مركز الأعلاف.. ومعاناة مربي الأغنام
ربما يصعب على الجالسين في المكاتب وخلف الطاولات وصف المعاناة الفلاحين من مربي الأغنام في شتاء هذا العام حيث الجفاف وشح الأمطار وانعدام المراعي وندرة المواد العلفية كالنخالة والشعير والقمح وغيرها؛ وهذا ما دعاهم إلى التهافت على مراكز الأعلاف لتأمين هذه المواد دون أن يظفروا بالحد الأدنى من احتياجاتهم، الأمر الذي اضطر قسماً كبيراً منهم إلى التخلص من هذه الثروة الحيوانية الهامة التي تعتبر المصدر الرئيسي والوحيد لمعيشتهم، وذلك إما بيعها بأبخس الأثمان، أو عرضها على الآخرين مناصفة مقابل تربيتها وتأمين احتياجاتها، أو اللجوء إلى التجار الجشعين والسماسرة والخضوع لابتزازهم.
وفي استطلاع ميداني لآراء بعض المربين وواقع مركز الأعلاف في مدينة عامودة لمعرفة الصعوبات التي تعترض سبيلهم والعوائق التي تحول دون الحصول على هذه المواد تبين:
إن المراكز المذكورة تتبع لها سبع وحدات إرشادية، تضم نحو /150/ قرية، فيها أكثر من أربعين ألف رأس غنم، وتعاني من نقص حاد في المواد العلفية..
كما يعتمد كل مركز أسلوباً فيه كثير من الثغرات:
1) يقوم المركز بتنظيم أدوار وجداول اسمية لكل وحدة إرشادية أو أكثر وليوم واحد في الأسبوع، تضم عدداً من الأسماء لا يتناسب مع الوقت المخصص للبيع بموجب البطاقة الشخصية التي يتم التوزيع بموجبها، والتي يفترض على صاحبها تسليم المركز في بداية الدوام الذي يبدأ من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الثانية عشر ظهراً، حيث يوقف البيع ويغلق الصندوق، ويقوم الموظف المختص بعد ذلك بالذهاب إلى القامشلي التي تبعد /30/ كم عن المدينة لإيداع قيمة المواد المباعة لدى المصرف التجاري السوري. فخلال هذا الوقت القصير، وإذا حسمنا الوقت الضائع منه، يعجز الموظف عن البيع واستلام أثمان هذه المواد لكل الأشخاص الواردة أسماؤهم في الجدول المذكور، ناهيك أن الكثيرين من مربي الأغنام يقطنون في قرى تبعد /40/ كم عن مركز المدينة، ويضطرون إلى استئجار وسائط نقل للوصول مبكراً وتسليم بطاقاتهم الشخصية، وفي حال غياب أو تأخر أحدهم أثناء المناداة، أو نفاذ المواد لانتهاء الدوام يطوى اسمه وعليه أن ينتظر دوره في الأسبوع القادم بعد انتظار دام ساعات أمام المركز وبعد أن تجشم عناء الطريق وتكبد نفقات وسائط الانتقال، فيعود من حيث أتى، ولسان حاله يقول: (تيتي تيتي كما رحتي جيتي). ومما يزيد الطين بلة أن المواد العلفية التي تأتي إلى المركز دون الحد المطلوب بكثير، وحصة المربي من هذه المواد مكلفة جداً ولا تتجاوز /10/ كغ لكل من النخالة والقمح في أحسن الأحوال لكل رأس غنم، وعلى مدار شهر أو أكثر، وفي حال توفرها فهي مساعدة إسعافية لا تفي بالغرض بكل المقاييس.
2) جرت العادة ووفق التعليمات الصادرة عن دائرة الإعلان، أن تسلم مادة النخالة والقمح معاً، وفي حال توفر الأولى يخير صاحبها إما أن ينتظر حتى تتوفر المادة الثانية أو يستلم المادة المتوفرة، ويوقع على تصريح بإسقاط حقه من المادة غير المتوفرة، حتى وإن توفرت بعد ذلك.
3) يدور الحديث في أوساط المربين أنفسهم أن البعض يلجؤون إلى تسليم بطاقاتهم الشخصية مسبقاً أو في الخفاء، أو تكون بحوزة الموظف المعني ولجوء البعض الآخر إلى التوسط لدى جهات معينة للحصول على استحقاقاتهم، كما لايستبعد آخرون من حصول البعض على كميات معينة نتيجة تقديمهم بيانات ملفقة وغير واقعية، حيث سعر الكغ من المادة العلفية لا يتجاوز /7/ سبع ليرات سورية في مراكز الأعلاف، بينما يباع في السوق السوداء بـ /16/ ل.س.
إن مشكلة هؤلاء تتلخص بنقص المواد العلفية، وسوء توزيعها وانعدام الرقابة والإشراف، والحل الأنسب كما يراه مربو الأغنام:
1) زيادة مخصصات المركز من المواد، آخذاً الظروف والأحوال الجوية والمناخية بعين الاعتبار.
2) إيجاد واتباع آلية ملائمة للتوزيع تحفظ حق المستفيد في حال لم يصله الدور لانتهاء الدوام أو تأخره بعض الوقت، أو نفاد المواد من المركز، وأن يكون عدد الأسماء الواردة في الجدول متناسباً مع أوقات التوزيع كي لا تحمله عناء ونفقات الذهاب والإياب.
3) إلغاء ترابط أو تلازم تسليم مادتي (النخالة والقمح)، ففي حال استلام إحداها لا يمنع من استلام الثانية في حال توفرها لاحقاً.
4) تشكيل لجان من مجالس المدن أو البلدات للإشراف على التوزيع، وتنظيم الجداول، والتأكد من صحة المعلومات المدونة من حيث المستحقات وكميتها، دون تدخل من أية جهة كانت.
5) إيداع قيمة المواد المباعة من المركز لدى المصرف الزراعي في المدينة أو دائرة البريد، توفيراً للوقت والجهد الذي يمكن توظيفه واستخدامه لتأمين استحقاقات لأكبر عدد ممكن لهؤلاء المربين الذين يشعرون أن معاناتهم مزدوجة: غلاء الأسعار من جهة، وتعرض ثروتهم الحيوانية للجوع والإبادة والابتزاز من جهة أخرى.
فهل ضاقت الأرض بما رحبت بالنسبة للفساد والمفسدين، فمن سرقة لقمة عيش المواطن الكريم تجاوزوا إلى سرقة لقمة الحيوان الأليف؟
■ عاموده ـ عبد الحليم قجو