محي الدين عيسو محي الدين عيسو

مآسي التعليم المفتوح في سورية

بهدف تطوير التعليم الجامعي في سورية، تم تشكيل مركز التعليم المفتوح وذلك ضمن المرسوم (383 ) تاريخ 29 - 7 - 2001 حيث يتم قبول الطلاب الناجحين في الشهادة الثانوية فرعي العلمي والأدبي وما يعادلهما ضمن اختصاصات متعددة، منها هندسة استصلاح الأراضي الصحراوية في حمص والدراسات القانونية (حقوق) في حلب، والترجمة والإعلام في دمشق، وقسم إدارة الأعمال في اللاذقية، والحاسوب، وقد استبشر الطلاب خيراً من هذا المرسوم خاصة أن هناك سياسة حكومية منتهجة برفع درجات القبول الجامعي في الجامعات النظامية بالإضافة إلى نظام البيع والشراء التي يتم فيها بيع كل مادة في كلية الحقوق في جامعة حلب على سبيل المثال ب ( 25) ألف ليرة سورية.

طبعاً طلاب التعليم المفتوح يعانون الأمرين من هذه السياسة المفضوحة في أساليب التعليم الذي ينتهج السرقة المبرمجة من إدارة المركز، حيث يدفع كل طالب يقوم بالتسجيل مبلغاً قدره ثلاثة آلاف ليرة سورية لكل مادة، ويبلغ عدد الطلاب المسجلين في مركز التعليم المفتوح نحو خمسة وثلاثين ألف طالب حسب الإحصائية الرسمية، تقريباً ( 9500 في دمشق – 1800 في حلب – 4000 قسم الزراعة في حمص – 2000 قسم الترجمة في حمص بالإضافة إلى الأقسام الأخرى مثل الحاسوب وإدارة الأعمال).

أي أن الطلاب يدفعون أكثر من مائة مليون ل.س للمادة الواحدة، حيث يبلغ عدد المواد في سنة واحدة بين10 – 12 مادة، هذا بالإضافة إلى المواد التي يرسب بها الطالب، فهو ملزم بدفع نصف قيمة المادة (1500) ليرة سورية دون تقديم أي خدمات جامعية لهؤلاء الطلاب، فالكتب الجامعية تأتي من مصر، والطالب لا يستفيد من السكن الجامعي،  والمباني غير موجودة، حيث يقوم الطلاب بتقديم امتحاناتهم في الفصل الأول بالشهر الثاني بعد انتهاء الامتحانات في الكليات النظامية وهي معاناة حقيقية، حيث يجد الطالب صعوبة في تأمين المسكن، إما لأن بيوت الإيجار تكون مأجورة سابقاً للطلاب النظاميين أو بسبب ارتفاع أسعار الإيجار واستغلال وضع الطالب الذي يداوم فقط في شهر الامتحان وفي الفصل الثاني يقدمون في الشهر السابع في أجواء حارة جداً، بالإضافة إلى أن علامة النجاح في التعليم المفتوح هي 50 %، وبالتالي الطالب لا يستفيد من علامة 48%  أو 49% كما في الجامعات النظامية، وهناك مشكلة أخرى يعاني منها الطلاب وهي تأخر الكتب الجامعية. على سبيل المثال قسم الزراعة في محافظة حمص، لم يستلم الطلاب بعض الكتب إلى هذه اللحظة  مثل: آفات وأمراض النبات ومحاصيل الفاكهة وهي مواد في السنة الثانية، والمضحك في الأمر وجود كليات تحتاج إلى الدوام العملي، مثل كلية الزراعة التي لا يوجد فيها لا عملي ولا نظري.. فقط هناك امتحانات ورسوب؟!

وبما أن الشهادة الممنوحة في التعليم المفتوح تعادل الشهادة الممنوحة في جامعات سورية وجامعة القاهرة في جمهورية مصر العربية، يعمد أساتذة الكليات إلى ترسيب الطلاب بهدف الحصول على مبالغ إضافية، فعندما يرسب الطالب في إحدى المواد يدفع نصف القيمة(1500)  ليرة سورية من أجل التقديم مرة أخرى، لقد ذكر أحد الطلاب في كلية الزراعة أنه خلال توجهه إلى مدير مركز التعليم المفتوح شاكياً من نموذج أسئلة الامتحان، أجابه المدير بأن: (الذي يقوم بشراء ثياب جديدة يتباهى بها أمام الناس، وأنتم أيضاً طلاب التعليم المفتوح تدرسون كلية الزراعة وتتباهون بها أمام الناس من لاشيء، ألا يجب أن ترسبوا عدة سنوات خلال دراستكم)؟!

على إدارة مركز التعليم المفتوح أن تقوم بتحديث المناهج التعليمية التي تدرس في الجامعات لتواكب تغيرات العصر وتوفير المستلزمات العلمية والمهنية لكل اختصاص، فكثير من الطلاب على أبواب التخرج وهم مجهولو المصير، ووزارة التعليم العالي تتهرب من الإجابة على الأسئلة المطروحة عليها حول مستقبل هؤلاء الطلبة، ونحن في العام الخامس منذ إنشاء نظام التعليم المفتوح، فالعمل الذي يأتي دون تخطيط مسبق تكون نتائجه الفشل، فهل من المعقول أن طلاب الدراسات القانونية (حقوق) بجامعة حلب والذين تخرجوا منذ شهر آب عام 2005حتى الآن بلا شهادات وغير معترف بهم من نقابة المحامين؟ وكأن نظام التعليم المفتوح العلم فيه أصبح تجارة، والغاية هي جمع الأموال وامتصاص دم الطالب دون توفير فرص العمل أمام المتخرجين والذين دفعوا الأموال وسهروا الليالي حتى تخرجوا..

وبعد هذا التخرج يصبحون متسولين في الشوارع وبين أزقة المدن يبحثون عن لقمة العيش ولا يجدونها، وفي هذا الموضوع يقول الدكتور عبد الله سليمان: "شيء جميل أن تتوسع العملية التربوية في القطر عمودياً وأفقياً عبر جامعات ومعاهد ومدارس وروضات ودور حضانة . . إلخ، في إطار قطاع عام وخاص، وطني وأجنبي، تعاوني ومشترك، نظامي وموازي، ومفتوح وخاص وافتراضي... إلخ ولو كان كل شيء بثمنه ولكن غير الجميل أن تكون أو تصبح العملية التربوية عملية تجارية بحتة دون رسالة نبيلة (إنسانية أو علمية) تسعى إلى تحقيقها، سوى الربح حيث يؤخذ فيها من الطلاب أغلى الأسعار، ولكن لا يقدم لهم المكافئ العلمي المقابل، أو الأفضل، ولاسيما عندما لا يعطى فيها الخبز للخباز وإنما للمسؤولين المحظوظين من العصبة (الأكاديمية) ومن يلوذ بهم.

من هنا نطالب السلطات باحترام الطالب السوري واحترام دراسته بإقامة المباني لمركز التعليم المفتوح وتقديم الكتاب الجيد الذي يتلاءم مع الواقع السوري، وأن يأخذ هذا المركز استقلاليته المادية والمنهجية، وأن لا تكون العملية الدراسية مجرد عملية تجارية  تستفيد منها وزارة التربية وبعض المسؤولين في الدولة، فمعظم طلاب التعليم المفتوح يتساءلون عن هذه الأموال والتي تقدر بالملايين، أين تذهب، وكيف تصرف، وما هي المشاريع المستقبلية إن وجدت، وما هو مستقبل الطلاب المتخرجين في التعليم المفتوح؟ هذه الأسئلة المشروعة نوجهها إلى وزارة التعليم العالي ونطرحها على القائمين على مركز التعليم المفتوح، لعلنا نجد الجواب الشافي بعد مرور خمس سنوات على السرقة والنهب والاختلاس والظلم والفساد والبيروقراطية في مراكز التعليم المفتوح، فإذا كان الفساد قد نخر جميع مؤسسات الدولة، فارحموا مؤسسة التعليم يرحمكم الله.