مذكرات مخبر عتيق...(5) من الصعب إدخال المرأة إلى ساحة الرشوة!
رويت لكم في الحلقة السابقة عن بداية أعمال المؤتمر..
وكان قد بدأها الأمين العام للاتحاد الدولي للمرتشين، وهو التقرير الذي يلخص تجربة السنوات الماضية، أي الفترة الواقعة بين المؤتمرين، حيث يعرض نشاط مجلس الإدارة، والمكتب التنفيذي، ويستخلص من خلال التجربة توصيات جديدة لتكون خطة العمل للسنوات الخمس القادمة، لكل من المجلس والمكتب والفروع، وبالطبع فإن التقرير يكون قد درس في المكتب التنفيذي، وأقر بعد إجراء بعض التعديلات، أو إضافة بعض الأفكار أو الحذف منها. على كل حال، قبل أن ينتهي الأمين العام للاتحاد الدولي للمرتشين، أعلن رئيس المؤتمر أن وقت الاستراحة قد حان ولمدة 20 دقيقة، يتناول فيها المرتشون الشاي والقهوة، وأطايب الطعام الخفيف، والفواكه أيضاً، وهي فرصة لبعضهم للتداول فيما بينهم حول التقرير والتعليق عليه، والاستعداد للمداخلات، إلى جانب فرصة التعرف على بعضهم أثناء الاستراحة، كنت حينها ملازماً للعضو الذي سبق وحدثتكم عنه، وهو إنسان خفيف الظل، يتحدث الإنكليزية بطلاقة، وهو مهذب إلى أبعد حدود التهذيب، وبما أن أواصر التعارف قد تعمقت، فقد كنت قلقاً من اكتشاف أحدهم لأمري، لذلك عاودت الجلوس على الطاولة نفسها، بعد أن جلبنا القهوة وبعض الطعام الخفيف، وبعد أن استقر كل منا على كرسيه، سألني: أهذه المرة الأولى التي تحضر فيها المؤتمر، أجبته بنعم، فقال: آه لذلك أرى بعضا من الدهشة بادية عليك، لذلك يمكنك أن تسألني عن أي شيء تريد معرفته فأنا عضو في هذا المؤتمر منذ 20 عاماً، وكنت عضواً في مجلس الإدارة، ورشحت مرتين لعضوية المكتب التنفيذي، ولم أنجح، لذلك سأرشح نفسي في هذا المؤتمر، وهنا سألته: لاحظت قلة الوجوه النسائية في المؤتمر، فما السبب، فأجابني: الأمر غريب، وسؤالك في محله، وهذا الأمر تم عرضه في أحد المؤتمرات، وجرى نقاش طويل بصدده، ولم نصل إلى نتيجة، ولكن المرتشين يتداولون الموضوع فيما بينهم، ويقولون بأن المرأة هي أول من تعرض للرشوة، وأول من قبلها، والرجل لايريد أن يتبنى هذا الموضوع، وأنا شخصياً لاأعرف لماذا..! ولكننا نفتخر بالرشوة نحن معشر الرجال، ونعتز بها، ولنا فلسفة كاملة بذلك، ولدينا الحجج الكافية للدفاع عن موقفنا، ويبدو لي في أعماق كل مُرتش، وجود إنسان أخلاقي، وتعلم تماما بأن الإنسان لايصبح فجأة مرتشياً، بل إننا بحاجة إلى جلبه إلى مضمار الرشوة، وهو غالباً يمانع في البداية، ولكنه لايصمد كثيراً، ويبدو لي بأن الأخلاقي الذي بداخله هو الذي يمنعه من الارتماء في أحضان الرشوة، لذلك نرى الكثير من المرتشين، يقومون بالأعمال الخيرية، ويؤدي بعضهم الفرائض الدينية، أولاً ليكسب بعض الحسنات والأجر من الله، وثانياً ليأخذ موقفاً من المجتمع، أما المرأة في هذا المجال، فهي مترددة، وإلى حد ما جبانة، ومن الصعب إدخالها إلى ساحتنا إلا بعضهن، وعلى هذا الأساس، خرج المؤتمر بتوصية هامة أذكر منها، بأن المرأة لاتحافظ على السر كثيراً، وكلامي هذا بشكل عام، وهي أيضاً مؤمنة بأن رزقها إنما يأتيها عن طريق زوجها، وبناء عليه فقد أوصى المؤتمر بضرورة عقد صداقات مع المرأة، والاستفادة من السكرتيرات على وجه الخصوص، في مجال الحصول على بعض المعلومات البسيطة، التي تبعدهن عن الشعور بأن هناك رشوة مقابل المعلومة، فبعد أن تعقد صداقة بسيطة، وخفيفة الظل، مع بعض الهدايا، التي تبدأ بالعطور وتنتهي بالقطع الذهبية ، يصبح حينها من السهل الحصول على المعلومة، عن لجنة معينة، أو عن أصدقاء المدير مثلاً، أو الوزير، أو صاحب القرار، وهكذا يصبح من السهل مع الأيام الحصول على المعلومات الأكثر أهمية وخطراً، لذلك أصبحت لدينا قناعة بأن المرأة لن تصبح مرتشية إلا بعد جهد جهيد، ويجب أن تمتلك بالمقابل قوة الشخصية، كالجرأة، والصلابة، التي تؤهلها لذلك..... دق جرس انتهاء الاستراحة. قال الرجل: حسناً، سنكمل الموضوع على طاولة الغداء..... وإلى الحلقة القادمة.
■ فؤاد بلاط