تنبّهوا واستفيقوا ... !
إذا كانت الطبيعة عمياء ولا ترحم، فإن دور الإنسان هو الاستفادة منها وتسخيرها، أو محاولة حماية نفسه منها بما لديه من عقل وقدرة وإرادة. فللمرة الخامسة تتعرض دير الزور لعاصفة رملية غبارية، عجاج مختلفةٌ ألوانه، لكنها ليست كألوان قوس قزح الزاهية، وإنما ألوان قاتمة، تزيد الوجوه كلحاً، فوق كلح الفقر والجوع وسوء التغذية، تشوبها صفرة كصفرة الموت وشحوبه، ونتساءل: لماذا صُرفت ملايين الليرات على الحزام الأخضر؟ وما هو بأخضر، وإنما حوّله الفاسدون إلى حزام شبه أسود، بالإهمال وتيبيس الأشجار، وأصبح عامُنا كله خريف. هذا جزء من الحكاية مع ظلم الطبيعة، وبعض الظُلاّم.
وأما الظلم الأبشع من القتل، والناجم عن جشع الفاسدين، والناهبين أموالَ الوطن والمواطن، فقد أصبح يحتاج إلى مواجهة مباشرة، بل مقاومة، فهو ليس قَدَراً، وإن كنا نميز بين الصدفة والضرورة، وندرك أن التراكم سينتج عنه تغيير نوعي، حتى وإن طال الزمن قليلاً، وهذا جزء آخر من الحكاية، حكاية الفساد، الذي عم في كل البلاد.
وإذا كان التاريخ يذكر لنا أن «المعتصم» قد سمع صرخة المرأة في عمورية، مجازاً، على بعد آلاف الفراسخ، فإن صرخات الأمهات الثكالى، والفتيات اليتيمات في فلسطين ولبنان والعراق، لم تهز شعرة واحدة من حكامنا العرب. ليس هذا فقط، بل سارعوا للرقص مع الجزار «بوش» على «الوحدة ونص». نقول هذا لأن مواطننا بات يدرك أن ما يجري في غزة يمسه مباشرة، وما يجري في العراق، هو جزء مما سيتعرض له إن تخاذل واستزلم، وما يجري في لبنان هو شكل مما يحاوله الفاسدون وغيرهم، وهو: «أخذ الوطن المقاوم من الداخل».
لقد امتزجت معاناته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وحتى الإنسانية، مع بعض، وأصبح يسبق الكثير من القوى السياسية في التحليل والاستنتاج، فلم تعد تخدعه بيانات الشجب والاستنكار، ولا الخطابات، ولا آيات التبريك والتأييد، بل إن همه بات مركزاً في معاناته المركبة، من أبسط الأشياء إلى أعقدها.
وإن كانت عادات العرب سابقاً: إغاثة الملهوف، وحماية الدخيل، ونصرة المظلوم، فإن من عاداتهم أيضاً الفزعة، لذا نقول: الفزعة.. الفزعة، أيها القلة الباقية من المسؤولين الشرفاء، الفزعة.. الفزعة، أيها المواطنون الشرفاء أينما كنتم، فأين توجهنا نجد معاناة كبيرة في الغذاء والغلاء، في السكن، في الصحة، في التعليم وحتى في أمن المواطن على نفسه وأسرته.
قد تكون المقدمة طويلة، لكنها تبين خطورة الواقع الحالي والمستقبل، والحادثة قد تكون قصيرة لكنها تبين فداحة ما وصلنا إليه. فهي ليست بسيطة.
(ففي صباح الأحد 17/2/2008، انهار سقف الدور الثاني، في مدرسة موحسن الريفية، والذي مساحته حوالي 200 متر مربع، هذا السقف الذي تمّت صبّته منذ حوالي عشرين يوماً تقريباً، دون علم مدير المدرسة، الذي اتصل به الأهالي المجاورون، وتفازعوا معه ليلاً، بعصيهم نحو المدرسة، ظناً أن هناك لصوصاً، وهم جاؤوا لحمايتها، لكنهم فوجئوا أن عمال المتعهد يصبّون السقف، ولتثبت الأيام أنهم لصوص حقاً، انهار السقف عند فك الخشب، نتساءل: ماذا سيحدث لو أن هذا المبنى استُكمل، واستُعمل بعد فترة؟!
تصوروا، إلى هذا الحد وصل الإهمال والجشع والفساد، إلى حياة أطفالنا الأبرياء. أين الخدمات الفنية، وأين مراقبها الفني، وأين جهازها الإشرافي؟! أين الأبنية المدرسية من المتابعة؟! أين المسؤولون على المستويات كافة؟! وليس هذا فقط، ففي العام الماضي تعرضت المدرسة ذاتها لتساقط الأشجار الكبيرة مرتين نتيجة عاصفة قوية، ولحسن الصدفة أنها وقعت يوم عطلة، وإلا لحدثت مجزرة للتلاميذ، وحمّلنا المسؤولية آنذاك للطبيعة، وجزءاً قليلاً للمسؤولين الذين أهملوا كتب مدير المدرسة المطالِبة بقطعها، لكن ما حدث يوم الأحد، وإن لم يكن دامياً. لكن من الخطورة، التي تجعلنا نطلب الفزعة من الشرفاء، كفزعة أهالي موحسن بعصيهم، لحماية مدرستهم من اللصوص، التي لا دخل للطبيعة فيها هذا المرة.
المسألة ليست محاسبة هذا المتعهد أو ذاك، وليست إبعاد هذا المدير أو آخر فقط، وإنما الأمر يتطلب إعادة النظر بكل السياسة الاقتصادية الاجتماعية والإدارية، فهذا المتعهد ليس حالة فردية، ولم يأت من فراغ، وهذا المسؤول الذي أزيح ليس هو الوحيد، فكثير من الفاسدين المستترين يقفون على المنابر، يشبعوننا خطابات، ويؤيدون سياسة التحديث والتطوير، والقيادة الحكيمة. بينما هم يفعلون العكس، وحتى لو كُشف هذا الفاسد، وأجمعت تقارير الرقابة على ذلك، وأقر الوزير المختص بحجم الفساد المتراكم، نجده يخرج من الباب ليعود من النافذة، وبقدرة قادر تنتقل التحقيقات إلى مكان آخر ليخرج بعدم تحمل المسؤولية، ثم لا نستغرب أن يقوم باستثمار الأموال التي نهبها، ويضع على استثماراته شعار: «هذا من فضل ربي»، ولدينا أمثلة كثيرة سبقته؟!
■ ـ دير الزور