(داعش) تصحّر الأرض والأرواح أيضاً
دمر التنظيم الإرهابي «داعش» كل معالم ومقومات الحياة في مدينة الرقة، من الفكر إلى التعليم إلى هدم الأخلاق وثقافة المجتمع الرقّاوي، إلى آخر ما هنالك من قائمة تطول، بما في ذلك ما يمس العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية الإيجابية الأصيلة، وأخيراً دمر الزراعة والصناعة التي هي السبيل الوحيد لمعيشة البشر هناك.
حيث قام بتخفيض منسوب الأمام في مياه سد الفرات، ليضيق الخناق ويضع الحبل مجدولاً حول رقاب ما تبقى من الفلاحين الذين يعملون بالزراعة في المحافظة.
اتفاق تقاسم المياه
قامت الحكومة التركية منذ بداية عام /2012/ بالطمس والاستيلاء على حصة سورية من مياه نهر الفرات والعراق، وركل الاتفاقية التي أبرمت مع الحكومة السورية بتاريخ 17 يوليو 1987، وهذه الاتفاقية تعتبر مؤقتة لتقاسم مياه نهر الفرات خلال فترة ملء حوض سد أتاتورك، والتي تمتد إلى /5/ سنوات.
كان الاتفاق مع الجانب التركي بأن تتعهد تركيا بتوفير كمية من المياه عند الحدود التركية السورية /500م3/ثا خمسمائة متر مكعب بالثانية، إلى حين يتم الاتفاق النهائي بين البلدان الثلاثة (سورية- تركيا- العراق)، وبعد عامين، أي في 17 يوليو1989، تم توقيع اتفاقية مع العراق والجانب السوري بمرور كمية مياه، تقاس عند الحدود السورية العراقية من النهر، مقدارها 58% من مياه نهر الفرات، في حين تكون حصة سورية 42% من مياهه، حيث تصبح حصة سورية/6,627/ مليار م3 وحصة العراق /9,106/ مليار م3 وحصة تركيا /15,7/ مليار م3 في السنة.
وفي عام 1994 قامت الحكومة السورية بتسجيل الاتفاقية لدى الأمم المتحدة لضمان الحد الأدنى والمتفق عليه.
تقاسم أدوار داعشي وتركي
مع وجود داعش في المنطقة أصبحت تركيا أكثر تحكماً عبرها بمصير النهر والاقتصاد السوري لمحاربة السوريين بلقمة عيشهم.
وهذا ما جرى من قبل الحكومة التركية، ففي بداية عام 2013 عندما استولت داعش على المحافظة، بدأت كميات المياه تنخفض عن منسوب أمام السد.
مع الإشارة إلى أن هذا التخفيض قامت به تركيا بوقت سابق عن دخول داعش للمدينة، وقد تم إعلام وزارة الموارد المائية بحينه عبر مذكرات عديدة بأن منسوب البحيرة انخفض عبر إجراءات قامت بها تركيا، ولكن دون جدوى، حيث لا حياة لمن تنادي، لتأتي الحرب والأزمة وتغطي كل شيء.
مركز عمليات وأخطار محتملة
التنظيم الإرهابي داعش يتحكم أيضاً بمصير أمان سد الفرات، لأنه يستخدمه مركزاً لعملياته، وهناك تخوف مشروع من قبل بعض المحللين والمسؤولين أن داعش قد يعمد إلى تفجير السد حين يشعر بالخطر، كون الخطورة بالغة جداً بحال القيام بمثل هذا العمل الاجرامي والأحمق.
ويعزى سبب التخوف من التفجير إلى وجود المعتقلين المهمين لدى التنظيم في أسفل الخرسانة بالمحطة الكهربائية، إذ يعتبر التنظيم المجرم أن من الصعب على أجهزة المخابرات المحلية والعالمية معرفة هويات هؤلاء المعتقلين، وهذا ما كشفه بعض المعتقلين الذين أُفرج عنهم من سجن سد الفرات بالرقة.
آثار حتمية
إذا ما استهدف سد الفرات؛ تتولد صدمة مائية تغمر مدينة الرقة نهائياً خلال فترة زمنية تقدر بحوالي الساعة والنصف، وتغمر محافظة دير الزور خلال أربع ساعات تقريباً، كما تصل نتائجه الكارثية إلى أجزاء من العراق.
الكميات المستهلكة من مياه الفرات
كميات المياه التي تستهلكها مشاريع حوض الفرات بالمحافظة حالياً على الشكل التالي:
المشروع الرائد حالياً بعام 2016 يستهلك 6م3/ثا، في حين كان يستهلك بعام 2013 18م3/ثا، وهو على مساحة تقدر بحوالي 19 ألف هكتار.
مشروع بير الهشم حالياً بعام 2016 يستهلك 8,5م3/ثا، في حين كان بعام2013 يستهلك 22م3/ثا، وهو على مساحة تقدر بحوالي 14 ألف هكتار(أرضه جبسية تستهلك ماء أكثر).
حوض الفرات الأوسط حالياً بعام 2016 معظم الري به بالضخ، في حين كان بعام 2013يستهلك 5م3/ثا، من النهر مباشرة وليس بالراحة.
بقية المشاريع، ومنها العليا، حالياً بعام 2016 تستهلك 11م3/ثا، في حين كانت تستهلك بعام 2013 250م3/ثا.
أراضٍ خارج الخدمة وإفقار
هذا التدني بكميات مياه الري أدى إلى تقليص المساحات المزروعة إلى حوالي 55%، إضافة لأسباب ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي الأخرى، من المحروقات إلى الأسمدة والمبيدات والبذار والحراثة والقطاف، وغيرها الكثير من التكاليف التي أصبحت عبئاً ومصيبة على فلاحي الرقة، خاصة وأن الفوائد التي يجنيها داعش الإرهابي أصبحت أكثر من الفوائد التي يجنونها، ناهيك عن الإفادة التي تحصل عليها تركيا من ذلك كله، ما أدى لخروج جزء كبير من الأراضي الزراعية عن الخدمة، مع ما يرافقها من إفقار وعوز أصاب الفلاحين والمزارعين.
وكأن حال أهالي الرقة يقول «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فإذا كان الفلاحون والمزارعون وأسرهم هم فعلاً قوم وأرض وانتاج وحياة، فالدواعش لا يمكن أن يوصفوا إلا بأنهم إرهابيين برعاية دولية، ثبت أن لتركيا دوراً هاماً بهذه الرعاية، ولمصلحتها.
تناغم مصالح
هذا الواقع يشير بما لا لبس فيه إلى ذاك التناغم الحاصل بين كل من التنظيم الإرهابي داعش وتركيا، ومصالحهما المشتركة والمتبادلة على حساب مزارعي الرقة خصوصاً، وعلى حساب أهالي الرقعة الجغرافية كلها التي يبسط فيها هذا التنظيم الإرهابي سيطرته عليها عنوة، كما على حساب مياه نهر الفرات، وعلى حساب أمان السد المقام عليه، وعلى الاقتصاد الوطني عموماً.
كما يُظهر ضرورة محاربة الإرهاب وفك ارتباطاته مع مموليه وداعميه، محلياً وإقليمياً ودولياً.