موسم القطن.. أسود!
حقق الفريق الاقتصادي برئاسة الدردري، هدفه في إفقار الشعب السوري، أكثر مما هو فيه، تجاوباً مع توجهات صندوق النقد والبنك الدوليين، اللذين أشادا قبل أشهر بخطواته الليبرالية، برفع الدعم عن المازوت ورفع سعر اللتر من 7 إلى 25 ل.س.
ومن النتائج الكارثية لهذه الخطوة: ضرب الاقتصاد الوطني، ضرب الأمن الغذائي للبلد، تزايد جنون ارتفاع الأسعار، في عشرات، إن لم يكن في مئات، السلع والمواد، وهو ما أثار استياءً عاماً بين أوسع أوساط الجماهير الشعبية، وبالتالي فقد صب هذا الإجراء بنتائجه المأساوية على الشعب، في مصلحة الهجمة الأمريكية الصهيونية التآمرية على بلدنا، ومصلحة حكام عرب أمريكا، والقوى المتحالفة معها.
إن توقيت إصدار هذا القرار يزيد الشبهة بمصدّريه، لأنه أثار لدى الفلاحين شكوكاً وتساؤلات شتى، لما سيخلف من نتائج كارثية على حياتهم ومستوى معيشتهم.
وإذا انطلقنا من حسن النية، فإننا نكتفي بالقول إن القرار سيلحق أضراراً بالغة بأبرز محصولين استراتيجيين في سورية وهما القمح والقطن. فالقمح هو في مرحلة النمو وامتلاء حبته، يحتاج إلى سقية واحدة على الأقل، وحرمانه منها قد يؤدي إلى خسارة نصف المحصول، أما كان بالإمكان تأجيل التوقيت عدة أشهر؟
أما القطن الذي هو في مرحلة الإنبات، فقد بلغت مصاريف الفلاحين لكل دونم (فلاحة وأثمان بذار وسماد ترابي وبارد ومواد مكافحة وأعمال يدوية..) أكثر من 2100 ل.س، وبسبب عجزهم المادي وحساب خسائرهم الفادحة مع السعر الجديد للمازوت، وسعر القطن المتدني، جرى إيقاف محركات القطن بانتظار قرارات جديدة، كما تم تحويل بعض حقول القطن إلى زراعات أخرى. لأن استمرار الفلاحين في زراعته سيعرضهم إلى خسائر فادحة، قد يبيعون أراضيهم لتغطيتها، ويتحولون إلى عمال زراعيين..
مثلاً في الحقول التي تعتمد السقاية من الآبار التي يتراوح عمقها بين 60 ـ 70 متراً، وبحساب المصاريف بالأسعار القديمة، عن أعمال الحواش والعتالة والكبس وأثمان الشلول والزيت والمازوت واستهلاك البطاريات وبعض الأعطال، ودون استئجار عمال سقي، ليحصلوا بالنهاية على نسبة 35 % من الإنتاج؛ تبلغ خسارة مزارع القطن 4760 ل.س في الدونم الواحد. أما في الآبار التي يتراوح عمقها بين 140 ـ 160 متراً، ومع استئجار عمال سقي، فإن خسارة مزارع القطن تصل إلى أكثر من عشرة آلاف ليرة سورية في الدونم الواحد!! هذا إذا حسبنا مصروفاته بالأسعار القديمة.
لذلك فقد أوقف مزارعو القطن محركات آبارهم، لئلا يتعرضوا إلى خسائر فادحة بانتظار قرارات جديدة منصفة، تترك لهم هامشاً من الربح، قبل أن يحولوا حقولهم المزروعة قطناً إلى زراعات أخرى.
مطلبان رئيسان يلبيان حاجة مزارع القطن كي يستمر في استثمار حقله يتلخصان في:
1ـ تأمين سيولة كافية له تغطي مصاريفه، لأنه (على الحديدة) كما يقال، ولا أحد الآن، يثق بنتائج محصوله ليعطيه قرضاً ولو بفائدة 20 %!!.
2ـ رفع سعر كغ القطن إلى أكثر من 60 ل.س كي يبقى للمزارع ذلك الهامش من الربح الذي يمكنه من العيش ومعاودة الزراعة.
إن فلاحي القطن عامة، يعيشون بوجوه كالحة مثقلة بالهم، ترتدي الحيرة واليأس والغضب. عيونهم شاخصة إلى تلبية هذين المطلبين الهامين. فالحكومة التي أوقعتهم في شرك هذا الوضع المزري، برفع أسعار المازوت، يجب أن تنقذهم من شر ما سببته لهم، وذلك من أجل المحافظة على الاقتصاد الوطني، والمحافظة على الاستقرار الاجتماعي.