مهند شحادة مهند شحادة

مطبّات دمشق.. كلمات على الهامش

مرة أخرى في دمشق.. داخل السور القديم تمشي، تتأمل المكان، كل شيء خارج التفاصيل يعنيك، لا تعرف أين يبدأ أو ينتهي، فبلادنا احترفت الفوضى في كل شيء، مدينة الذاكرة تزدحم إلى حد الاختناق. الأسباب كثيرة، والجدل وتوصيف الأزمة تعدد، لكن شيئاً لم يتغير، الحل الأكثر لفتاً للنظر حسب المختصين في محافظة دمشق تلخص في أن أحد أهم أسباب المشكلة يكمن في المدينة القديمة، فكان لابد من تغيير ملامحها! لا تعاتبنا أيها التاريخ فرجالاتنا تجاوزوا أزمنة الحداثة كلها.. لكن!

إذا كان التصور لدى المبدعين بأن ما تبقى من دمشق الذاكرة يمثل جزءاً لا يستهان به من الأزمة بسبب كثرة الأسواق التجارية وضيق أزقتها إضافة لتداخلها مع مركز المدينة، لماذا تم إغراقها بالاستراحات والمطاعم والبارات؟ تأتيك الإجاية بسذاجتها كالعادة هي محاولة لإكساب المدينة رونقاً «خدمة للسياحة»، لكن الغريب أنك في أي وقت تقصد فيه أياً من تلك المطاعم ستجد أنها تمتلئ بأبناء البلد، والسياح إن وجدوا فهم أقلية لا تذكر.

على الهامش، في خلفية الصورة، أطفال يجوبون أزقة دمشق، على عتبات البارات والنوادي الليلية، مجردين من كل شيء إلا عوزهم للطفولة وبضع تفاصيل تلبس التسول قناعاً لا لشيء، فقط للحصول على قروش لا تشكل ركناً في هيكلة الاقتصاد المحلي لأية أسرة سورية، لكن «المضحك المبكي» أن عبقرية الكثيرين تتفتق عند رؤية المتسولين يقتربون منهم، وتبدأ التأويلات والتحليلات حول كذبهم ونفاقهم، وقد تصل حد أن التسول ليس إلا قناعاً يخفي خلفه ثراءً فاحشاً، دون أن يسأل أحد نفسه: لماذا استفحلت هذه المظاهر في بلدنا؟ ماالذي يدفع أسرة لأن تلقي بأطفالها إلى الشوارع حتى وإن لم تكن بحاجة؟ أي دافع ذاك الذي يروج لثقافة كهذه؟ لماذا وطن بأكمله احترف التسول مع شيء من اللمسات التجميلية احترفها أبناؤه خجلا؟ لم الإصرار على السياسات العمياء التي لم تنفع في الماضي ولن تجدي حاضراً، ولا تبشر بمستقبل أقل قتامة؟

لا نتوجه بأسئلتنا لأي من رواد استراحات دمشق، بل هي برسم حكومتنا العتيدة والمسؤولين عن الملف الاقتصادي فيها، المصرين حتى الآن أنه لافقر في سورية طالما أن أحداً لم يمت جوعاً بعد، فليمت قهراً أو برداً لا مشكلة..!

تذكر فقط يا صاحب القرار أن خلف القصور على الهامش أو الحاشية أطفال افترشوا أرض دمشق، والتحفوا سماءها، وآخرين ينبشون مكبات النفايات بحثاً عن بقايا طعام يتقاسمونه مع القطط والكلاب كي لا يموتوا جوعاً.. لم يمت أحد جوعاً، ربما.. لكن الكثيرين ماتوا غربة وألماً..

لحظة دمشق من فضلك، أعيرينا شيئاً من اهتمامك، مازال بداخلنا بقية من روح لندمع حين نمشي في أزقتك، لا تبك أيا كنت حين تلتفت خلفك إلى السور القديم، فإن كانت القدس تعرف أهلها جيداً على رأي شاعر مر عابراً بين السطور في ديوان العرب، ولم يجد في الفهرس حيزاً يترك فيه اسمه أو رقم هاتفه أو عنوان قصيدته، دمشق قدس أخرى تعرفت على الجميع، لكنها تأبى أن تعترف بأبنائها..

أيها التاريخ مهلاً لاتغلق أبوابك، تعترينا بعد حاجة للبوح، فسجل على الهوامش لديك.. اعذرينا دمشق لأن كل ما تغلغل فينا من مركبات نقص وتشوهات رسمناه في ملامحك، سامحينا لأنا استبحناك.. عذرا نزار، فمدينتك الحلم لم يتبق منها إلا حرف الميم والبقية سقطت.. عفوك أيها القارئ لأننا لا نجد شيئاً جديداً نكتبه..

وقبل كل ذلك نعتذر لأنفسنا لأننا في كل المواضيع التي تطرقنا ونتطرق إليها نكرر ذاتنا ونجتر أفكارنا، ولاشيء تغير.

لاتنسَ أن تبتسم يا وطن فأي من أبنائك لم يمت جوعاً حتى الآن على الأقل، وإن كان الكثيرون قد ماتوا لأسباب أكثر سوءاً؟

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 12:44