سِفر الركوب بالمقلوب مشكلة النقل في العاصمة.. قنبلة موقوتة فلنحذر انفجارها!

السومرية الحل.. والأزمة

كلما تحدثت جهة حكومية عن أن غايتها من إقامة مشروع ما هو سعادة المواطن وراحته، وضع الأخير يده على قلبه مستعيذاً بالله من قلق قادم.
محافظة دمشق بررت نقل كراج البرامكة بسياراته وبشره إلى (السومرية)، بتخفيف الضغط على المدينة وإخراج أكثر من ثلاثة آلاف سيارة خارج دمشق مما يساعد على تخفيف الازدحام والتلوث فيها، وتوقعنا حينها أن مشروعاً استثمارياً جديداً سيعلن عنه في (البرامكة) بعد حين، وجاء هذا الحين، وتبين أنه مشروع خدمي ومرآب سيارات يتسع للآلاف.. إذاً الغاية لم تكن راحة المواطن والبيئة، وإنما كانت مقدمات إنسانية اعتدنا عليها لتمرير ما هو ليس بإنساني، وأن ترحيل أزمة النقل في دمشق، سيستمر من بؤرة إلى أخرى.. ريثما يطردنا الموت جميعاً اختناقاً.. أو قهراً.

مختصر مكرر.. وليس مفيداً

ليس من باب إعادة الرواية، ولكن التذكير بمقدماتها قد يقودنا إلى إدراك النتائج وما بعد النتائج.. فعلى مدار أكثر من سنتين و(السومرية) مشروع موجود على الأرض، كسر الأولاد مصابيح أعمدته، اقتلعوا أرصفته دون أن تكترث المحافظة، أو تضع حارساً لأموالها (أموالنا) المنثورة هباء.. ثم فجأة في 1/7/2007 بدأت بتنفيذ نقل الكراج إليها، وتسارعت إلى أسبوعين همة المحافظة، ورسمت كراجاً دون خدمات ـ تقوم الآن بتنفيذ بعضها ـ أو مواصفات، أما الجزء الأهم المكمل لمشروع (الكراج)، هو الجسر الذي يعود بالسيارات إليه دون أن تدخل المدينة فحتى تاريخه لم ينجز، ومازالت نفسها آلاف السيارات تدخل دمشق إلى أولها، لتعود عكس السير إلى (السومرية).
هذا القرار احتج عليه أكثر السائقين والمواطنين، البعض بحجة أنه يطيل مسافته، ويطلب زيادة التعرفة، والبعض يؤكد أنه لم يكن جزءاً من مشكلة الازدحام كخط قطنا، الذي لم يكن بالأصل يدخل البرامكة- الكراج القديم - الذي ضاق بساكنيه.
وترك في العمل داخل المدينة خطان هما (جديدة عرطوز ـ المعضمية) للمساهمة في تخفيف الضغط على (السومرية)، وهذه حجة أوهى من خيط العنكبوت، لأن خط (قطنا) كان يخدّم منطقتي (المعضمية ـ جديدة عرطوز) الأوتوستراد، وبالتالي زاد العبء على هذين الخطين. أيضاً الخطوط العاملة على طريق وادي بردى تعثرت، كونها لم تكن تدخل قلب المدينة لمسافة طويلة، فإجبارها على الذهاب إلى السومرية وهي التي كانت تصطف تحت جسر الرئيس، دفعها للمرور (بالمزة) من أجل الوصول إلى الكراج المعجزة، ثم بدأ التفكير بالبدائل وهنا ما يدل على ارتجالية القرارات وحلولها وتعديلاتها.

 
تعديلات مرتجلة للارتجال!

أضرب سائقو خط (قطنا) بعد أن تم نقلهم إلى السومرية، لأن هذا سيقلل (غلتهم) إلى النصف، إضافة إلى نية المحافظة تخفيض التعرفة، فتوقفوا عن العمل، وأربكوا البشر الذين دخلوا كأضعف حلقة في الصراع بين أصحاب السرافيس والمحافظة في لعبة (عض الأصابع). بعد ثلاثة أيام أرسلت المحافظة لجنة لقياس المسافة وقررت إعادة التعرفة إلى /10/ ليرات، وعاد السائقون للعمل. وهذا نصف الحل بالنسبة للناس، النصف الثاني مازال معطلاً حتى الآن.
الإضراب الثاني كان لسائقي خطوط وادي بردى وتحديداً (عين الفيجة)، فالتعرفة على حالها، والمسافة صارت أطول.. جاء الحل الارتجالي الأول بالسماح لهم بالوصول فقط إلى حديقة تشرين وصار لهم موقف مؤقت.. لكن دام أسبوعين لم يكتملا، وجاء الحل الارتجالي الثاني والأخطر وهو عدم السماح لهم بالوصول إلا لحي (دمر)، وهذا خلق بدوره أعباءً جديدة للطرف الأضعف (المواطن).
المواطن رقم (1) هو الذي سينزل في (دمر)، ثم يستقل حافلة أخرى لنقله إلى المدينة، والمواطن رقم (2) هو ساكن (دمر) والذي بالأساس لديه مشكلة في النقل وبالتالي زادت معاناته ضعفين.
والسؤال هنا من يقف وراء هذه الاجتهادات الارتجالية، أهي مصالح شخصية، رشاوى، قلة الخبرة بالتعامل مع الأزمات، إرضاء طرف اليوم على حساب طرف يحسب حساب رضائه غداً؟؟؟ وهكذا دوامة من الارتجالات وزيادة في التخبط والفوضى.. وسعادة المواطن أين، وهي الهدف الذي تسعى إليه الحكومة بمؤسساتها ورجالاتها.. والمعادلة الأخرى المدينة المختنقة وتخفيف العبء هنا؟!..
الجواب لم تستطع المحافظة واجتهاداتها تحقيق أي من المعادلتين.. (إن كان يهمها)، وفشلت فشلاً ذريعاً في الدفاع عن نفسها، فلا هي أسعدت المواطن، ولا هي استطاعت أن تخفف من اختناق دمشق..
المواطن زاد مصروف مواصلاته وتنقله، فالراكب الذي كان يدفع /10/ ليرات إلى البرامكة، أضاف /5/ ليرات من السومرية إلى البرامكة، وزاد الازدحام في أطراف المدينة.
أما الأسطول المدجج من باصات النقل الداخلي والذي حلمنا دائماً بأن لا نراه بصورته المزرية السابقة، فقد أعادنا إلى التدافع والتدافش وركوب بعضنا بعضاً، والخوف من المفتش، وذكريات المفهوم الأعوج «الاشتراكية» والتعلق بالأبواب. ودخلت أطراف من القطاع الخاص على خط الاستفادة من الأزمة وشغلت باصاتها المشابهة بخمس ليرات إلى السومرية، وعادت بعض الباصات التي كانت نكرة إلى العمل، وأصبح مصادفة أحدها حدثاً سعيدا لمنتظري فرصة الوصول إلى بيتهم أو إلى عملهم..
كذلك مدت المحافظة خطوطا (ستة) مثل: (جوبر ـ مخيم فلسطين ـ اليرموك ـ دويلعة..الخ) للمساهمة في نقل الركاب إلى السومرية، وهنا سجلت اعتراضات كثيرة.. وتشتت الركاب لانتظار هذه الحافلات على مسارها.

 
مقدمات النتائج

مثلما توقع الجميع، سيكون الاختبار الحقيقي لهذه الخطوة، هو بداية العام الدراسي (المدارس ـ الجامعات ـ المعاهد).. وسيندفع الطلاب إلى دمشق باعتبارها مركزا لأغلب الجامعات والمعاهد..  وبالفعل.. بدأت تباشير الأزمة تظهر.
القادمون من الغوطة الغربية لم يُفاجئوا بالرتل الطويل للسيارات من (كازية المعضمية) حتى مقابل كراج (السومرية)، تدافع للركاب وصوت (الزمامير) المرتفعة، ثم الانتظار الطويل والتدافش لركوب السرفيس أو (باص الحكومة) للولوج إلى دمشق.. أما (السومرية) فهادئ لا يتحرك فيه أحد..
أيضاً في البرامكة وتحت جسر الرئيس، العائدون إلى السومرية، في وقت الذروة في ركض طويل إلى حجز مقعد في نفس الحافلات العائدة إلى (السومرية) الهادئ الذي لا يكترث بأحد..
أما المستفيد الواضح فهم سائقو (التاكسي) الذين ينتظرون مستعجلاً أو متأخراً أو فاقداً لأعصابه، وهم أيضاً لن يوفروا جهداً في زيادة استفزازه، إما بعدم تشغيل (العداد) أو بطلب أجرة زائدة مع تشغيله على مضض.
من المتضررين أيضاً، سكان المتحلق الجنوبي الذي كانت تخدمه سرافيس (بلودان، سرغايا، عين الفيجة)، صار تحت رحمة العابرين أو (التاكسي) الذي يصطاد زبائن بلا حماية.
وهنا ثمة اقتراح من المواطنين بتخديم هذه المنطقة بحيث يتم ربط (السومرية) مع (العباسيين) وبالتالي تخديمه، الوصول بعد الأوتوستراد الكبير بسهولة ويسر ومن خارج المدينة، وبالتالي حققت بذلك هدفين ضروريين.. لكن لا حياة لمن تنادي والقائمين على الأمر يرون الحكمة هي ما يرونه في عقولهم فقط.. وأن اجتهاداتهم الشخصية هي التي تحقق سعادة ذلك الكائن الذي يسمى (مواطناً).
 

أزمة جديدة.. (الأخلاق)

ترى.. هل كان في حساب المحافظة أن الأزمة تلد أزمات، وهل تنبأ حكماؤها ومحللوها النفسيون إلى خطر أهم من سقوط المواطن ضحية الابتزاز، والاستغلال، وتعثره على أبواب حافلاتها العتيدة..
بالطبع، لسنا في وقت يسمح بالنتائج السلبية لاختلاق أزمة أو حصولها، فلدينا مواطن اعتاد الصدمات لدرجة التلاؤم معها، إما بالضحك أو بالدعاء!!
سائقو خط (يرموك ـ السومرية) قرروا ألا يصلوا إلاّ لمنطقة (بوابة ـ ميدان)، وبالتالي خط قصير وغلة وفيرة، وبإمكانك كمواطن أن تشتكي للشرطة ولن تستفيد شيئاً، كذلك شركاؤهم في خط (فلسطين ـ السومرية)، والمشكلة هي مع من لا يزيد تعرفته وليست بالمواطن.. الذي سيكون ضحية صراع لا يد له فيه.
إذن، تركتنا المحافظة، لنحل مشاكلنا فيما بيننا، وهي تتصرف كطرف محايد، يجتهد فقط. في البرامكة بدلت الخطوط ذاتها لتحصل فقط على مسافة أقصر وربح أكبر، فخط المعضمية لا يصل إلى المعضمية.. السائق ينادي فقط (سومرية)، فالدخول إلى المعضمية يأخذ منه وقتاً ووقوداً، أما إلى السومرية فهي تسعيرة المعضمية نفسها، أي /5/ ليرات.. والمسافة أقصر وأسرع، كذلك بعض السيارات العاملة على خط (جديدة عرطوز).
أما سائقو النقل الداخلي فليس لديهم سوى بطاقات /8/ ليرات.. وسعرها لدى السائق /10/ ليرات.. وأحد السائقين أعلن صراحة عندما سأله مواطن: أن سعرها /8/ ليرات، وأنا أريد بطاقة /4/ ليرات، قال السائق صائحاً:  «لولا الليرتين لا نعمل» إذن، سائقو النقل الداخلي المدللون يبلغ ما يدخل جيوبهم في اليوم وحسب اعتراف أحدهم أكثر من /2000/ ليرة سورية، وبعضهم قال: «سأخّرب الباص إذا حسموا الليرتين».. إذن، نحن في أزمة أهم من أزمة النقل ولها تداعيات قد تظهر على سطح المجتمع قريباً إذا لم ندرك ما نحن فيه.

 
خطوات زيادة الأزمة

كراجات جديدة في منطقة نهر عيشة، تعد على شاكلة (السومرية)، ثم سرافيس ستنقل المواطن إلى المدينة، من أجل عيون وسعادة المواطن.
البرامكة (مرآب سيارات، مركز خدمي وسياحي)، ترى جوار البرامكة، جانب ملعب تشرين ماذا سيكون، هكذا ببساطة بات المواطن السعيد يحسب أموره، وهو يظن الخير كله في خطوات المحافظة على سعادته، فضلاً على أنه اختار مكتبها التنفيذي بمحض إرادته.
ليس المواطن السوري (الراكب الطائر) ضد الاستثمارات التي سوف تنعش المدينة، وتكسبها رونقاً أكثر. لكن، لماذا تكون هذه الاستثمارات عامل قلق له، لماذا يختار المستثمرون أماكن راحته ليرتاحوا ويطارد هو الريح؟؟
سنلتقي حكماً مع مشروع جديد قادم لسعادتك أيها السوري، واستثمار جديد للمدينة التي صارت عاصمة للثقافة العربية، وعاصمة لسفر الركوب بالمقلوب.