الأسعار في ارتفاع... والفقر في ازدياد والمستهلك بلا حماية.. والحكومة نائمة

كلما حدثت أزمة يتكشف مجدداً سوء سياسة الحكومة التي لم يعد بإمكانها إخفاء خيباتها وإخفاقاتها المتتالية جراء اعتمادها سياسة اقتصاد السوق المنفلت التي تؤكد انسحاب الدولة من لعب دورها في المجال الاجتماعي، ولتعود مجدداً مسألة المستوى المعيشي إلى قمة أولوياتنا كصحافة وطنية بعد الارتفاعات المريبة لمجمل أسعار المواد الغذائية الصيفية التي كانت في يوم من الأيام الغذاء البديل لتلك المواد التي ليس بإمكان المواطن المغلوب على أمره شراءها أو رؤيتها حتى في المنام وسط تجاهل حكومي, متعامياًً عما يجري حوله من انفلات في الأسعار وازدياد في الفقر الذي وصل إلى حده المرعب.

أسعار بلا رقيب

كلما أدلى مسؤول في الحكومة بتصريح يبدأ بجمله الرنانة ليتصدر بها صدر الصحف الرسمية وعناوينها «فتحنا باب الاستيراد» تم تحرير الأسعار وأنه قانون العرض والطلب، مواكبة السوق العالمية، التوازن في السعر المحلي: فكانت النتيجة من جد لم يجد ومن زرع لم يحصد حيث تصاعدت أسعار معظم المواد الاستهلاكية منذ أوائل 2006 بنسبة 60% ولم يحصل أي ارتفاع في الأجور مما أوصل بعض المواطنين إلى حافة الهاوية خاصة بعد موجة الأمطار الأخيرة التي أتلفت الكثير من الأراضي الزراعية في معظم المحافظات وأحدثت سيولاً كبيرة في المدن وأزهقت أرواحاً بشرية في ريعان الشباب،والآلاف من الثروة «الحيوانية» لا لتكشف فقط عورة الحكومة ، بل لتكشف أيضاً جهل وتخلف نظام أرصادنا الجوي الذي لايستطيع أن يدلي بتنبؤاته الخجولة إلا بعد وقوع الكارثة.

مواد خمس النجوم

وبجولة على معظم أسواق العاصمة للوقوف على الأسعار الحقيقية لبعض المواد الغذائية والصيفية بالأخص كان هناك تراوح بين منطقة وأخرى كدليل آخر على زيف مقولة حماية المستهلك التي لم نجد لها مكاناً من الإعراب عند معظم الناس الذين التقينا هم في جولتنا. فكانت جميع المواد لها تعرفتان من الأسعار أو أحياناً ثلاثة.

والجدول الظاهر لكم يوضح بعض الأرقام الحقيقية المتناقضة فيما بينها:

مستوى المعيشة

إن تحسين مستوى المعيشة يحتل حيزاً رئيسياً في المجال الاجتماعي لما له من تأثير مباشر على المجتمع وبنيته ومزاجه ومواقفه ولأن الحد الأدنى لمستوى المعيشة يقاس عادة بسلة الاستهلاك المبنية على مستوى الأسعار الملموس كما هو في الجدول السابق، ومشروع الخطة الخمسية العاشرة يعتبر أن خط الفقر الأعلى هو /2052/ل.س للفرد شهرياً. ووفق المكتب المركزي للإحصاء يوجد ما يزيد عن 60% من العاملين في الدولة تقل رواتبهم عن /7500/ل.س فإن نسبة الفقراء تصل إلى حوالي /5.3/ مليون نسمة وإذا انطلقنا من الواقع الملموس فإن ارتفاعات الأسعار كان بنسبة 60% أيضاً نصل بالاستنتاج إلى أن المواطن السوري في ظل هذه السياسة السعرية العجيبة ضمن عائلة مؤلفة من ستة أفراد بحاجة إلى ثلاثين ألف ليرة لكي يعيش فقط.

مواطنون بجيوب فارغة

و.ا صاحب أحد المحلات في أفخم أسواق دمشق المعروفة يقول: صحيح أن نوعية المواد تلعب دورها لكننا مقتنعون بالأسعار التي نضعها ولا أحد يحاسبنا نظراً لسمعة السوق ومرتاديه اللذين يعتبرون أصحاب الجيوب المليئة ونحن مرتاحون فلا أحد يفاصل على سعر أية مادة بالعكس أحياناً يسرون بشراء مادة ذات سعر خيالي مثل الكمأة التي تباع بـ 600 ل.س أولا الأكادنيا بـ165 ل.س أما الفقير فليس له مكان في هذا السوق والأفضل له أن لا يوجع رأسه ورأسنا أيضاً.

السيدة منى تقول لا يمكن تفسير ما يجري ولم يعد بإمكاننا العيش بهذه الطريقة تحت ضغط الديون التي أصبحت يومية فزوجي موظف راتبه 9 آلاف ليرة ومجرد الذهاب إلى أية بقالية لشراء بعض المواد بالكيلو الواحد لكل صنف لا يكفيك /500/ل.س أي بصراحة نصل لآخر الشهر ونحن مدينون بأكثر من7000 ل.س الأمر الذي لم يعد يطاق أبداً.

أما السيدة نسرين معلمة مدرسة ابتدائية وأم لخمسة أطفال تقول لا راتبي ولا راتب زوجي مجتمعين يكفيان.فقد أصبح كل شيء غالي الثمن لضعف الرقابة الحكومية على السوق خاصة بعد إصدار القانون (123 ـ 158) وتعديلات القانون (47 ـ 22) اللذين خفضا عقوبة المخالفة التموينية من السجن إلى الغرامة المالية فغرقت الأسواق في فوضى كبيرة ! فأين الإصلاح وأين المحاسبة ونحن بناة الأجيال تهان كرامتنا.

السيد حيان. يقول أصبحت حياتنا جحيماً وسيناريو الصراخ الذي يصل إلى الجيران أصبح مسلسلاً يومياً

 حلقاته تمتد من الصباح إلى المساء ومنذ عشرين سنة ونحن نقول السنة القادمة تكون نهاية مآسينا مع الدين وتأتي السنة التالية ونحن أكثر ديوناً وأكثر مأساة وأصبح بعض أنواع الفواكه حلماً، إلا في بعض المناسبات التي تزداد فيها ديوننا ونحن مجبرون. الله لا يذكر بالخير هذا الذي يسمى اقتصاد السوق الاجتماعي ،ويا ليته لم يكن ،لم يترك للاجتماعي شيئاً ولهف السوق كله بحجج غريبة.

أما المواطن أحمد فيقول نحن في شهر أيار ومازال كيلو الخيار /25/ ل.س وأكثر، الله يرحم أيام زمان أصبح كل من التموين والرقابة والمحاسبة فعل ماضي وجمعية حماية المستهلك التي عرضت سيارتها في الشوارع ،مهمتها مراقبة الناس ذهاباً وإياباً، وهاتفها معظم الأحيان من دون حرارة وإن وجدت فلا حول ولا قوة

تجار جملة أم مفرق

لدى سؤالنا للتجار عن المسؤول عن ارتفاعات الأسعار الأخيرة لم يعترفوا بالارتفاعات أولاً ثم استغربوا من سؤالنا بدعوى أن وضع البلد بشكل عام مرتبط ببعض أسعار المواد الغذائية الأولية مثل شقيقاتها من العقارات والأراضي والأدوية واللحوم وأنهم والحكومة متفقون على نقطة مهمة وهي أن مستوى دخل المواطن السوري قد ارتفع بشكل جيد وملحوظ، وهذه الأسعار مطابقة لهذه «الحلحلة» في البلد ولم يعد هناك هذا الرقم المخيف بالنسبة للفقراء، أما ما يخص اتهامنا بالاحتكار فهو غير صحيح، لأننا وإن احتكرنا مادة فذلك من أجل تلبية السوق والمواطن في الوقت المناسب ،ولكن بالأسعار التي نريدها ونقررها وهذا حقنا الشرعي

اقتصاد سوق اجتماعي فذ!!!

إن السياسة الاجتماعية الصحيحة هي التي توجه السياسات الاقتصادية ولكن السياسة الوفاقية بين السوق والجانب الاجتماعي ما تزال تعاني شرخاً كبيراً ومجموعة من العلاقات الشائكة والمعقدة جداً فالاقتصاد السوري وخاصة بعد تبني الحكومة في الخطة الخمسية العاشرة لمفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي، فأصبحت الحكومة والتجار في واد ،و حماية المستهلك في واد، والمواطن في أسفل الواديين وبحاجة إلى عملية إنقاذ من مخالب الاثنين معاً والعودة بالأسعار إلى ما كانت عليه على أقل تقدير ولعل كاتب هذه الأسطر الذي لم يذق طعم التفاح الذي وصل سعره إلى 75 ل.س منذ أكثر من عشرة أيام وتبخر راتبه منذ اليوم السابع من دخوله شهر أيار بحاجة إلى أن يعيش مثل بقية البشر من أجل أن تبقى كرامة الوطن والمواطن فوق أي اعتبار

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.