إلى من يهمه الأمر إذا بقي هناك من يهتم: المدارس غير الصحية.. رسالة تربوية سلبية لجيل المستقبل
مدارس لا تدخلها الشمس.. هذه هي حال أغلب المدارس «الحلبية» المستأجرة خصوصاً في الأحياء الداخلية القديمة.
مدارس أغلب زجاج نوافذ صفوفها محطم، أصبح الأمر عادياً ويمكن أن يكون صحياً لكثرة أعداد التلاميذ في كل شعبة.
مدارس تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط التدفئة والتهوية أصبح الأمر عادياً، حيث أنها أشياء لم يفكر فيها مصممو نماذج الأبنية المدرسية المعتمدة في وزارة التربية، التي تشبه صفوفها إلى حد بعيد زنازين السجون، جدرانها رطبة، متسخة بهباب المدافئ المازوتية القديمة المهترئة، المقاعد الخشبية البالية التي لا تلائم التكوين النفسي والبدني للطلاب، ولا تتناسب مع أعمار التلاميذ ومتطلبات نموهم.
كل تلك المشاكل السابقة تهون وقد اعتدنا عليها!! إلا أن تخلو المدارس من المرافق الصحية «مياه الشرب النظيفة ودورات المياه والمغاسل المناسبة لأعداد التلاميذ وأعمارهم».
مدرسة «عبد الوهاب السنتلي» للتعليم الأساسي التي تضم حوالي الألفي تلميذ في حي المعصرانية في حلب هي عينة من تلك المدارس المتروكة لقدرها الذي أوقعها في حي لا يسكنه سوى الفقراء الذين أصم مسئوولو التربية والمحافظة آذانهم عن سماع مشاكلهم.
لا تستطيع الكلمات أن تصف دورات المياه في تلك المدرسة البائسة، حيث المجاري مسدودة، وصنابير المياه مسروق أغلبها والروائح الكريهة منبعثة بشكل لا يطاق، تنتشر الرطوبة في كل مكان حتى تخال أن المكان سيغرق بتلك البحيرة الآسنة، ألفي تلميذ يرتادون المدرسة يومياً كما صرح لنا بذلك السيد عبد الرزاق السلو مدير المدرسة، لا يستطيعون قضاء حاجاتهم الطبيعية بسبب تلك المشكلة، أخبرنا المدير عن تحطيم وسرقة أنابيب المياه وكذلك عن مشاكل الصرف الصحي في المدرسة، وقد قدم كتاباًَ لمديرية الأبنية المدرسية بخصوص الموضوع ولكن ما من مجيب.
أما مدخل المدرسة الترابي فتستطيع الصور المرفقة أن تشرحه خير شرح، حيث يتعلم التلاميذ مهارات القفز والنطوطة بين الحفر وبحرات مياه الأمطار المنتشرة، فعن أي رسالة تربوية يريد جهاز التربية والتعليم أن يتحدث بها إلى أولئك البراعم البريئة وكيف يمكن لمعلم الصف أن يقنع تلاميذه بضرورة المحافظة على النظافة الشخصية قبل وبعد الذهاب لدورة المياه في مدرسة تشكل دورة مياهها بؤرة للتلوث ومرتعاً خصباً للقوارض والحشرات.
بحسب الدراسات العلمية للمدارس الصحية فإن دورات المياه والمغاسل يجب أن يكون عددها مناسبا لعدد الطلبة بالمدرسة، كما يجب الاهتمام بنظافتها وتطهيرها وتهويتها وان تكون إضاءتها جيدة ويجب أن تكون موزعة بطريقة مناسبة داخل المدرسة مع توفير وسائل الاغتسال المناسبة، ويجب التخلص من مياه الصرف والفضلات والقمامة بطريقة صحية تمنع انتشار الأمراض والعدوى. وأن يتم التأكد من نظافة دورات المياه وتوفير مراوح شفط الهواء بها ومراعاة صلاحية صنابير المياه والمغاسل وأنابيب الصرف، أما أحواض الغسيل فيجب أن تصمم بحيث تتناسب أعدادها مع عدد الطلبة بالمدرسة وان يكون ارتفاعها ملائما لعمر التلاميذ ومزودة بالماء والصابون.
أما عن مياه الشرب فيجب أن تكون المدرسة مجهزة بالمرافق الصحية اللازمة من مياه الشرب النقية والنظيفة والخالية من مسببات الإمراض كالبكتريا والطفيليات والفيروسات والفطريات بالإضافة إلى خلوها من المواد الضارة والسامة، ويجب مراعاة نسبة الأملاح الذائبة فيها بحيث تكون مطابقة للمواصفات الصحية.
وأن تكون خزانات مياه الشرب مصنوعة من مادة غير قابلة للصدأ ومناسبة لأعداد التلاميذ وأن يصمم الخزان بشكل يسهل عملية غسله وتنظيفه وتهويته، وأن يحكم غلقه لمنع الحشرات أو الأجسام الغريبة من دخوله، لن نتكلم عن تزويد المدارس بالبرادات الخاصة للشرب والتي أصبحت منتشرة بكثرة في الشوارع والأماكن العامة، ولكننا نود هنا أن نناشد الأهالي أو إدارات المدارس أن توفر تلك البرادات عبر التبرع أو الاشتراك المدرسي.
• كلمة أخيرة
بخصوص اختيار أماكن بناء المدارس الذي أجمعت عليه كل الدراسات بحيث يكون موقع المدرسة بعيداً بدرجة مناسبة عن مصادر الضوضاء والروائح الكريهة ودخان وأبخرة المصانع وأي مصادر ملوثة للبيئة الطبيعية، ويراعى في ذلك اتجاه الرياح حتى لا تحمل الغازات والروائح وغيرها إلى المدرسة، وبالجملة يجب أن يكون موقع المدرسة بعيداً عن كل ما يؤثر على الرسالة التربوية للمدرسة، وأن يكون موقع المدرسة بعيداً عن الأماكن المزدحمة والمستشفيات والطرق السريعة للسيارات والشاحنات والسكك الحديدية، وبعيداً عن أماكن تخزين المواد الخطرة ومحطات البترول ومناطق التخلص من النفايات والقمامة، كما يتعين أن يكون الموقع بعيداً عن محطات ومحولات الضغط العالي الكهربائي، يا ترى كم من المدارس تحقق تلك الشروط التربوية؟؟ ومثالنا مدارس المعصرانية الثلاث: «عبد العزيز فارس»، «مصطفى السنتلي»، «محمود الأحمد» التي تحولت الساحة المقابلة لتلك المدارس إلى أماكن مبيت لسيارات الشحن الكبيرة ومكان تجمع لحاويات الزبالة.
الأطفال هم مرآة للمجتمع ففيهم يستطيع المجتمع أن يرى كيف يمكن أن تكون عليه صورته مستقبلاً، إن نمو الطفل يتحدد إلى درجة كبيرة بالطريقة التي يعامله بها المجتمع عبر البيت والمدرسة بالدرجة الأولى، حيث تتعزز القيم وتُرسم السلوكيات، نرجو أن يجد تحقيقنا صدى لمن يهمه أمر العملية التربوية ومستقبل أطفالنا.
■ مراسل قاسيون في حلب -سليم اليوسف
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.