خلدون نعيم العزام خلدون نعيم العزام

المياه الجوفية بـ«إزرع».. نقية أم ملوثة؟

 مدينة إزرع هي واحدة من المدن الكبيرة التابعة لمحافظة درعا، ولكن الخدمات فيها لم ترتق يوماً إلى مستوى مقبول لأهميتها الزراعية والجغرافية، فأحياء كثيرة فيها لم يصلها الصرف الصحي حتى هذه اللحظة، رغم الضرورة القصوى لذلك من الناحيتين الصحية والبيئية. وهناك أحياء أخرى وصلها بصعوبة بعد لأيٍ، وليته لم يصل، لأن تنفيذه تم بأسوأ المواصفات، وبطريقة ارتجالية تماماً.

ففي الحي الشمالي الشرقي من مدينة إزرع، جرى منذ بضعة أيام إتمام تنفيذ شبكة المياه المالحة، ولكن النتائج النهائية أظهرت أن القائمين على العمل قد تناسوا الهدف المطلوب من هذه الشبكة، وهو درء المخاطر الناجمة عن سوء تصريف المخلفات.

فنظرة ميدانية سريعة إلى الشبكة الممدودة، تظهر أن هناك مشكلة كبيرة في التخطيط وفي التنفيذ، فنقطة البداية يزيد عمقها عن المترين، لكن ما إن تمتد مسافة خمسين متراً حتى تصبح المجارير ظاهرة على مستوى سطح الأرض!! وكأنما لم يكن المنفذون على علم  بطبيعة الأرض المحيطة ومنسوب ارتفاع المنطقة المراد تخديمها.. كما لم يلحظ القائمون على المشروع شبكة مياه الشرب التي أصبحت تحت الشبكة المالحة مباشرة، والمصيبة الأكبر هي أنه توجد بئر لمياه الشرب في هذا الموقع لا تبعد سوى أمتار قليلة عن شبكة المياه المالحة، وهي تضخ الماء في الشبكة الرئيسية لمدينة أزرع بأكملها، وبالتالي فإن أي تسريب قد يحصل من المجارير سوف تطال المياه الملوثة البئر الحيوي والاستراتيجي للمدينة، وحينها سوف تتلوث مياهه ويتم إغلاقه كما أغلقت ثلاث آبار قبلها بسبب ارتفاع نسبة النتريت فيها بشكل مفاجئ، وهو مركب كيميائي ناتج عن تحلل المواد العضوية، والذي لا تفسير له سوى تلوث مياهها بمياه الصرف الصحي.

فكم من الآبار يجب أن تغلق حتى نتعلم كيف نحافظ على مياهنا؟ علماً أن معظم أحياء مدينة إزرع لا تصلها المياه سوى بضع ساعات كل يومين، وبعضها لا تصله المياه إلا ما ندر، كما هو الحال في الحي الذي يقع إلى الشرق من المركز الثقافي، حيث لم يحظَ الناس بالمياه سوى ثلاثة أيام خلال خمسة وعشرين يوماً.

من جهة أخرى، فإن بعض الأحياء لم تصلها شبكة الصرف الصحي إلى الآن، مع أنها لا تبعد عن الشبكة الرئيسية إلا مسافة مئة متر فقط، وتعتمد منازل هذه الأحياء على الحفر الاصطناعية للتخلص من المياه المالحة لديها، وهذه الحفر هي عبارة عن بحيرات صغيرة، ولكنها بمجموعها تشكل بحيرة كبيرة ترفد بمياهها الملوثة المياه الجوفية. والأخطر من ذلك أن بعض الأحياء في البلدة القديمة غير المخدمة بشبكة الصرف الصحي، يتخلص الأهالي فيها من المياه المالحة بتحويلها إلى آبار قديمة موجودة سابقاً، ولا أحد يستطيع أن يجزم إن كانت هذه الآبار مستقلة ومعزولة عن المياه الجوفية أم لا؟ علماً أن البعض يعتقدون أن هذه الآبار المليئة بالمياه المالحة تتصل بالمياه الجوفية مباشرة.

يُذكر أن المياه الصالحة للشرب في حوران في تناقص مستمر لأسباب كثيرة، منها الجفاف الذي أصاب المنطقة في السنوات الماضية مما حال دون تعويض النقص في مخزون المياه الجوفية، وكذلك الاستخدام العشوائي وغير المدروس للمياه وعدم الالتزام بالمواصفات العامة والذي أدى ومازال يؤدي إلى تلويث نسبة كبيرة من المياه الصالحة للشرب.

هذه المياه جمعتها الطبيعة خلال مئات السنين، ولا يحق لأحد أن يدمرها، فهي حق لأبنائنا وأبنائهم من بعدهم، وواجب علينا أن نحافظ عليها.

يقال إن نصف الخسارة هو ربح، إذاً فلنحافظ على ما تبقى من مياهنا قبل أن نخسرها كلها.