تعليق وتعقيب.. صمتت وزارة الثقافة ودار الأوبرا.. فجاء الرد من وراء البحار!!
لم يفاجئنا، وقد اتضح الفرز والاصطفاف في بلدنا، أن نكون هدفاً دائماً لنيران أرباب الفساد وتماسيح المال، ومن لف لفهم داخل جهاز الدولة وخارجه. لم نستغرب تهديداً من تلك الجهة أو رشوة من أخرى، ولم ترعبنا أو توهن عزيمتنا الدعاوى القضائية المرفوعة ضدنا، وضد منبرنا، من هذا المتنفذ الفاسد أو من ذاك المتطفل الناهب..
نحن الذين قررنا الوقوف إلى جانب كرامة وسلامة وطننا، وحرية مواطننا، كنا نعلم مسبقاً أن معركتنا الداخلية ضد قوى الفساد ومراكزها الكبرى، بارتباطاتها الخارجية، هي معركة كسر عظم، وهي طويلة وصعبة، ولا تنفصل، كلياً أو جزئياً، عن المعركة الوطنية العظمى، المتعددة الجوانب والجبهات، ضد المشاريع الإمبريالية الأمريكية – الصهيونية وتحالفاتهما الدولية والإقليمية، التي تستهدف بلدنا سورية، وكل قوى المقاومة والممانعة في المنطقة.
لكن، والحق يقال، كان من غير المتوقع بالنسبة لنا، على الأقل من حيث التوقيت والآلية وطبيعة الموضوع، التدخل السافر والمباشر لجهة أجنبية على خط المواجهة الداخلي، والمؤلم هو الكيفية التي تم بها هذا التدخل؟ فالوسيط هو جهة رسمية محلية، كنا نفترض أنها واعية لطبيعة المعركة، وتتخندق إلى جانبنا، أو بأقل تقدير، لن تقبل أن تكون سيفاً مسلطاً على رقابنا.
ودخولاً في لجة الموضوع، نقول: إننا - في قاسيون – وبعد أن قمنا بنشر تحقيق «دار الأسد للثقافة والفنون.. استمرار الكارثة» في العدد (314)- تاريخ 14/7/2007، الذي تضمن مجموعة من المعلومات والأسئلة حول مشروع music in me المشبوه، وتضمن أيضاً كشف جملة من الحقائق الدامغة حول المخالفات الإدارية والمالية التي ارتكبتها وترتكبها إدارة دار الأوبرا، كنا ننتظر أن يأتينا رد أو توضيح من هذه الإدارة أو من وزارة الثقافة حول ما أثير، لكن الجهتين، الأم والبنت، التزمتا الصمت الرسمي تماماً، وكأن الموضوع لا يعني أياً منهما، ولم يردنا على لسان المسؤولين فيهما سوى بعض الأقاويل، لنتفاجأ بعدها بمدير مشروع music in me أو (الموسيقى في الشرق الأوسط)، السيد (فرانز وولفكامب)، يقحم نفسه بشكل وقح في قضية سوريةٍ بحتة، ويتقمص دور ومسؤولية وصلاحية كلتا الجهتين الصامتتين، فيرسل لنا رداً على شكل تعليق، موضوعاً في ظرف مغلق مكتوب عليه: «السيد جهاد أسعد محمد.. يُسلّم ويُفتح باليد»!!..
الرد جاء مكتوباً باللغة الإنكليزية، مرفقاً بنسخة مترجمة للعربية، يعلّق فيه السيد «وولفكامب» على نقاط محددة وردت في (المقالة)، ويركز بشكل أساس على نقطتين استُهل بهما التحقيق، وهما: سرية مشروع music in me، وكونه عبارة عن تطبيع مع العدو الصهيوني، كما تطرق إلى غايات المشروع وأهدافه، وأكد جازماً أن «تدخل music in me كان استجابة لطلب من دار الأسد للمساعدة»، وادعى أن «الحكومة السورية على اطلاع دائم بتأسيس وتطوير هذا المشروع، وذلك من قبل الدكتور نبيل اللو وممثلي music in me و...»..
ثم يشرع السيد وولفكامب في شرح فوائد مشروعه والتأكيد على دور الموسيقا الهام حيث «أن التواصل والتفاهم المتبادلين اللذين تولدهما، هما عنصران حيويان لحل الصراع».. لا يلبث بعدها أن يتكلم عن (مسلّمة) السلام: «بالتأكيد، سيوافق السيد (محمد) أن السلام في الشرق الأوسط، سلام عادل يحترم حقوق الإنسان والقانون الدولي ـ سيكون قريباً سعياً مرغوباً به وأنه الموضوع الرئيسي لزماننا»..
ويختم السيد وولفكامب تعليقه بالتأكيد على (فشل) المقالة، متسائلاً عن «هدف جهاد أسعد محمد الذي دفعه لكتابة المقال، وأيضاً جريدة قاسيون من عرض التعاون بين music in me ودار الأسد بهذه الطريقة المضللة»!!..
الخطير في الأمر، أنه وبعد أيام قليلة من وصول الرد إلينا، وبينما كنا نحاول التأكد من الهوية الحقيقية لمرسليه، تلقينا مفاجأة أخرى، فقد اكتشفنا أن هذا الرد كاملاً منشور على موقع «شرفات» التابع لوزارة الثقافة، وهذا يؤكد بكل أسف، أنها تتبنى أو توافق على ما جاء فيه!!
لذلك، وتعقيباً على كل ما سبق نقول:
- نؤكد أن تدخل إدارة مشروع music in me في قضية ناشئة بين صحيفة سورية ومؤسسة رسمية سورية، هو خرق خطير وكبير، وهو تدخل وقح وسافر بالشؤون الداخلية السورية، وهنا ندعو أصحاب العلاقة لممارسة صلاحياتهم في هذا الإطار وإيقاف كل أشكال الاعتداء على السيادة الوطنية.
- إن أي رد، أو تعقيب، أو تعليق، يود القائمون على مشروع music in me توجيهه إلى صحيفة قاسيون، يجب أن يتم عبر الحكومة السورية ومؤسساتها المعنية حصراً..
- إن زج اسم السيدة أسماء الأسد والحكومة السورية في تعليق السيد «وولفكامب»، نعده تطاولاً فجاً على المقامات الوطنية السورية بغية تلميع المشروع وشرعنته، وهو مناورة مكشوفة وساذجة للضغط النفسي على الصحيفة، لقيامها بفضح أهداف المشروع وغاياته المشبوهة، والحقيقة أننا كنا سنتجنب التطرق إلى هذه النقطة الحساسة، لولا أن وزارة الثقافة أوردت الفقرة المتعلقة بذلك كاملة في (شرفاتها)، وهذا أمر يجب أن تحاسَب عليه!!
- إن مفهومنا للسلام، نحن - السوريين - من يحدده، ولا نحتاج من يحاضر علينا فيه، ونذكر في هذا الإطار أنه ما يزال جزء عزيز من أرضنا محتلاً، ويستوطنه الصهاينة الذين يسرقون ماءه وخيراته، ويضيقون على أهله، ويعتقلون أبناءه، ويشردون أهله منذ أكثر من أربعين عاماً، ويلوحون بالتهديدات العسكرية على عموم المنطقة صباح مساء، وفي جميع الأحوال، ومهما كان مآل الأمور، سيبقى الكيان الصهيوني العنصري جسماً غريباً في المنطقة، ونحن كقوى وطنية وكجماهير شعبية وكمثقفين، نرفض كل أشكال التطبيع مع هذا الكيان المؤقت والزائل..
- إن اكتفاء إدارة دار الأسد للثقافة والفنون بالصمت والارتباك حيال ما كتبناه، وعدم جرأتها على تقديم أي توضيح، وهي عرّاب المشروع، كما يؤكد التعليق، هو دليل إدانة لها ولإدارة المشروع، التي من الواضح أنها أخذت على عاتقها الرد تجنيباً للمتعاملين معها الحرج والخزي..
- يعترف الرد للمرة الأولى حسب معرفتنا، بأن المقصود بـ (me) هو اختصار لـ (east middle)، أي الشرق الأوسط، بعد أن ظل الأمر ملتبساً لفترة طويلة، والسؤال: ترى هل هو مجرد تشابه أسماء بينه وبين المشروعين الأمريكيين لهذا الشرق الأوسط: (الكبير)، ومن ثم: (الجديد)؟؟
- هناك عدة تساؤلات يطرحها تعليق «وولفكامب» تتعلق بالحكومة، وأهمها: هل أطلع د.اللو وزيري الثقافة، الحالي والسابق، على تفاصيل المشروع وإطاره وفلسفته قبل توقيع البروتوكولات والإقلاع بمراحله؟ وما رأي الوزارة الصريح في أهداف المشروع وغاياته بعد أن جرى فضحها؟ وهل لديهم، على سبيل المثال، رغبة واستعداد حقيقيان فعلاً لاحتضان عازفين، عرباً كانوا أو أجانب، بينهم (إسرائيليون)، على خشبة الدار كما يطمح أصحاب المشروع؟ وإذا كانت وزارة الثقافة موافقة على هذا المشروع بكل ما فيه، فهل يكون ذلك بمثابة ضوء أخضر لإقامة مشاريع تطبيعية مشابهة مع العدو الصهيوني، في جميع محاور النشاط الثقافي السوري (مسرح ـ سينما ـ أدب، ..إلخ)؟؟
- أما بالنسبة للهدف والدافع، اللذين ختم السيد وولفكامب تعليقه بالسؤال عنهما، فنقول له: هذا ليس من شأنك، ونعدك بأننا سنتصدى لكل محاولات التطبيع التي تقوم بها أنت وأمثالك، ولن ينفعك بعد الآن، لا المناورات، ولا الاختباء خلف ظلك، ولا لغة الاستعلاء التي تعلمتها من غربك الإمبريالي...
- ملاحظة أخيرة: نأسف من جميع القراء والمهتمين لتأخرنا بالرد، وذلك بسبب انشغالنا بمواضيع أخرى، لا تقل أهمية..