أيها الفلاحون انتبهوا.. الحكومة ضدكم!!

تربة الجزيرة الخضراء، حاضنة السلة الغذائية في سورية، تفقد خصوبتها، والإنتاج يتراجع كما ونوعا، ويعيش الفلاح حالة قلق، والأسئلة المتعلقة بالموضوع كثيرة، طالما أننا نتحدث عن مواد استراتيجية، تتعلق بالأمن الغذائي، والأمن الغذائي أحد مكونات الأمن الاجتماعي، والأمن الاجتماعي في الظرف الراهن ربما يكون السبيل الوحيد للحفاظ على الأمن الوطني. مكتب قاسيون في الجزيرة التقى في طاولة مستديرة العديد من المختصين والعاملين في القطاع الزراعي ( أحمد تمو - فلاح، ابراهيم ولي فني زراعي، أحمد الشمام - كاتب ومهندس زراعي، بهجت اسماعيل - موظف في مؤسسة الحبوب، حسين محمد مهندس زراعي، هلوش – موظف في الحبوب) في سعي منها لتشخيص أسباب مشاكل هذا القطاع الحيوي، ووضع الاقتراحات المناسبة، لاسيما وأننا نعيش هذه الأيام موسم حصاد الزراعات الأساسية (قمح، شعير، عدس)..

وقد جاء الإنتاج هذا العام مخيبا لأسوأ التوقعات من الناحيتين الكمية والنوعية، لأسباب عديدة، أقلها ربما، عدم تواتر كميات الأمطار... ليبدأ الحديث عن واقع الزراعة في ظل سياسات الحكومة غير العلمية، وغير الممنهجة، وإذا كان هناك منهج فهو منهج تدمير الزراعة كما يستنتج بعض المتابعين... فهل الفلاح يخسر أم يخسّر؟ وماذا عن والي عكا الذي قال قبل أكثر من قرنين من الزمن: «إذا خسر الفلاح خسرت الدولة»؟ لنصل إلى السؤال الأخطر: هل هناك في الدولة من هم ضد الدولة؟ 

الأرض تفقد خصوبتها

تشير الأرقام في السنوات الأخيرة إلى انخفاض الإنتاجية انخفاضا حادا، وتراجعا في خصوبة التربة، إلى درجة قد تدفع الفلاح إلى مغادرة الأرض والبحث عن مشروع آخر ما لم تتدخل الحكومة بشكل جدي لحل الكثير من المعضلات، وإجراء الدراسات العلمية اللازمة، ودعم الفلاح ماديا ومعنويا. إن عدم اتباع الفلاح للدورة الزراعية بسبب تدني المستوى المعاشي، وباعتبار أن مردودية الأرض هي المصدر الوحيد للدخل لديه، يعتبر السبب الرئيس لهذه المشكلة، والدورة الزراعية تعني أن كل زمرة من زمر النباتات (قمح، شعير، بقوليات، قطن) تحتاج إلى غذاء معين من مكونات التربة تختلف عن حاجة الزمر الأخرى، وإن زراعة الأرض بالنوع نفسه لعدة مواسم يجهد التربة، ويستنزف خيراتها ويشجع على نمو الأعشاب الضارة من شوفان وجودر وغيرها.. التي تنمو على حساب النبات الرئيس، وتؤدي بالتالي إلى تدني المستوى والنوع، فإنهاك التربة خلال السنوات الماضية أدى إلى ظهور النيماتودا، وهي مرض يصيب البذرة وينتقل إلى كل حبة من حبوب السنبلة، لتدخل هذه الحبوب إلى المخازن وتعود إلى التربة عند زراعتها مرة أخرى في دورة مريبة، تحمل الكثير من الأسئلة عن النيماتودا التي توشك أن تصبح وباءً سيكلف القضاء عليه الكثير. فمن المسؤول عن عدم اتباع الدورة الزراعية؟

أجمع كل من التقتهم قاسيون أن المسؤول الأول هو سياسات الحكومة منذ سنوات.. فالمصارف الزراعية تلزم الفلاح المديون بزراعة أرضه لكي تسترد الدين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لماذا لا تشجع الحكومة زراعة النباتات التي تحقق الدورة الزراعية لاسيما البقوليات والقطن، مع العلم أن المثبت علميا أن البقوليات هي إحدى المصادر الأساسية لتغذية التربة، فالفلاح الذي بادر إلى زراعة البقوليات تفاجأ بسعرها لدى الدولة الذي بالكاد يغطي تكاليف الإنتاج.

لنرى فيما بعد أن التجار يشترون من الفلاحين بسعر أعلى، هل هو التواطؤ التي بات مفضوحاً بين التجار وبعض من هم في جهاز الدولة، لتغييب القطاع الحكومي وترك السوق الزراعية تحت رحمة التجار؟ أسئلة محيرة تبقى دون إجابة؟؟

كما أن فرمانات الحكومة بتقليص المساحات المسموح بها بزراعة القطن من 1- 15 بالمائة سبب آخر في عدم إتباع الدورة الزراعية، علما أن زراعة القطن أثبتت فاعلية في الحفاظ على جودة التربة، ولجهابذة وزارة الزراعة تبريراتهم الشاذة وغير المدروسة في مثل هذه الفرمانات، وهي شح المياه، فهل زراعة القطن هي السبب في شح المياه أم إن أساليب الري القديمة، والفشل الذريع في استخدام الأساليب الحديثة هي سبب نقص المياه، وما مبرر الحفر العشوائي لما سمي بالآبار البحرية، في بعض الفترات ؟؟أليس المياه ثروة إستراتيجية ينبغي الحفاظ عليها دائما، والحفاظ على هذه الثروة لا تكون إطلاقا بضرب ثروة أخرى هي الثروة الزراعية. 

ارتفاع تكاليف الإنتاج

حتى قبل سنوات، كانت المقايضة إحدى أساليب البيع والشراء مثلا 1كغ قمح مقابل هذه البضاعة أو تلك ... المفارقة المرة اليوم إن 1 كغ قمح لم يعد يوازي ثمن ربطة خبز... بقي سعر شراء القمح والشعير ثابتا خلال السنوات الماضية، في الوقت الذي ازداد فيه سعر كل شيء، ومنها مستلزمات الإنتاج الزراعي كالبذار والسماد، إضافة إلى الرسوم والضرائب وفوائد المصارف الزراعية التي تثقل كاهل الفلاح، وحجة الحكومة في وضع أسعار هذه المحاصيل في الثلاجة هي انخفاض سعرها في السوق العالمية. فهل هذا يعني أننا سنشتري بعد سنوات قمحنا من استراليا مثلا ونصبح أمة تأكل مما لا تزرع؟

لتسمح لنا الحكومة العتيدة بأن نذكرها هنا بدور الدولة الاجتماعي، فالحكومة إذا كانت حريصة على مصالح العباد، لا تنظر إلى مقاييس الربح والخسارة من خلال خرم الإبرة، وموضوع دعم أسعار المواد الاستراتيجية، ليست منّة، بل واجب عليها طالما أن الموضوع يتعلق بخبز الناس وعمل الأغلبية الساحقة من أبناء شعبنا، بل لا مبرر لوجودها إذا لم تكن كذلك! وطالما أننا بلد فرض عليه أن يكون في مرمى نيران المشاريع الاستعمارية القديمة والجديدة، وخسارة الحكومة في هذا المجال آنيا هي ربح بالمعنى الاستراتيجي، ربح يتعلق بإمكانية اتخاذ القرار السياسي المستقل في ظروف الانعطافات الحاسمة والتي بتنا قاب قوسين أو أدنى منها.. أم أن الحكومة تخضع حتى وجود القرار السياسي لمقاييس الربح والخسارة؟! 

الأرض لمالكها القديم!!

سياسات الحكومة تجاه علاقة الفلاح بأرضه غير مفهومة، وربما نجازف بالقول ونقول: إنها مشبوهة.. وإذا أخذنا تجربة الدول المجاورة كتركيا مثلا، نجد أن الدولة تدفع للفلاح كامل التسهيلات للبقاء في ارضه والعمل بها سعيا منها لتثبيت الفلاح في الأرض.. وزارة الزراعة العتيدة عندنا أصدرت مؤخرا قرارها رقم 4443مد تاريخ 1752007 الذي يأمر بنزع الأراضي من الفلاحين المتأخرين عن دفع الرسوم المترتبة عليهم بالتنسيق بين وزارة المالية، ووزارة الزراعة. وكأن الحكومة لا تجد في نفسها إلا أن تكون جابي ضرائب فقط.

قانون العلاقات الزراعية الجديد

وهو قانون مخالف لقوانين الإصلاح الزراعي التي صدرت في البلاد، التي قضت بتحويل ملكية الأرض إلى الفلاحين، الذي نفذ في كل المحافظات السورية باستثناء محافظة الحسكة، ويقضي بتحديد العلاقة بين (المالك) وواضع اليد بنسبة 60% – إلى 40% لصالح الملاك، مع العلم أن الفلاح يستثمر هذه الأرض منذ عشرات السنين ويدفع 1% بالمائة من الإنتاج للمالك وهو ما يتجاوز ثمن الأرض.

رسوم وهمية

يدفع الفلاح إلى الدولة العديد من الرسوم يمكن ببساطة القول إنها رسوم وهمية مثل رسم المكافحة الذي يستقطع من كل الفلاحين مقابل تكفل الدولة بمكافحة بعض الآفات الزراعية (السونة) بوساطة الطيران الزراعي، لكن واقع الحال يقول غير ذلك، فهذا العام مثلاً لم يرش الطيران الزراعي في مناطق كثيرة، وفي بعض المناطق قام بالرش قبل الحصاد بأسبوع، مع العلم أن الموعد النظامي للرش هو شهر شباط، والدليل على ذلك أن (طائراتـ)نا لم تفلح في القضاء على حشرة السونة، وأضرت هذه الأخيرة رغم أنف الطائرات بالنبات!! ومؤسسة الحبوب ترفض شراء المحاصيل المصابة بالسونة، والفلاح يدفع ثمنها. 

رسم إدارة محلية

وزارة الإدارة المحلية هي المسؤولة عن الإطفاء في سورية، وفي محافظة الحسكة النسبة الكبيرة من زراعتها سريعة الاشتعال (القمح)، والمساحات واسعة، وقد تؤدي حادثة حريق إلى إحراق آلاف الهكتارات، وهنا نشير إلى ضرورة معاملة المحافظة معاملة استثنائية في نسب توزيع الإطفائيات على المحافظات، كما أن صيانة هذه الآليات وجهوزيتها أمر يستدعي المزيد من الاهتمام، فمن المعيب أن تصل الإطفائيات التركية قبل إطفائياتنا كما حدث أكثر من مرة!! 

التخزين في العراء

تقوم مؤسسة الحبوب في سورية بتخزين الحبوب في صوامع، وصويمعات، والطاقة التخزينية لهذه الصوامع لا تكفي لتخزين إنتاج موسم واحد، مما يؤدي بالمؤسسة إلى التخزين في العراء (استوكات) مع ما ينتج عن هذا من خسارة ناتجة عن:

- الفاقد الكبير الناتج عن الأحوال الجوية، والقوارض، والتلف.

- مواد التعقيم المستوردة من الخارج بالعملة الصعبة.

- التلوث البيئي الناتج عن استخدام المبيدات وخطورتها على صحة الإنسان، لاسيما العاملين في هذا المجال.

- فما هو العائق الرئيسي الذي يمنع الحكومة السورية من بناء صوامع تكفي لتخزين كامل الحبوب، مع العلم انه تم بناء العديد من الصوامع خلال السنوات الماضية بعد تلكؤ غير مفهوم في مسألة التعاقد مع هذه الدولة أو تلك في بنائها، هل كان في الأمر صفقات ما، واقع الحال يقودنا إلى استنتاج ذلك! 

إرباكات جديدة في هذا الموسم

تقول الأرقام إن الفلاحين منذ سنتين تقريباً يحجمون عن توريد إنتاجهم (القمح والشعير) إلى مؤسسة الحبوب، وذلك على خلفية الإرباكات الموجودة في الأسعار، وتعقيدات المواصفات الجديدة لهذا العام التي توضع من قبل مؤسسة الحبوب، والتي بطل العمل بها بعد أن تركت ردود فعل سلبية واسعة، والتعقيدات المفروضة على فلاحي واضعي اليد الذين لا يستطيعون توريد المنتوج دون موافقة المالك فيلجأ الفلاحين هنا إلى التجار لبيع منتوجهم، ليشتري التجار بسعر أغلى من سعر المؤسسة، هذا الالتباس استفحل هذا العام، على خلفية ارتفاع الأسعار في السوق العالمية، مختصر الكلام هناك أكثر من مؤشر على أن هناك من يعمل على ترك السوق تحت رحمة التجار، و تغييب دور مؤسسة الحبوب، هل الأمر صدفة، أم هناك تواطؤ تعودنا عليه بين التجار وبارونات الفساد،

لتكون الخطوة التالية، كف يد الدولة، عن هذا القطاع الحيوي بالمقاييس الاجتماعية والوطنية، وتاليا وضع مبرر وجود المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب في أجندة القوى التي تعمل على خصخصة الماء والهواء والخبز.

والحديث عن إضافة نصف ليرة إلى سعر القمح لم ينفذ على أرض الواقع حتى تاريخ إعداد هذه المادة. 

أوضاع موظفي الحبوب 

يستمر موسم الحصاد في المحافظة مدة شهرين تقريباً، تعلن المؤسسة خلاله ما يشبه النفير العام على موظفيها، إذ يصل يوم العمل إلى 16 ساعة أحيانا كثيرة وذلك دون أي مقابل مادي من قبل المؤسسة وفي ذلك مخالفة صارخة لقوانين العمل السورية والعالمية، وحتى دون أذونات سفر التي أصبحت على ما يبدو حكرا على المدراء ونوابهم في السفر الداخلي والخارجي، وليس من باب تبرير الفساد، والتعميم نقول إن تفشي الفساد الصغير في المؤسسة هي عملية إفساد أكثر مما هي عملية فساد، القضاء عليها ضرورة وطنية وأخلاقية وذلك بالاهتمام بالمستوى المعاشي، وإيجاد نظام مكافآت، وتعويضات يليق بحجم العمل الملقى على عاتقهم، وحساسية القطاع الذي يعملون به

بقي أن نشير أن سورية بلد زراعي والحديث عن الزراعة ومشكلاتها لا تغطى في تحقيق صحفي أو ندوة تلفزيونية، وربما يحتاج الموضوع إلى استنفار وسائل الإعلام لتسليط الضوء على واقع الزراعة السورية، وما قدمناه غيض من فيض يحتاج إلى مساهمات الكثير من المختصين، وجهود اتحاد الفلاحين، والقوى الوطنية في البلاد، وجميع الشرفاء داخل جهاز الدولة وخارجها.

■ إعداد: قحطان العبوش

عصام حوج

آخر تعديل على الخميس, 17 تشرين2/نوفمبر 2016 17:57