كيف أصبحت شيوعياً
المـــزّة الظلــمـــاء بـــدّدهــــا بهـــم عزم الصمود سما على ذلّ الركوع
الحــاملــون همـومنــا في نبضهـــم هيهـات يبلي عزمَهم جورُ الوضيع
السوط والقضبان بعض همومهم وهمـومهم قطـف المنى بغـد وديـع
ضيفنا اليوم:
الرفيق محمد سعيد بن بكر خلّو.
- رفيقنا العزيز أبو فؤاد المحترم.. كيف أصبحت شيوعيا؟
- أنا من مواليد دمشق عام 1934، وأبي كان ضابط ميكانيك أسلحة وكيمياء في الجيش العثماني،عمل في بداية القرن العشرين بميناء حيفا، وله دور معروف في منع الكثير من عمليات تهريب اليهود إلى فلسطين مما عرّضه لنقمة بعض رؤوسائه الذين حاولوا قتله، ثم نقل إلى ميناء بيروت، وظل فيه حتى بداية ثورة الشريف حسين، وكان أخوالي مسلم وفياض وردة من رجالها.
درست المرحلة الابتدائية ونلت شهادة السرتفيكا من مدرسة الملك العادل، واصلت الدراسة حتى الصف التاسع في التجهيز، وكنت ضمن مجموعة أصدقاء للحزب يشرف عليها الرفيق أحمد مراد، وكان معي صديقي نذير جزماتي،شاركنا بكل الإضرابات التي قام بها طلاب التجهيز في أعوام 45 و46 ضد الاحتلال الفرنسي. وفي صيف 45وقفت مع عدد من الشباب إلى جانب رجال الدرك السوريين الذين اشتبكوا بالأيدي والعصي مع جنود الاحتلال خلال مباراة بكرة القدم في الملعب البلدي، وحين جاءت نجدة من قوات الاحتلال لذنا بالفرار، والتجأنا لمستشفى الغرباء القريبة من الملعب حتى هدأت الأمور، وفي عام 47 تولى الإشراف علينا الرفيق عبد الكريم محلمي لعدة أشهر، لم أنجح بامتحان البروفيه، واضطرني الوضع المادي للاتجاه للعمل بالحدادة بزقاق الجن، ثم في الخط الحديدي الحجازي، وبعدما أبعدت عن العمل بسكة الحديد عملت في مشاريع (معمل الزجاج بالقدم وسد محردة بحماة ومطار دمشق الدولي وفي محطات السورية للنفط)، حيث كونت صلات واسعة مع العمال بتلك المشاريع،فاتني أن أقول إن الرفيق عبد الكريم كان قد أوصلني بالرفيق سعيد ميرخان (أبو رفيق) بصلة فردية استمرت قرابة عام، ذلك الرفيق الشريف الشهم الشجاع المحترم الذي " شغلني" معه بكل مهماته الحزبية (توزيع النشرات والبيانات وكتابة شعارات الحزب على الجدران بقلم الشمع الملوّن)، حيث تعرضنا للملاحقات مرارا، وقبض عليّ خمس مرات تعرضت فيها لحلق الشعر والضرب في مخافر الشرطة، وقد ساهمت في كل المظاهرات الطيارة (تبدأ فجأة وتنتهي بسرعة بعد ترديد الشعارات الوطنية والطبقية والحزبية) زمن الديكتاتوريات العسكرية بين عامي 1949 و1954، ودخلت السجن وتحملت الكثير من التعذيب (مرة بسبب إشعال النار في قمة جبل قاسيون احتفاء بذكرى ثورة أكتوبر ومرة مع الرفيق إبراهيم ديوانة ونحن نوزع بيانات الحزب ووو.....).
كما شاركت بمظاهرة في حمص وأخرى في حلب، وقد لوحقت عقب مظاهرة في آخر سوق الحميدية واعتقل فيها عدد من الرفاق، فهربت على دراجتي من دمشق إلى القنيطرة وبقيت فيها أسبوعا، وقد كلفت من الرفيق سعيد بمتابعة العمل مع بعض الشباب من أصدقاء الحزب ومن بينهم عادل الملا وسعيد شبلي وعدنان جلو وعبد الرحيم أيوبي، وكنت أوصل لهم جريدة الحزب وأجيب عن أسئلتهم وأطلب منهم أداء بعض المهام، ثم تم قبولهم أعضاء في الحزب، وبعد زوال الحكم العسكري عام 1954 انخرطت في الحملة الانتخابية لمجلس النواب، فكنت وكيلا لمرشحي الحزب بدمشق (الرفاق خالد بكداش وجورج عويشق ونصوح الغفري) وبعد نجاح الرفيق خالد بانتخابات البرلمان كلفت مع بعض الرفاق بحراسة بيته وفي عام 1959 جرت حملة اعتقالات واسعة للشيوعيين وأصدقائهم، فسجنت في أقبية المكتب الخاص ثم في معتقل المزة العسكري، وبعد عامين من السجن نقلنا إلى سجن اللاذقية حيث تعرضنا لأسوأ أنواع التعذيب الجسدي والنفسي (تلك المعاناة القاسية التي لم يكتب عنها إلا القليل وأرى أنها جديرة بكتابة مفصلة ليعرف الجميع شراسة ووحشية أساليب التعذيب التي ذاق مرارتها وهولها الرفاق المساجين).
ظللت ضمن تنظيم الحزب حتى مرحلة الانقسامات وتركت التنظيم نتيجة تعامل سيئ مورس بحقي من مسؤولي الحزبي بعيد كل البعد عن الروح الرفاقية، وكما يقال: «وظلم ذوي القربى أشد مضاضة»، لكنني بقيت ملتزما بشيوعيتي.
وفي عام 2001 حضرت حفل التكريم بدعوة من اللجنة المنطقية لتيار قاسيون، وكرمت فيه عشرات الرفاق القدامى الذين مضى على التزامهم الحزبي أكثر من أربعبن عاما، كما حضرت فيما بعد احتفال ميثاق الشرف للشيوعيين السوريين ووقعت عليه، وكذلك حضرت الاجتماعات الوطنية لوحدة الشيوعيين التي أقامتها اللجنة الوطنية والتي رأيت فيها بارقة الأمل باستعادة حزبنا لدوره الوطني والطبقي كمدافع صلب وبلا هوادة عن مصالح الكادحين، وبدوري كرفيق شيوعي أتوجه لكل الشيوعيين من خلال صحيفة «قاسيون» داعياً لوحدة الصف لأن أوجع وأقسى ما وصلنا إليه أن نصنف بجماعة فلان وفلان أو فلان، لنعمل كلنا ليستعيد حزبنا دوره في الدفاع عن كرامة الوطن والمواطن.