عيد «نوروز»... بأية حال عدت يا عيد؟!

النوروز.. عيد الأعياد الذي يحتفل به الأكراد وكثير من شعوب الشرق منذ ستة وعشرين قرناً ونيف بكل أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم في كل أصقاع العالم وخاصة في الوطن الأم كردستان، مر هذا العام على سورية، مثله مثل بقية الأعياد، بلا فرح حقيقي نتيجة للظروف المعاشية القاسية التي تعاني منها النسبة العظمى من أفراد الشعب..

احتفل الكرد في سورية هذا العام من «ديريك» إلى دمشق دون مشاكل أمنية تذكر إلا بعض «المناوشات» في حلب ليلة نوروز، وقد حمل المحتفلون همومهم معهم إلى مراكز الاحتفالات رافعين صوتهم من أجل رفع الظلم والجور عنهم وخاصة وطأة الإحصاء الاستثنائي المشؤوم لعام 1962 وتبعاته التي يأتي في مقدمتها حرمانهم من الجنسية وبالتالي من معظم حقوقهم خصوصاً في ظل القوانين الاستثنائية التي أثقلت كاهلهم كما أثقلت كاهل الشعب السوري كله من أقصاه إلى أقصاه..

في دمشق وريفها خرج المواطنون الأكراد السوريون كما في السنين الماضية إلى ثلاثة مراكز مختلفة للاحتفال بالعيد (حي تشرين – بساتين ركن الدين – صحارى) بمشاركة بسيطة من بقية الإخوة والشركاء في الوطن، الذين كانوا على قلتهم يشكلون عنصراً رمزياً هاماً للتأكيد أن جميع أبناء سورية هم إخوة في الأفراح والأتراح، وأن عيد النوروز يمكن أن يكون عيداً جامعاً لجميع أبناء الوطن على اختلاف تلاوينهم تتجلى فيه عوامل وركائز الوحدة الوطنية الحقيقية على أرض الواقع في وجه المتآمرين.

وكانت بعثة قاسيون حاضرة في مراكز الاحتفال الثلاثة للوقوف على آراء المحتفلين ومعاناتهم في هذا اليوم، وآراء المشاركين معهم من أصحاب الأراضي الزراعية التي أقيمت عليها الاحتفالات.

عندما سألنا بعض سكان حي تشرين عن رأيهم بالعيد لم يخفوا انزعاجهم مما حصل من إتلاف لمزروعاتهم بسبب الزحام مع ضيق المكان.. وعلى حد قول (أبو محمد) فمعاناته هذه مستمرة منذ عقدين من الزمن ورغم (اعتراضنا على هذا التجمع الكبير من الحشود لم نلق جواباً من أصحاب الشأن، علماً أننا مستعدون أن نحتفل مع إخوتنا الأكراد في عيدهم وفي  أي مكان آخر يتسع للجميع).

- إحدى الفلاحات قالت لنا: لقد خسرنا موسمنا.. ونحن على هذا الموعد سنوياً، علماً أننا وكما ترون وقفنا جميعنا - نحن أفراد الأسرة- على جانبي الأرض لحماية محصولنا الذي أقبل على القطف لكن دون جدوى.

- أما الشاب عبد الرحمن فيقول: كل عام نطالب الجهات المسؤولة بتعويضنا عن خسائرنا لكننا لم نجد أذنا صاغية حتى الآن.. وليس لنا حول ولاقوة أمام ما يجري، ونحن بصدد تقديم عريضة لإيجاد حل في السنة القادمة.

- رب أسرة قادم من منطقة (السبينة) مع عائلته قال: لم نعد قادرين على الاستمرار في المجيء إلى هذا المكان الضيق، كأنهم يحشروننا في هذا المكان كي لايرانا أحد، ولاأعلم هل القائمون على الاحتفال هم من اتفقوا مع الجهات المعنية على احتفالنا بهذا الشكل (لامن شاف ولامن دري)؟؟.

- فرحان تحلو قال: على مايبدو أنه علينا أن نحتفل بعيدنا على هذا المنوال طول عمرنا.. في كل عام يقولون لنا هذه آخر سنة يجري  الاحتفال في هذا المكان.. ويتنصلون من كلامهم.. وبصراحة فقد تركت الاحتفال قبل انتهائه لأنني لم أجد مكاناً مقبولاً لعائلتي..

- مسعود . م قال: أعتقد أن الحق ليس على الجماهير المحتفلة بل على القائمين والمنظمين، فمعظمهم لايتفقون فيما بينهم فكيف يتفقون مع الجهات المعنية؟ ولعل أكبر دليل على ذلك وجود خمسة مسارح لتقديم العروض في حي تشرين وحده، عدا الذين أتوا على شكل مجموعات أو العزف المنفرد.

- الطفلة ريم . ن قالت بعد الاحتفال: كنت أظن بأن أبي سيأخذنا إلى احتفال كالذي نشاهده على التلفزيون، فضحك علينا أنا وأختي وأخذنا لمكان أسوأ من المكان الذي يسكن فيه جدي وستي في الضيعة!

- سعيد . ق اختار المركز الثاني ليحتفل به (بساتين ركن الدين شرقية) نظراً للدعاية التي بثت بأن أحد المطربين الكرد الكبار سيأتي من أوروبا لإحياء الحفل، ولكنه لاقى مالاقاه رفاقه في حي تشرين: غبار كثيف وضيق في المكان يصلح لأي شيء عدا الاحتفال.

- عمار . ب الذي أمضى العيد قرب صحارى على طريق الديماس قال: صحيح أن القدوم إلى هنا يتطلب وقتا وتكلفة أكبر، ولكن مهما يكن فهو أفضل من المراكز الأخرى.. ويضيف: هنا المكان على أقل تقدير واسع فيه «شمة هوا» ويرانا الناس من كل حدب وصوب، ولكن يبقى تأمين المياه مشكلة كبيرة.. لا شيء هنا من الخدمات، يوجد فقط الطقس الجميل الربيعي المشابه لمعاني النوروز المتجددة بأزهارها.

- ع . ن قال: لماذا لا يقدر أحد للمواطنين الأكراد السوريين مواقفهم الوطنية، وهم الذين رفضوا القيام بأي عمل انعزالي أو شوفيني، واشتركوا في كل معارك النضال ضد الانتداب الفرنسي والعدو الإسرائيلي؟؟ مع العلم أنه في الوقت الذي يبادر فيه التلفزيون الوطني للتحدث عن طقوس الشعوب المحتفلة بهذا العيد كعيد للتجدد السنوي واليوم الأول من الربيع بلقطات واحتفالات من إسبانيا والهند والبيرو وغيرها من البلدان، ينسى هذا التلفزيون أو يتناسى أن هناك مئات الألوف يحتفلون هنا، في سورية، بشكل سنوي، وبصورة أرقى وأجمل..

وأخيراً ما أشبه الطاغية «زوهاك» الأمس بجورج بوش وصقوره اليوم، وما أروع أسطورة «كاوا» الحداد الذي أصبح قدوة لكل كردي بالشجاعة التي لا تتزعزع وبحفاظه على العهد وعطفه النبيل على أقاربه، وسلوكه الإنساني وتسارعه إلى التضحية واعتزازه العميق ببلاده وانتمائه..

إن من حق الكردي أن يتفاخر بأصله، ومن حقه أن يحتفل بعيده كما يحتفل بقية البشر، وأن يشاركه إخوانه من جميع القوميات الأخرى عرباً وشركس وآشوريين وأرمن وكلدان على طول البلاد وعرضها باحتفالاته، ليصبح النوروز الخالد عيداً جماعياً ونسيجاً وطنياً رائعاً، وبالتالي يقدم للعيد كل مستلزمات الاحتفال من مكان حضاري يتسع للكل إلى خدمات المياه والكهرباء إلى وسائط النقل المناسبة، فالخدمات ليست متمثلة فقط بالأمن والعسكر، إنما يجب أن تكون متوفرة من جميع النواحي حتى ننتهي من حالة الاحتقان والتهميش، وإلى أعياد أخرى وكل عام وأنتم بخير.