سهل الغاب سلة غذاء.. سلة هموم.. من فائض الغاب إلى ممنوع الزراعة اعدم توفر مياه الري

ورد في مقال سابق حول المياه المهدورة في سهل الغاب وسوء إدارتها، وصفٌ عام وشامل لأحوال هذه المنطقة وأحوال سكانها مع سوء توزيع واستثمار المياه، ولكن قبل أن يجف حبر هذا المقال، ومع التدهور المريع والسريع للمنطقة، صرنا نترحم على تلك الأيام السيئة باعتبارها كانت أفضل مما وصلت إليه الأحوال اليوم، وما ستكون عليه غداً.. إذ تنذرنا الإعلانات الموجهة للفلاحين إعلاناً تلو الآخر بمستقبل أكثر سوءاً. لنقرأ البلاغ رقم واحد:

«أخي الفلاح:

نظرا لعدم توفر مياه الري لخطة الزراعة الصيفية وعدم تخصيص المنطقة بالمياه للموازنة المائية للموسم 2007، يرجى عدم زراعة أي محصول صيفي لئلا نضطر آسفين لكتابة ضبوط مخالفة بحق المخالفين بناءً على توجيهات الإدارة.       

ملاحظة: من لديه مساحة بور تم تخصيصها لزراعة محصول القطن، فليبادر لزراعتها بالمحاصيل ذات الدورة القصيرة».

انتهى البلاغ...

البلاغ رقم اثنان:

«/تعهد خطي / أنا الموقع أدناه رئيس الجمعية / - / الفلاحية أتعهد بما يلي: 

1 - الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب غير مسؤولة عن تأمين مياه السقاية للمساحات المزروعة صيفاً.

2 - عدم زراعة محاصيل صيفية للأراضي التي تروى من قناة /ج2/، لأنه لن يتم إطلاق مياه في القناة /ج2/ خلال هذا الموسم 2007.

3- عدم مسؤولية الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب عن الأضرار الناجمة عن نقص مياه الري خلال هذا الموسم .

4- مياه السقاية لهذا الموسم هي عن طريق مياه المسامك فقط».

انتهى البلاغ الثاني..

للعلم، فإن قناة /ج2/ تتوسط سهل الغاب، وتروي الجزء الأكبر والأخصب منه، ولا نعلم ما إذا كانت قناة /ج1/ ستسقي الأراضي المجاورة لهذه الأراضي الأقل خصوبة والأكثر وفرة بمياه الآبار الإرتوازية، إذ أنه على عمق أمتار قليلة تخرج المياه الجوفية لمحاذاتها الجبال الشرقية المطلة على سهل الغاب الوفيرة المخزون الجوفي، ولكثرة المسامك الخاصة والعامة واستفادة مستثمري الأراضي المجاورة من تجدد مياه هذه المسطحات المائية .

السؤال هو: إذا كانت الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب تعلم مسبقاً أن قناة الري /ج2/ لن تروي الأراضي الزراعية المخدِّمة لها، فلمَ قامت بهدر الأموال على التنظيف والتجهيز والصيانة الشكلية للقناة؟؟

قبل انهيار سد زيزون جاءتنا بلاغات مشابهة، وما هي سوى أيام حتى انهار ذلك السد فهل هناك ما يهدد سد أفاميا (أ)؟؟.. أسئلة واستفسارات تتطلب أجوبة مقنعة لا مقنّعة.

وإن كانت الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب غير مسؤولة عن تأمين مياه السقاية، وغير مسؤولة عن الأضرار الناجمة عن ذلك، فمن المسؤول إذاً؟ المسؤول هم الفلاحون الذين وُجِدوا أو أوجدوا في هذا السهل الآيل للتصحر، أم أن تراكم سوء الإدارة أوصلنا إلى هذه الحالة من سدود انهارت قبل وضعها فعلياً بالاستثمار، وسدود أخرى صرفت عليها مئات الملايين ولم تخزن برميل ماء، وشبكات ري (بالراحة)، راحت كما راحت رباب؟؟

كيف يستطيع الفلاح العيش دون زراعة أرضه؟ ومن أين له الاستمرار في الحياة دونما عمل؟ فهل يهاجر؟ وإلى أين وهو المتجذرة قدميه بالتربة الرطبة؟ هل المطلوب أن يموت جوعاً على الطريقة الصومالية؟؟

إن الحالة المأساوية التي يعيشها سكان هذا السهل المرهق أهله، تتزايد حدتها يوماً بعد يوم، والناس يصلّون داعين خالقهم ليخرجهم من هذه الحفرة بعد ما أخذت معناها الدلالي كحفرة جيولوجية خالية من الحياة،(GAP) ليتقاطع هذا المعنى مع وضع أهل المكان اجتماعياً، حيث تتكون فجوة عميقة وكارثية تحول بين الناس والتأقلم مع الوضع المنتظر. الكارثة القادمة لن تقف عند حدود التغيرات البيئية على طبيعة المكان، بل ستطال البيئة الاجتماعية وعناصرها المكونة لها، فالفلاح لن يكون فلاحاً بعد توقفه عن زراعة أرضه. فماذا يكون إذاً؟ والمهن الأخرى القائمة والمتصلة بالنشاط الزراعي ستنهار هي أيضاً لاعتمادها عليه .

وإذا كان النشاط الرئيسي هو الزراعة، ويكاد يكون الوحيد بالإضافة إلى تربية الأبقار التي قضى على جدواها الاقتصادية الغلاء وسوء الأعلاف، وهو في الحالة الأولى منع من ممارسة عمله، وفي الثانية أجبر على تحملها ليلفه شبح الكارثة المتحولة إلى أزمة اقتصادية اجتماعية يصعب التنبؤ بما تؤول إليها التداعيات، لأنه في الأحوال العادية لم نلحظ عملاً جاداً لمصلحة الفلاحين يرفع سويتهم الاقتصادية من دعم أو رفع لأسعار المحاصيل الزراعية، فكيف يكون الأمر في حالة الأزمة .

لذا، ومن هنا نرى أن الوضع المرتقب كارثي، وعليه يجب العمل دون تراخٍ أو مماطلة

لاتخاذ الإجراءات والتدابير التي تحول دون حدوث الأزمة، والتعامل مع هذه الحالة كما تم التعامل مع حالات العواصف والسيول التي خربت المحاصيل الزراعية في غير مكان، بالتعويض على المتضررين حفاظاً على تماسك المجتمع ووحدته الوطنية، لأن الكادحين هم وقود المعركة القادمة في مواجهة ما يخطط لبلدنا الحبيب سورية، وإنه لمن اللؤم تقديمهم كقرابين هزيلة ..

■ يامن طوبر