في الذكرى السنوية الأولى لرحيله سهيل قو طرش.. الشيوعي الجميل
يباغتنا الموت أحياناً.. يرهقنا بحضوره الثقيل، وقبل أن يمضي، يختطف منا قمراً..
الموت يلعب بنا.. يمد لسانه ليهزأ بنا، يختبرنا، يختبر فينا حزن الأصدقاء والأحباب، ولعبة الموت خطرة!!
قبل عام أراد الموت أن يفاجئنا، ولكنه تفاجأ بنا، فالشيوعي الجميل كان هنا، واحداً منا، كان بيننا، وكان اسمه سهيل قوطرش!
عندما أراده الموت، تفاجأ به، منهمكاً بصنع الحياة، مشاركاً رفاقه بصنع فكرة الوطن – والوطن يشبه أبناءه – يقول الشيوعي الجميل: أن تكون شيوعياً يعني أن تكون جميلاً!! لأنك تشارك بصنع الجمال .
والموت لا يعنيه الجمال، ما يعنيه فقط إلغاء حضورنا، ولاحقاً إلغاء وجودنا، فإلغاؤنا يحقق وجوده، ولذلك لعبة الموت خطرة، ولا يمكن تجاوزها والانتصار عليها إلا بتكثيف حضورنا وحضور من نحب..
كنت صغيرة عندما سألت والدي (وأنا أتابع أم كلثوم على التلفاز) عن ذلك الكرسي الفارغ الذي تتركه خلفها على المسرح، وكنت بعقلي الطفلي، أعتقد أنه لها، وأنها ربما تركته هناك لترتاح بين وصلة وأخرى في أغانيها الطويلة جداً! ولكن فاجأني أبي بإجابته: «هذا الكرسي لمحمد القصبجي الملحن المعروف الذي عمل ولحن لأم كلثوم، وطالما تعاونت معه واعتمدت عليه في حياتها، ولذلك لم تجد بداًً من احترامه في مماته، فتركت له كرسيه على خشبة مسرحها، ربما لتحفظ له مكانته، وربما لتدفع عنها شعور الفراق، و تحفظ لنفسها الإحساس بوجوده»!
بعد سنين، حين كبرت وتعلمت كثيرا ً في حياتي، وشهدت على التلفاز(أيضاًً) كيف احتفل اللبنانيون بتحرير الجنوب، الجنوب الذي حرر بدماء أبنائه، يومها ترك المحتفلون كرسيا ً فارغا وضعت عليه صورة، هذا الكرسي كان لعميد الأسرى سمير قنطار! ربما اعترافاً منهم بحق سمير قنطار ورفاقه الأسرى بالاحتفال بإنجاز شاركوا به، حتى لو لم يتمكنوا من الحضور جسدياً، وربما ليتعلم الآخرون درساً آخر للمقاومة، درساً على غير المألوف عبر رمزية صارخة تحيل الحدث وتفاصيله إلى رمز يشحذ الذاكرة ويدرك به الآخرون وجود من شاركوهم بصنع الحدث، ويتعلموا أن غياب الجسد عن الحضور بيننا لا يعني أبداً غياب المثل وغياب الفعل الذي أحدثوه. و اليوم، وبعد عام من رحيل الشيوعي الجميل تعلمت أيضاً أنه لا يليق بنا البكاء أمام قامات لا تنحني للريح، ولا يليق بنا البكاء على رفاق دربنا، وإن رحلوا، لأنهم باقون فينا، وإن غابت أجسادهم عنا، وبهذا فقط نستطيع الانتقام من الغياب الذي يحدثه الموت.
■ إيمان الأحمد