإضافة إلى أن الرخصة يجب أن تكون مؤقتة لمدة ستة أشهر يختبر خلالها السائق لجهة مدى تقيده بنظام السير، ومن ثم يمكن إعطاؤه رخصة دائمة في حال اجتيازه الاختبار بنجاح، كما أنه يمكن سحب الرخصة بشكل دائم أو مؤقت بحسب المخالفات وتكرارها.
ومن وجهة نظر الجمعية فإن المركبات الحكومية والرسمية تأخذ حيزاً كبيراً في أسباب الحوادث حيث تم ملاحظة أن معظم السائقين لايلتزمون بقانون السير ولايهابون شرطي المرور مما يشكل تبريراً مهماً لسائقي المركبات غير الرسمية في ارتكاب المخالفات عن سابق إصرار وتصميم، خاصة وأن رجال الشرطة يتجنبون أي ملاحقة لهم، خوفاً من تورطهم في نقاشات قد تجلب الضرر لهم ولرؤسائهم، وترى الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق، بأن الطريق هو المسبب الثاني من حيث الأهمية للحوادث، حيث تعاني أغلب الطرق المحلية من الحفريات المستمرة غير المنظمة في الشوارع والتي تسبب إرباكاً مرورياً طيلة السنة، بالإضافة إلى أن عدم وجود أمكنة مأجورة لتوقف السيارات مثل بقية الدول بسبب عدم قدرة العاصمة على استيعاب هذا العدد الكبير من السيارات مما يجبر المواطن على المخالفة واستخدام الرصيف أحياناً، ومن هناك كان من الواجب إزالة كل ما قد يعرض المركبات إلى حوادث مفاجئة بسبب رداءة الطرق خاصة تلك التي تسمى «البقع السوداء» التي تكثر فيها الحوادث وإلغاء الإشارات الضوئية واستبدالها بالأنفاق والجسور، مما يتطلب السعي والتعاون مع وزارة النقل الجهة المعنية بإنشاء وتنظيم شبكة الطرق الداخلية والخارجية وذلك وفق المواصفات والجودة التي تحقق شروط السلامة والأمان للركاب والمشاة، ودورنا كجمعية أهلية هنا يعتمد على مراقبة الطرق وتلقي مايردنا من هواتف حيث نقوم بإيصالها إلى الجهة المسؤولة لمعالجتها وتدارك الأخطاء الموجودة فيها.
أما في جانب المركبة فقد أشارت الجمعية إلى ضرورة إيقاف المركبات التي تصدر الدخان فوق الحد المسموح به، حتى يتم معالجة هذه المخالفة ومخالفة المركبات التي لاتتوفر فيها المواصفات الفنية المطلوبة خاصة الإطارات والأنوار بالإضافة إلى عدم السماح للسيارات الكبيرة بالدخول إلى مركز المدينة وإلزام وسائل النقل الداخلي بالوقوف في المواقف المخصصة، كما من الضروري عند تجديد الرخصة السنوية أن تفحص المركبة بشكل حقيقي وليس شكلياً للتأكد من توافر المواصفات المطلوبة، وعدم منح هذه الرخصة إلا بعد استدراك النواقص، كذلك من المهم أيضاً مراقبة المركبات على الطريق وحجز كل مركبة تعمل مخالفة للشروط المحددة، ومن الأهمية أيضاً أن يكون الفحص الفني شاملاً وليس جزئياً (المحرك ـ المكابح ـ المساحات ـ الإطارات ـ حزام الأمان . . . . . إلخ) وضرورة تعويد المواطن على التقيد بهذه التعليمات بشكل طوعي وذاتي من خلال التوجيه المروري للطفل في المدارس ومن خلال حملة وطنية شاملة بعد أن نهيئ له الطريق الآمن المنظم وفق أفضل الشروط الذي يساعد على هذا الاستخدام، ولانترك له عندها حجة لمخالفة الأنظمة المرورية.
ونوهت الجمعية إلى أن المركبات بأنواعها المختلفة مسؤولة بمقدار 60% عن أسباب التلوث في بلادنا، والتي باتت مشكلة مرعبة، لها تأثيراتها الضارة الواضحة على الصحة العامة، لما تنفثه عوادم السيارات من دخان مسمم للبيئة، يفتك بأهل المدن ويعرض حياتهم للخطر، لهذا كله تسعى الجمعية السورية بالتعاون مع الجهات المعنية لمراقبة المركبات من الناحية الفنية والتأكد من خلوها من مسببات التلوث قبل السماح لها باستخدام الطريق.
خسائر الاقتصاد الوطني
وأجملت الجمعية السورية الخسائر الناتجة عن حوادث المرور كما يلي:
- خسارة الخبرات بسبب الوفاة المبكرة (قبل الوصول إلى سن التقاعد) أو بسبب التقاعد المبكر نتيجة العجز الناجم عن الحوداث المرورية.
- النفقات الطبية المصروفة على علاج الإصابات.
- توقف المصابين عن العمل/ أجور مدفوعة رغم التوقف عن العمل/.
- الأموال المصروفة على إصلاح المركبات المتضررة والخسائر الناجمة من جراء فقدان حمولة السيارات المشتركة بالحادث.
- الأموال المصروفة على إصلاح الممتلكات المتضررة في الطريق والإشارات الضوئية وسواهما (البنية المرورية).
- التعويضات التي تعطى لذوي القتلى أو الجرحى المصابين في الحادثة المرورية (التأمين).
- خسائر إدارة المرور والمحاكم من جراء التحقيق في الحادثة التي قد تستمر لمدة طويلة.
إن حوادث المرور هي إحدى المشكلات الهامة في سلم الحوادث بشكل عام، وينجم عنها خسائر بشرية وأذيات جسدية تترافق بإعاقة جزئية أو كاملة، وقصور في الحواس وفي الأجهزة، ينجم عنها آثار اجتماعية ونفسية بالإضافة إلى تأثيراتها الاقتصادية بما تسببه من خسائر مادية مباشرة أو غير مباشرة. ومن هنا فإن الدراسة الإحصائية وإجراء بحوث علمية حول حجم المشكلة وأبعادها وتأثيراتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية هام جداً لأن الدراسة المنهجية والموضوعية لهذه المشكلة يضعنا في المسار الصحيح نحو إيجاد الحلول الصائبة.
كما أن تطوير المنظومة الإسعافية لها دور كبير في تقليل عدد قتلى حوادث السير، لأن معظم الإصابات يتم إسعافها عن طريق السيارات العابرة بسبب تأخر وصول سيارات الإسعاف إلى مكان الحادث، وبالتالي يتم نقل المصاب بطريقة خاطئة وعدم إجراء الإسعافات الأولية للمصاب في مكان الحادث أو أثناء نقله إلى المشفى،مما يؤدي إلى تفاقم حالته الصحية وقد يموت أثناءها، الأمر الذي يتطلب دراسة دقيقة وميدانية لبيان الحاجة الفعلية من مستلزمات الإسعاف الأولي للمصابين على الطرقات من سيارات ومواد طبية وكادر فني، وتوزيع هذه الإمكانات بشكل صحيح على كافة الطرق، بشكل يتناسب مع حجم الحوادث في كل طريق، إضافة إلى تجهيز المشافي القريبة بكل لوازم الخدمة الإسعافية مع أجهزة اتصال متطورة مما سيخفف كثيرا ًمن هدر دم المصابين وإزهاق أرواحهم على الطرقات.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.