حفلة قهر من أجل 5 حزيران
«أرأيت قافلة الضياع؟ أما رأيت النازحين؟
الحاملين على الكواهل، من مجاعات السنين
آثام كل الخاطئين
النازفين بلا دماء
السائرين إلى وراء»
* بدر شاكر السياب
أربعون عاماً على حزيران النزوح، نستذكر اجترارنا اليومي للمعاناة الممتدة نزيفا في أربعة عقود من التشرد والضياع والحلم بالعودة إلى الفردوس المفقود.
الجولان وقرارات الأمم المتحدة، ومصالح الدول الكبرى، وميزان القوى الإقليمية، وكل الرطانة التي تتمنع عن عقل تحت كوفية تمزقها شمس الصفيح، على أعتاب مدينة كبيرة تأبى أن تفتح الأبواب للغريب إلا إذا تنكر المحارب العتيق في زي مهرج، وحوّل بندقيته وفأسه لمكنسة تُضحك الأرصفة باستعراضات النصر؟! .
أربعون عاما على زحف البطون الخاوية تحت شمس حزيران، والقليل من الأمتعة والذاكرة على الأكتاف فغداً سيعودون، وتمتد رحلة العودة من قرية إلى قرية، وتحط رحالها في أكواخ الصفيح ليبدأ عزف مرش حزين لمعارك الخبز اليومي؟! وتتحول الأكواخ إلى تجمعات تنمو مثل الفطور، وتصير العودة حلم يقظة يمر سريعاً في زحمة القهر اليومي.
وفي غفلة من الضياع تُستعاد الطقوس والقيم البائدة في المناسبات، في الأفراح والأحزان، وفي الضياع اليومي تضيع الكتلة البشرية في ثقافة الصفيح، مثلها مثل كل المهاجرين في أطراف المدينة، والفارق الوحيد أن لهؤلاء المهاجرين فرصة الاستراحة والإجازة من اللهاث والدوران المحموم.
ويبقى للكتلة الكظم المتفجر عنفا في السكاكين على خصور الشباب في الماكياج الرخيص على وجوه الصبايا.. في اللحى الطويلة المستعجلة الحالمة بالجنة، وفي اجتياح الفرح العارم في كل مناسبة وطنية. وتضيع في الضياع قيم الريف الجميلة وعاداته المتخلفة، وتولد عجينة هجينة يصوغها قدر مشؤوم ويلونها بألوان زاهية أولئك الذين تعلموا ارتداء ربطة العنق في أول درس نضالي، وفي الحديث عن المصانع والتعليم والبطالة والفقر.. عن التنمية التي ستشاد وتلملم شبابنا من الأزقة وبناتنا من الخدمة في البيوت.
نازحون.. ويحيل الاسم لسكان الصفيح وأخلاق الصفيح وعنفه وظلمه وظلمته.
ويضاف إلى كل شرائع العالم التي تقول بطرد المحتل وتحرير الأرض.. يضاف تحريرنا من البؤس النازح الذي نئن منه وبه منذ أربعين الضياع.. فتحرير أرض الجولان هو.. هو تحريرنا!!
■ بسام عيسى