محافظة دمشق تعلن حرب الإخلاءات والإنذارات بالهدم على الفقراء. بعد (سبت) غير اعتيادي.. كفرسوسة تكسب هدنة جديدة من «جرافات» المحافظة

في ظاهرة لم نعتد مشاهدتها، خرج المئات من أهالي كفرسوسة المنذرين بالهدم إلى الشارع محتجين على توجيه محافظة دمشق إنذارات رفض أغلبهم تسلمها، جاء في الإنذار؛ (يطلب إليكم إخلاء الإشغال المنوه أعلاه خلال مدة عشرة أيام من تاريخ تبلغكم هذا الإعلام تحت طائلة الإخلاء الجبري أصولاً) مذيلاً بتوقيع السيد محافظ دمشق. قام الأهالي الذين أحسوا بجدية الإنذار هذه المرة وقطعوا المتحلق الجنوبي، وتسببوا في ازدحام شديد استدعى حضور رجال الشرطة، ومن ثم قوات حفظ النظام، نتيجة عراك وتلاسن بين المواطنين ورجال الشرطة. يقول المواطنون إن الشرطة هي من بدأته، وبعد ليلة سبت عنيفة تفرق الأهالي وتنبه المسؤولون لخطورة المشكلة وضرورة إنصاف هؤلاء المواطنين.
وكانت محافظة دمشق قد أبلغت المواطنين بأن الإخلاء والتنفيذ في 27/12/2006، ولكن تدخل بعض الجهات حال دون ذلك، وحينها بررت المحافظة موافقتها لأسباب إنسانية، لكنها بفطنتها لم تدرك أن الحالة الإنسانية لمثل هؤلاء ومن يشبههم مستمرة، فما زال الفقير فقيراً، والمصاب بالفالج مات، والأرملة لم يعد زوجها، والمدارس والمونة والشتاء ورمضان والراتب المحدود والبطالة.. تشكل مفردات حياتهم.
مئات العائلات سيشردها الإخلاء، وكذلك ستهدم مئات البيوت، والناس يقولون إنهم يستحقون السكن البديل والمحافظة ترى أن الأغلبية لا تستحق وبيننا ما يسمى بالقرار رقم 1124 الصادر في العام 2004 عن وزير الإسكان، بينما يطالب المواطنون باعتماد القرار المنصف رقم 1570 للعام 1984، هذا على الصعيد القانوني، أما على الأرض فخرج الناس إلى الشارع وقالوا: لن نخرج من بيوتنا...
قام المواطنون بمراجعة المحافظة، فتفاجؤوا بمدير التنظيم و التخطيط العمراني يصرخ بهم، من على باب مكتبه: دبروا رأسكم... استأجروا... لا بديل عن الإخلاء...
كل هذه الصراعات، بين القانون والوضع الإنساني والريبة في تطبيق المحافظة للقانون، وفق ما تقتضيه مصالحها، وبين اتهام المواطنين لبعض التجار باللعب بمصيرهم، وبين ما كتبته الصحافة المحلية عن المشكلة باعتبارها الإنساني، لا بدّ من النظر إلى المشكلة بكل أبعادها الإنسانية والقانونية، والعامل المصلحي لبعض المتنفذين في رسم صورة قاتمة عن الأهالي، بوصفهم خارجين عن القانون ومغتصبين للعقارات التي يسكنوها!!

المحامي وعضو مجلس الشعب غالب عنيز لـ«قاسيون»:
القانون (1124) مخالف للقوانين النافذة، والمنتفعون هم «شام سيتي سنتر»!!
قاسيون التقت المحامي وعضو مجلس الشعب غالب عنيز، لاعتبار إضافي هو أنه ابن منطقة كفرسوسة، وكون المنذرين بالهدم هم بعض من صوتوا له لينوب عنهم، وأنه من الذين تابعوا القضية عن كثب، وساهم في تهدئتها وإحالتها إلى جهات قضائية ومسؤولة.
 
ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإخلاء في كفرسوسة، لماذا هذه المرة أخذت المشكلة بعداً غير طبيعي وصل إلى حد العنف؟!.

*جرت في منطقة كفرسوسة إخلاءات أسوة بالأحياء الأخرى بدمشق، وما يتعلق بإخلاءات التنظيم فهي تخضع للقانون رقم 9 للعام 1974 (قانون تنظيم وعمران المدن)، أما الإخلاءات في المنطقة الاستملاكية فإنها تخضع لأحكام القانون 20 للعام 1983 (قانون الاستملاك)، والمادة 60 من القانون 9 لعام 1974 التي تنصّ على أنه: لا يجوز أخلاء أي مسكن دون تأمين التعويض المناسب أو السكن البديل، أما الفقرة (هـ) من المادة 34 من قانون الاستملاك فهي تنصّ على: صلاحيات وزير الإسكان في إصدار القرارات التنظيمية، المتعلقة بالمساكن التي تعطى للمنذرين بالهدم، وتنصّ على أن الأولوية تكون لمن ذهبت عقاراتهم بالاستملاك باستلام السكن البديل، ثم تأتي بعد ذلك الجمعيات التعاونية السكنية في موضوع المساكن الشعبية.
والمشكلة التي يعاني منها المواطنون في منطقتنا (كفرسوسة) والمناطق الأخرى هي؛ صدور القرار 1124 عن السيد وزير الإسكان عام 2004، حيث أنه عدل القرار 1570 للعام 1984 بعد أن كان معمولاً به لمدة عشرين عاماً (1984- 2004)، وهو القرار الذي صدر خلافاً للدستور والقوانين النافذة!!، وأعطى مفعولاً رجعياً لا يتماشى ولا يتناسب سواء مع الدستور، أو مع القوانين الأخرى، مثل (القانون المدني وقانون البينات) و(قانون أصول المحاكمات)، وبالتالي هو مشوب بعدة أخطاء، منها عدم اعترافه بوسائل الإثبات المختلفة الواردة في القوانين، وعلى الخصوص قانون الإيجار، حيث أن قانون الإيجار ينصّ على أنه؛ يمكن إثبات حالة الإيجار بكافة وسائل الإثبات المطلوبة، والقرار 1570 كان يقبل بأي وثيقة تدل على الإشغال، ويشترط لقبوله أن يكون قد مضى عليه سنتان قبل الإنذار، أو سنة على الأقل قبل صدور المرسوم الاستملاكي أو التنظيمي أيهما أقل، فيما قام القرار 1124 بعكس المسألة بالكامل، فطالب بأن تكون هناك إثباتات بوثائق رسمية، وهي غير متوفرة عند أكثرية من يشغلون هذه العقارات، إضافة لكل ما يتعلق بالمفعول الرجعي لهذا القرار. إن كل من كان موجوداً في الفترة من صدور القرار 1570 وحتى صدور القرار 1124، يجب أن تشملهم (قانوناً) أحكام القرار 1570، لا أحكام القرار 1124.
أما الذي حصل، فهو أن الوحدة الإدارية (محافظة دمشق) اعتمدت القرار 1124 وبمفعول رجعي، وحرمت بالتالي المواطنين من حقوقهم بالسكن البديل على فترات، وهناك ثلاث حالات متشابهة من الإخلاءات في كفرسوسة، منطقة التنظيم، اعتمد في الحالتين الأولى والثانية القرار 1570، ومن باب المساواة بين المواطنين لا يجوز إعمال نص القرار 1124 المواطنين أنفسهم في المنطقة التنظيمية، وهذا ما أدى لحصول المشكلة في الإخلاء الأخير...

ما الأثر الذي أوقعه إصرار المحافظة على اعتماد القرار(1124)؟؟

*راجع المواطنون المحافظة والجهات المعنية، مجلس الوزراء والإدارة المحلية، وللأسف لم يلقوا تجاوباً من الحكومة بشكل عام، واستمر الإصرار على تنفيذ القرار 1124 رغم الأخطاء الموجودة فيه، ومخالفته للقوانين والأنظمة، ومخالفته الواضحة للدستور. ونحن كأعضاء في اللجنة الدستورية والتشريعية، نرفض أي قانون يخالف الدستور، فكيف إذا كان قراراً!!.. ولا يرتقي بحال من الأحوال إلى مستوى القانون، ولا إلى المرسوم التشريعي، وهو ليس سوى قرار تنظيمي يخضع مباشرة للطعن به أمام الجهات الإدارية وهي (مجلس الدولة)، ويقوم بإلغائها إذا وجد أنها مخالفة للقانون والدستور، وقد تمت مناقشة هذا الموضوع في مجلس الشعب عند صدور القرار 1124، وحدثت وقتها قضية بيننا وبين وزير الإسكان السابق، وبالنتيجة كانت هناك حالة تريث في التعامل مع القرار المذكور، ولم تجر إخلاءات فعلية بمضمونه، ما جرى هو توزيع إنذارات استندت إلى هذا القرار.
بدورهم المواطنون راجعوا المحافظة، وتبين أن نسبة كبيرة منهم لا تستحق السكن البديل استناداً للقرار 1124، حاولوا بشتى الوسائل، ومنهم من لجأ إلى القضاء للحصول على أحكام قضائية تعيد الوضع إلى ما قبل 20عاماً، وذلك بثبات إشغالهم للعقارات، وعدد لا بأس به قد حصل عليها، سواء بعلاقة إيجارية أو إشغالهم بشكل كامل، وتغير العدد من 150 يستحقون السكن البديل إلى 285 أسرة بعد التصحيح الذي جرى على موضوع المسح الاجتماعي، وبقي من حيث النتيجة 115 أسرة لا تستفيد من السكن البديل...

مشكلة يوم السبت جاءت على خلفية تعنت المحافظة، كيف تصرفتم كعضو لمجلس الشعب ومحام يعرف الفرق في اعتماد قانون واستبعاد آخر؟؟.

*في الآونة الأخيرة وعندما تم توزيع الإنذارات، بادرنا كأعضاء مجلس الشعب إلى متابعة الموضوع، مع محافظة دمشق والإدارة المحلية، بعد أن أصبح الاختصاص كاملاً لوزارة الإدارة المحلية، ولم تعد هناك علاقة لوزارة الإسكان في موضوع هذا القرار، وذلك لصدور مرسوم عن السيد رئيس الجمهورية نقل صلاحيات التنظيم والتخطيط العمراني إلى وزارة الإدارة المحلية والبيئة، وأصبح وزير الإدارة المحلية هو المعني بهذا القرار، وكان متجاوباً مع أن هذا القرار يجب إعادة دراسته، ومنذ ثمانية أشهر تقريبا شكل لجنة لإعادة دراسة هذا الموضوع، ولكن للأسف لم تعقد هذه اللجنة اجتماعاً واحداً، وإنما نامت القضية مع الكثير من القضايا النائمة لدى السلطة التنفيذية، ولكن عندما وجهت الإنذارات بالإخلاء حدثت تظاهرة السبت المؤسفة، وكانت بدايتها سلمية لكن بعضا من عناصر الشرطة تصرفوا بطريقة غير لائقة، وكان الناس حينها قد بدؤوا بالتفرق بعد أن تلقوا وعداً من قائد الشرطة بمناقشة وضعهم، إلا أن التصرفات الفردية لبعض رجال الشرطة أدى إلى العراك، فقد قام البعض بتوجيه السباب والشتائم للمواطنين، وقد سمعت أن بعض الضباط ساهم أيضاً بالسباب، وهذا ليس من عاداتنا ومن قيمنا، سواء كنا مواطنين، أومسؤولين، ولا يمكن قبول الإساءة من أي طرف من الأطراف، إذ كان من الممكن وبقليل من الحكمة وبعض الكلمات الطيبة أن تنتهي المشكلة، وخرج الناس بعد أن سدت الطرق في وجوههم، يهتفون بحياة السيد الرئيس بشار الأسد، مطالبين بعدم رميهم في الشارع ، وفوراً تداعى، بمبادرة فردية، أعضاء مجلس الشعب عن مدينة دمشق للاجتماع منهم؛ (د.فاروق أبو الشامات، وسليمان حداد، وزهير التغلبي، بهاء الدين حسن، عدنان دخاخني)، وتمت مناقشة القضية، مع السيد وزير الإدارة المحلية، ومستشاره القانوني، وبحضور مدير التنظيم والتخطيط العمراني في المحافظة، وتم الإطلاع على عدد الشاغلين وفئاتهم، فوجه السيد الوزير إلى أنه يجب السعي لإيضاح القرار 1124 لجهة المفعول الرجعي، خصوصاً أنه لا يجوز إعطاء هذا القرار مفعولاً رجعياً، كذلك يجب أن تؤخذ بالاعتبار كل وسائل الإثبات، وتم الاتفاق على توجيه مذكرة فورية وسريعة إلى مجلس الدولة المعني بمراقبة القرارات الإدارية، وسؤاله وأخذ الفتوى منه بإمكانية تطبيق القرار 1570 على الوقائع التي تمت حتى 2004 العام الذي صدر فيه، كذلك تطرقنا إلى البدل النقدي، كون المحافظة غير قادرة على تأمين السكن البديل، ويمكن أن تعطى الغرفة الواحدة مبلغ (300000) ليرة، والمنافع تعتبر غرفة واحدة وبالتالي مبلغ (600000) ليرة يمكن أن يؤمن بديلاً معقولاً، كذلك تم الاتصال من السيد الوزير مع مدير مؤسسة الإسكان الذي أكد أن لدى المؤسسة الإمكانية لتأمين السكن البديل، ولكن بعد أخذ موافقة السيد رئيس الوزراء، ووجه السيد الوزير كذلك مدير التنظيم في المحافظة بالتريث بالإخلاء، لأن النص القانوني لا يجيز الإخلاء دون بديل.

هل تعتقد أن للبعض مصالح شخصية؟

*القصة ليست مصالح شخصية، وإنما محافظة دمشق ليس لديها منازل لإخلاء الناس وتأمين الشاغلين، فقامت بالاتفاق مع وزارة الإسكان وبتوجيه وزاري آنذاك، وعدلت القرار 1570 حتى تخفف ما أمكن من السكن البديل، إضافة إلى الانتشار الكبير للمخالفات في المناطق التنظيمية الاستهلاكية والزراعية، مما أدى لزيادة عدد المنازل التي تحتاج إلى إخلاء، وإلى بديل لهذا الإخلاء، وهذا ما تدعيه، رغم أنني أعلم أن هناك فائضاً كبيراً من الأموال موجود في محافظة دمشق، وكان من واجبها أن تبادر في السنوات الماضية إلى إحداث وحدات سكنية للمنذرين بالهدم، ولكنها للأسف لم تنفذ المشاريع في حينها، وقد تضاعفت الأسر عدة مرات منذ العام 1984. كل هذه القضايا فقدت المنطقية والواقعية، وتم علاجها بقرارات أقرب إلى الارتجالية، لا تمت في جزء منها إلى الإنسانية، وبشقي القضية الإنساني الذي وجهت القيادة السياسية به بعدم الإخلاء دون وجود البدائل، والقانوني أن لكل إنسان حقاً يجب أن لا يهضم، والمحافظة خالفت الأمرين، وتشريد هذه العائلات يعني أننا نصل إلى نظرية مواطن بلا سكن هو مواطن بلا وطن...
ما صحة ما يتردد عن مصالح لبعض التجار في إنجاز هذا الإخلاء، تختلف عما تحدثت عنه المحافظة، في تخديم وزارة الخارجية؟؟
* إن هذا الطريق، وإن كان في جزء منه يخدّم وزارة الخارجية، لكنه في الجزء الأكبر منه لا يخدّمها، هو يحل أزمة مرورية، بربطه طريق الجمارك – كارلتون-17 نيسان- شارع 6 أيار، ويمتد إلى المتحلق الجنوبي، وهو بلا شك صلة وصل مرورية، كذلك من المعروف أن المحافظة تسعى لإقامة نفق في دوار كفرسوسة، وستضطر لإغلاق هذه المنطقة وبالتالي سيكون هذا الطريق بديلاً لإغلاق الساحة، لكن من حيث النتيجة المنتفعون بشكل مباشر من شق هذا الشارع هم قاطنو منطقة التنظيم، والمركز الذي يسمى (شام سيتي سنتر)!، والأخير ملاصق تماماً لهذا الشارع/ ويستفيد فائدة كبيرة من شقه، ولا شك أنه يمارس نفوذه وكل ما يستطيع لمتابعة تنفيذ هذا الشارع!!..
هل نستطيع أن نقول لمواطني كفرسوسة اطمئنوا؟؟
* إن حدث أي تصرف متسرع من الجهة الإدارية، فإن من يتحمل نتائجه هو من يقوم به، سواءً من النواحي الإنسانية والقانونية والأمنية، أنا أطلب من محافظة دمشق عدم القيام بأي إجراء لحين إصدار التعديل المناسب للقرار 1124، وإيجاد السكن البديل لمستحقيه.