عصام إسحق عصام إسحق

الصّناعة السّوريّة.. بين تصريحات الوزير والواقع المرير

نشرت الزميلة «الاقتصادية» في عددها (404)، تاريخ 26/7/2009 حواراً مع وزير الصناعة السّوري فؤاد عيسى الجوني، حيث أتحفنا بحقائق تجعل المواطن السوري يشعر بأن الإصلاح الصناعي قد اجتاح البلاد فعلاً، وأنّ الصناعة السورية في تطوّر متزايد وجاد، ولم يعلم معاليه بأن حبوب الأسبرين التي ضخّنا بها ما عادت تنفع، لأن الداء استفحل، والورم بات بحاجة لاستئصال جذري..

1- قال الوزير: (لا يوجد قلق كبير على الصناعة السورية، والوضع بين المقبول والجيد، وتأثيرات الأزمة العالمية لن تكون كارثية، والمؤشرات تؤكد ذلك، فقد ارتفعت صادرات مصانع الألبسة منذ بداية الشهر السابع..). ونقول: إن هذه المؤشرات سطحية وغير كافية، حيث لا يمكن تقييم الصناعة السورية من خلال معامل لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، علماً بأن مئات معامل النسيج والألبسة تحوّل أصحابها إلى متسوّلين يستوردون ويغذّون الأسواق، كما أن تصريحات الوزير فيها تناقض، فكيف يذكر بأن قطاع الغزل والنسيج خاسر وآلاته تصلح للوضع في متحف، وفي الوقت نفسه يتباهى بأرباح وارتفاع صادراته؟؟.

2- ثم يقول: (معظم الصناعيّين تجاوزوا الأزمة العالمية... وهناك انعكاسات سلبية عليهم تتركز على انخفاض أرباحهم، حيث (يدّعي) بعضهم أنها خسائر، ولكن بقناعتي هي انخفاض نسبي بالأرباح، ولا أنكر توقّف بعض المصانع، لكن التأثير لم يكن كارثياً..). إن هذا الكلام مناف للواقع الذي يحلله علماء الاقتصاد الغربيّون الذين يؤكدون بأن الأزمة مازالت في بداياتها... ثم إن كل الدلائل تشير إلى ضربة قوية تعرضت لها الصناعة السورية أفقدتها القدرة على منافسة المنتجات الأوروبية الواردة في ظل عدم دعم الحكومة للوقود أو تخفيض الضرائب. قناعته لا تعتبر تطميناً، إنّما كلام نظري لا يملك مفاعيل واقعية، فالصناعة تعرضت لنتائج كارثية بعد العمل على خصخصة القطاع العام بفعل فاعل وليس من تلقاء نفسه أو تحت تأثير أزمة عالمية.

3-  يضيف: (لا توجد إحصائية دقيقة في موضوع عدد المنشآت المتضررة، فلدينا /130/ألف منشأة تضرر منها عدد لا يتجاوز المئات..). ونردّ: إن العدد المحدود الذي لا يتجاوز المئات هو عدد ليس بصغير سورياً، فكم عائلة ستتضرر من جراء تضرر منشأة واحدة، فكيف بعدة مئات!؟ علماً بأن الحقائق تقول بتوقف الأكثرية الساحقة من المنشآت كالتحويلية والغذائية..

 ثم أين هي الإحصاءات الرسمية الدقيقة التي تدحض فعلاً هذه الحقائق؟؟.

4- قال الوزير: (أهم القرارات التي لم تنفّذ هو الاتفاق مع شركات المراقبة الدولية، وقد وصلنا إلى صياغة عقد، حيث يوجد 3 عروض من 3 شركات: SGS السويسرية، البيرونيروتاس الفرنسية ومايير التركية..). ونسأل: ألا تستطيع الدولة مراقبة المنتجات الوافدة بمفردها؟، هل تسعى إلى خصخصة قطاع المراقبة أيضاً؟ حيث صرّح بقيام غرف الصناعة بهذه المهمة الوطنية ولكن بمشاركة شركات خاصّة..

5- قال معاليه: (سيتم نقل معمل السماد إلى خنيفيس بتدمر، لأن عمره أكثر من 30 عاماً، وخطوطه قديمة ولم يجر عليها أي تطوير منذ سنوات..). ونقول محيّين: صباح الخير!!.. بعد مرور 30 عاماً سينقل معمل السماد، بعد أن أجهز وجوده في قطّينة على كل ما يمت للبيئة بصلة، بعد أن قضى على أجمل البحيرات الطبيعية المغلقة في الوطن العربي، مع ما خلّفه من أوبئة وتشوّهات مختلفة طالت البشر والشجر والحيوان... صح النوم!!.

6- لقد ذكر السيد الوزير العديد من الشركات والمؤسسات العامة التي هي بصدد التوقف أو على طريق الخصخصة والاستثمار كشركات: بردى والمحركات والألمنيوم والأخشاب والكبريت والكونسروة... والسبب واحد، وهو مرور الزمن دون حدوث تطوير وتحديث للآلات وخطوط الإنتاج، فهل كان ذلك مقصوداً كي نصل إلى الوقت الذي نغلق فيه هذه الشركات التي كانت تمثل مشروعاً وطنياً هو دعم الصناعة الوطنية والاكتفاء الذاتي الذي كان يشرف عليه الرئيس الراحل حافظ الأسد شخصياً؟. من سيحاسَب؟، أم أن الفريق الاقتصادي فوق المصلحة الوطنية العليا؟. إن هذا من صنيع حكومات متتالية جهّزت الأرضية المناسبة لاتخاذ قراركهذا.

7- قال معاليه: (نستطيع الاستغناء عن /15/ ألف عامل بالقطاع العام كعمالة فائضة ولن تتأثر الشركات بموضوع الإنتاج..). فإذا حسبنا أن لكل عامل عائلة مؤلّفة من 4 أفراد كحد أدنى، إذاً فهناك 60 ألف مواطن سيكونون في مهب الفقر والبطالة، فهل لدى معاليه بديل يؤمن لهم العيش الكريم؟

وفي النهاية نحب أن نذكّر معالي الوزير بأن جميع الوقائع على الأرض وأحوال الصناعيّين تنفي المغالطات والمزاعم التي أبهرنا بها، والتي تبني قصوراً في الهواء في عقول المواطنين السوريين الذين لم يكونوا في يوم من الأيام غافلين عن هذه التصريحات الخلّبية المسيئة للشعب السوري.