طلاب القرى المتطرفة بين مطرقة المعلمين وسندان مديرية التربية
لو أتينا بأي كتاب وقلنا لأحد طلاب الصف الرابع في مدرسة من مدارس القرى المتطرفة: اقرأ في هذا الكتاب، هل يستطيع القراءة؟؟ أو قلنا له: اكتب لنا عبارة بسيطة من ثلاث كلمات، فهل يستطيع الكتابة؟؟ في الواقع لن يستطيع أن يقرأ أو يكتب أي شيء، لأن الظروف التي تعانيها مدارسنا في القرى المتطرفة معاناة لا توصف، فها هي قرية مصيبين التي تقع شمال مدينة الباب بخمس عشر كم التي دخلت المعاناة إليها منذ وجود المدرسة فيها، ومثلها مثل جاراتها من القرى المحيطة التي تعاني المعاناة ذاتها. فلو سألنا على من سيقع اللوم، هل سيقع على الطالب الذي لم يتجاوز عمره الثماني سنوات ولم يدر ما هو التعليم بعد، أو سيقع على المعلم الذي أصبح همه الوحيد قبض مرتبه في نهاية الشهر، أم سيقع على مديرية التربية التي غفلت أو تغافلت عما يجري في مدارسها؟؟ فلو ألقينا اللوم على الطالب لوجدناه بعيداًَ أشد البعد عن هذا اللوم، لأنه أرسل أصلاً إلى المدرسة كي يتعلم.. في الحقيقة، إن اللوم، وكما أثبت الواقع يقع على النظام التعليمي أولاً وعلى مديريات التربية ثانياً، وعلى المعلم أخيراً.. ولنبدأ من الآخر، فسابقاً كان المعلم شخصاً مرموقاً في المجتمع، حتى قيل فيه:
قم للمعلم وفّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
فأين نحن من هذا القول في وقتنا الحاضر؟؟
في الحقيقة لقد ابتعدنا بعداً شاسعاً عن هذا القول.. أصبح المهم بالنسبة لغالبية المعلمين أن يثبتوا وجودهم الشكلي في المدرسة، ليقبضوا مرتباتهم آخر الشهر.. هذا عدا العطل والأعياد الرسمية التي يخترعها كل واحد لنفسه، فاليوم قطاف الزيتون.. إذاً المعلم في عطلة!! واليوم التالي سوق الغنم، والمعلم غير موجود في المدرسة. وماذا نقول عن المعلمات اللاتي حولن المدرسة إلى مطبخ لصنع التبولة والسلطات، وحولن المدرسة إلى مجرد مهزلة، والمهم لديهن تثبيت الحضور في المدرسة.. إذاً هم موجودون دائماً، لكن على جدول التوقيع فقط كي يقبضوا مرتباتهم كاملةً لكن هم غير موجودين فعلياً في المدرسة، وأطفالنا في المدرسة يفرحون لغياب المعلم أو المعلمة كي يخرجوا للعب، دون أن يدركوا أنهم الضحية.. هكذا يمر العام تلو العام ونحن نعزف المقطوعة نفسها، ويدخل الطالب إلى المدرسة، ويخرج منها مثلما دخل، و(تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي).
وأما المقطوعة الثانية التي تعزفها مديرية التربية: فيأتي طالب قد نجح في الثانوية العامة إلى مديرية التربية كي تعطيه الموافقة على التدريس في إحدى مدارس القرى المتطرفة كمدرس للغة الانكليزية مثلاً، وتكون علامته في اللغة الانكليزية لا تتجاوز الخمس درجات، فكيف لهذا الطالب أن يبني أي أساس لطلابنا في اللغة الانكليزية؟؟؟ ويأتي طالب آخر قد أخذ الثانوية العامة بأدنى درجاتها ويبين ليلة وضحاها يصبح أستاذاً على طلابنا، وهو لا يدري كيفية التفريق بين الفعلين المضارع والماضي، فكيف لنا أن نبني أجيالنا على يد هؤلاء أشباه المعلمين؟ وأين هي مديرية التربية من إعطاء هذه الموافقات؟؟ فكل من لديه معرفة في مديرية التربية يستحق أن يأخذ موافقة على التدريس، هذا هو المهم لدينا!! وليس همنا من يكون الضحية، ومن يدفع الثمن؟
هذه هي معاناة قرية مصيبين وجميع القرى المجاورة لها، فإلى متى سنعيش حياة التهميش في مدارسنا.
اطرقي يا مطرقة، واستقبل الضربات يا سندان، وادفعوا الثمن يا طلاب القرى البعيدة.