الجامعات الخاصة بعد الامتحان.. ما زال الهدف بعيدا
رغم التجربة حديثة العهد للجامعات الخاصة في سورية حيث لم تخطُ بعد سوى خطواتها الأولى، إلا أن كثيرا من الأسئلة باتت ملحة لأكثر من سبب. على أي أساس تم بلورة مشروع التعليم العالي الخاص في سورية؟ وهل أضاف هذا المشروع شيئا جديدا عمليا وعلميا لواقع التعليم العالي بشكل عام؟ وإذا كان التعليم العالي في سورية يعاني ما يعانيه فهل ستكون الجامعات الخاصة واحدا من الحلول لتلك المعاناة، أم أن المشاكل القائمة الآن ستتضاعف وتتأزم أكثر فأكثر مستقبلا مع وجود الجامعات الخاصة؟
وإن تجاوزنا مسألة التجهيزات ودون الحديث عن المناهج المتبعة في هذه الجامعات ترى أي بصمة مختلفة تركتها أو ستتركها هذه الجامعات التي لا تبدو سوى استنساخا للاختصاصات الموجودة في الجامعات الحكومية؟
لا شك أن قضية التعليم الخاص باتت حاجة وضرورة لأي دولة ولأسباب مختلفة، فبالدرجة الأولى لا يمكن للجامعات الحكومية استيعاب الطلاب في ضوء التزايد المستمر، ولا بد من بديل يخفف الضغط عنها، ومن جهة أخرى فالجامعات الخاصة هي بشكل أو بآخر استثمار اقتصادي لا يمكن إنكار أهميته، وربما يتيح هامش حرية أوسع للكادر التدريسي والطلاب على السواء أكبر مما هو متاح في الجامعات التابعة للدولة.. ولكن إن كان أي مستثمر يريد طرح سلعة في سوق ما، ألا يقوم بدراسة لتلك السوق ليعرف مدى المقدرة الشرائية لسلعته، وبناء عليه يقرر إن كان سيطرحها أم لا؟ في هذه الحالة أصبح التعليم هو السلعة، ويبقى السؤال ألم يخطر ببال القائمين على التعليم العالي الخاص من جهة والمستثمرين في هذا المجال من جهة أخرى: أي شريحة من المجتمع السوري تلك التي يمكن أن تقبل على شراء هذه السلعة؟ وعليه هل هو مشروع خاسر؟ لا يمكن أن يستثمر أيا كان أمواله في مشروع خاسر، ومن هنا نعود ونتساءل على أي أساس تم بلورة وتأسيس مشروع التعليم الخاص في سورية؟ ليس تشاؤما ولا تحاملا ولكن انطلاقا من معطيات موضوعية تفرض نفسها لتوصيف الواقع.
عندما سألنا السيد (أحمد) وهو طالب أدب إنكليزي سنة ثانية عن رأيه في الموضوع رد قائلا: «بصراحة لم أفكر كثيرا في موضوع الجامعات الخاصة فحتى لو خطرت لي الفكرة للحظة افتراضية أن أسجل في جامعة خاصة، لا أستطيع، فهذه قضية ليست في متناول أحلامي، وبالتالي لا تهمني.. فأنا وشريحة ليست بالقليلة من الطلاب في الجامعة مصاريف دراستنا «الرمزية» كما يقال في كثير من الأحيان تشكل ضغطاً و عبئاً, الكتب التي نحتاجها قد لا نستطيع شراءها جميعا، فنتوزعها فيما بيننا لنخفف من ضغط المصاريف، فكيف تريد أن نفكر في الجامعات الخاصة؟ بالتأكيد هي ليست لنا، ولا يمكن أن تكون جزءاً من حل لأي من مشاكلنا الدراسية. قد تعني شريحة أخرى، وهي أنشئت في الأصل لها. هل أثرت علينا؟.. ربما، ولكن ليس بشكل إيجابي، وإنما بالتأكيد بشكل سلبي, وهناك سؤال يطرح نفسه إن كان الطلاب يعانون الأمرين بعد التخرج حتى يجدوا فرصة عمل، فكيف سيكون الحال بعد الزيادة الهائلة في عددهم مع افتتاح التعليم الخاص؟ وبالتالي هل الأفضلية ستكون لطلاب الجامعات الخاصة باعتبار أنهم دفعوا ثمن تعليمهم، ونحن نصبح خارج الدائرة؟ ربما هي دائما أسئلة معلقة».
إلا أن (بلال زغموت) طالب في الجامعة الأوروبية يبدو أن له رأيا مخالفا حيث قال:
ما يعنيني في الموضوع أن الجامعات الخاصة مكنتني من متابعة دراستي فحسب مجموعي في «بعد الثانوية العامة لم أستطع التسجيل في أي كلية, والجامعة الأوروبية وفرت لي الفرصة، هذه هي المسألة ببساطة ولا تحتاج إلى تعقيد، أما إن كان لها آثار سلبية أو إيجابية على الجامعات الحكومية، فأنا لا أدري؟ ولا يعنيني ذلك كما قلت، الأهم بالنسبة لي أنني الآن في الجامعة وبالنسبة للإيجابيات والسلبيات ليست مشكلتي».
وعن التجهيزات والمناهج تحدث قائلاً: «المناهج جيدة تتقارب مع المناهج الحكومية، لكن بشيء من التجديد والاختلاف، أما التجهيزات فهي بالتأكيد أفضل بكثير مما هو عليه الحال في جامعات الدولة. بكل الأحوال أنا أجد أن الجامعات الخاصة تتفوق على نظيرتها الحكومية في كل شيء، على الأقل لا تشعر بأنك تحت رحمة المدرس، وأن مصيرك مرتبط بمزاجه و تقييمه لك».
أما (أمجد) فرد على أسئلتنا بالقول: «لا أستطيع رؤية أي آثار إيجابية للجامعات الخاصة سواء بالنسبة لواقع التعليم العالي برمته أو على مستوى المستقبل الذي ينتظر الطلاب، و باعتقادي أن أزمة البطالة التي نعاني منها كجامعيين ستغدو أسوأ مما هي عليه بكثير وتستنزف المجتمع السوري بطريقة أكثر قتامة.
يمكن أن يكون المستفيد الحقيقي هو من قام وشارك في بلورة المسألة المعنية بالتعليم العالي الخاص، ومن هنا يبدو السؤال عن العلاقة التي تربط بين ارتفاع المعدلات ومشروع الجامعات الخاصة أكثر من منطقي، وبالتالي ربما تكون هذه الجامعات بمثابة «مجزرة» لأحلام الآلاف من الشباب، إلا أن الأهم في الأمر هو أننا دائما نتناول القضايا متأخرين، ونبدأ بتوصيفها وتصنيف إيجابياتها وسلبياتها بعد أن تكون واقعا مفروضا، وبذلك فإن إمكانية تغيير هذا الواقع تتضاءل، ولكن لا مانع من سؤال المعنيين ما الذي أضافته الجامعات الخاصة؟
كل ما هو متاح فيها من اختصاصات موجود في الجامعات الحكومية و تعاني من تضخم رهيب وكساد في سوق العمل السوري، والسؤال الأهم: ما هو المطلوب للخروج من كل هذا الواقع البائس الذي نعيشه اليوم»؟
بينما اختصرت (رغد) وهي طالبة في إحدى الجامعات الخاصة إجابتها بالقول: «بالتأكيد سلبيات الجامعات على واقع التعليم العالي بشكل عام تفوق الإيجابيات بمراحل لكن في النهاية استطعت أن أستكمل دراستي من خلال هذه الجامعات، وعلى الرغم من الذهنية في مجتمعاتنا بأن طلاب التعليم الخاص هم في النهاية حملة شهادات مدفوعة الثمن، فإن هذه المقولة لا تنطبق علي، حيث أمتلك الكثير من الأسباب التي دفعتني لمتابعة تحصيلي العلمي، ولست في صدد الخوض فيها الآن, هذا عن نفسي, أما بشكل عام، نعم هناك شريحة واسعة من طلبة الجامعات الخاصة، الشهادة الدراسية بالنسبة إليهم ليست أكثر من «بريستيج» اجتماعي، وهم يدفعون ثمنها، وبالتالي ليسوا مضطرين للتعب والدراسة».
أعتقد أن مشروع التعليم الخاص كان بحاجة إلى دراسة أعمق تأخذ بعين الاعتبار المشاكل والصعوبات التي يعاني منها التعليم العالي عامة، وكيف يمكن الخروج منها، وكيف يمكن للتعليم الخاص أن يكون جزءا من الحل لا أن يشكل مشكلة إضافية.
هذا ما أكده باحث مهتم بقضايا التعليم العالي طلب عدم ذكر اسمه: «لا أحد يستطيع أن ينكر عجز الدولة في ظل المعطيات الراهنة عن استيعاب الأعداد الهائلة من الوافدين إلى الجامعة، وبالتالي فإن التعليم الخاص كان نتيجة حتمية لكن نموذج التعليم الخاص السوري هل جاء في إطار خطة مدروسة تساهم من ناحية في استيعاب أعداد كبيرة من الطلاب, ومن ناحية أخرى هل ساعد في تطوير التعليم العالي واستنهاضه؟ لا أعتقد ذلك لاعتبارات مختلفة, فالمناهج والنظم الإمتحانية المعتمدة في الجامعات الخاصة لا تختلف عن تلك المعمول بها في الجامعات الحكومية والكادر التدريسي الرسمي هو في الغالب من يحاضر في هذه الجامعات وهذا ينعكس على سوية الأداء العلمي, أما وزارة التعليم العالي فلا يتعدى دورها التوقيع والمصادقة على شهادات الخريجين, إضافة إلى رسوم التسجيل الباهظة والتي لا يستطيع إلا فئة قليلة من المجتمع السوري دفعها مما يكرس حالة اللاعدالة, هذا دون الحديث عن المزاجية والفساد الذي أصبح يقرر مصير الطلاب في الجامعات الحكومية كما يشاع في كواليس الجامعة, بالإضافة إلى الإشكالات التي رافقت التعليم المفتوح كل ذلك يشير إلى غياب رؤية متكاملة، وإستراتيجية تسعف في تحقيق قفزة في مجال التعليم العالي بما يلامس طموحات التحديث، فإلى متى يستمر هذا التخبط والارتجال»؟.
آراء اختلفت ومواقف تباعدت بين من يرى في نموذج التعليم الخاص فرصة ذهبية خلصته من قيود المفاضلة ومعدلات القبول، وبين من يرى فيها استثمارا اقتصاديا لا أكثر ولا أقل، إلا أن الذي لا يمكنه أن نغفله ونتجاوزه هو أن الجامعات الخاصة هي ضرورة لم يعد بالإمكان الاستغناء عنها. لكن يبقى الكثير من الأمور التي لابد من أخذها بعين الاعتبار منها على سبيل المثال للحصر دخل المواطن السوري الذي لا يمكنه على الإطلاق في ظل الواقع الاقتصادي الذي يعيشه أن تكون الجامعات الخاصة جزءا من خياراته، وعليه نعتقد أنه لا بد من تحسين الاقتصادية للشريحة الأوسع من المجتمع السوري ليكون التعليم الخاص خيارا لا احتكارا.
ولتوخي الموضوعية كان من المفترض أن نستمع لآراء وزارة التعليم والقائمين على موضوع الجامعات الخاصة إلا العطلة الصيفية وضغط العمل الذي ولده التسجيل في هذه الأوقات حال دون ذلك على أن نستدركه في موضوع قادم.