سهل الغاب.. المياه المهدورة
بعد أن تم ردم المجرى القديم لنهر العاصي وتحويله إلى أقنية بيتونية فرعية لاستخدامها لري الأراضي الزراعية بعد تجفيف واستصلاح الغاب واستثماره زراعياً وحفر المصارف الرئيسية لتصريف مياه المطر، تحولت هذه المصارف إلى قنوات ري رئيسية بعكس ما خطط لها، إذ وقع الاعتماد الرئيسي في سقاية الأراضي الزراعية على المصرفين الرئيسيين في الغاب بواسطة ضخ المياه على عدة مراحل وعلى حساب الفلاحين.
ويأخذ ذلك أحد شكلين: إما بالضخ مباشرة من الفلاحين المحاذية أراضيهم لهذين المصرفين، أو بالضخ غير المباشر بواسطة ممولين (المتعهدين)، وهم يتقاضون ربع الإنتاج الزراعي، كما أن هناك صيغة أخرى من الاتفاق بين الفلاحين والممول إذ يتقاضى الممول مبلغاً يتراوح بين (800 ـ 1500) ل.س لكل دونم واحد لتوصيل مياه السقاية إلى المصارف الصغيرة المتاخمة للأراضي المراد سقايتها، وبعد أن يقوم الفلاحون بضخ المياه بواسطة مضخات صغيرة لري أراضيهم طبعاً على نفقتهم الخاصة.
وهناك طريقة ثانوية ولا يعول عليها كثيراً لتوصيل مياه السقاية إلى الأراضي الزراعية عبر قناتي الري ج1 وج2 والتي تقوم بها الدولة لتوصيل مياه السد المجاور لسهل الغاب إلى المصارف الفرعية ليضخها الفلاحون إلى أراضيهم. ويدفع الفلاح مقابل سقاية كل دونم واحد 400 ل.س، وهذه المياه لا تكفي المحصول الزراعي حتى ينضج، إذ أنها غالباً لا تصل إلى الأراضي المعنية نظراً لكثرة التجاوزات، وسرقة المياه من أصحاب النفوذ وتحويلها إلى أراضيهم أو سرقتها من ممولين لبيعها للفلاحين، أو سرقتها من أصحاب المسامك الخاصة وحرمان الفلاحين منها والآلية المتبعة لجر مياه السقاية لا تأخذ بالاعتبار طبيعة الأراضي المراد سقايتها ولا التغيرات المناخية، فالغاب ومحيطه يخضع لظروف مناخية خاصة، إذ غالباً ما يكون الهطول المطري في وقت متأخر نسبياً والمصارف الفرعية والرئيسية تكون مليئة بمياه المطر.
في هذا الوقت بالذات يجري فتح بوابات السدود ليتلقى سهل الغاب دفعة أولى على أساس التخطيط لزراعة القطن في أواسط نيسان ودفعة ثانية في آخره. وتذهب الأولى والثانية هدراً لعدم حاجة الفلاحين لهذه المياه في حين لو تم تأخيرها شهراً واحداً لما احتاج الفلاحون في نهاية الموسم الزراعي للتقاتل والتناحر فيما بينهم الأمر الذي يتسبب في خراب المحاصيل الزراعية وبالتالي خراب بيوتهم.
فكم تكلف هذه المياه المهدورة سدى خزينة الدولة؟ وكم تضر الاقتصاد الوطني؟ وكيف يكون الحال لو وصلت هذه المياه إلى مستحقيها في الوقت المناسب؟ علماً أن هذا لا يكلف شيئاً.. فقط التعامل بمرونة ومسؤولية إزاء هذه المشكلة مع الأخذ بالحسبان الوضع المعاشي الصعب الذي يعانيه الفلاحون في سهل الغاب.
■ يامن طوبر