رفع الدعم في البوكمال.. رغيف الخبز بـ /7.5/ ليرة!
كما هي الحال في سائر أرجاء القطر.. كان لارتفاع سعر المازوت انعكاساته الخطيرة جداً على المواطن في المنطقة الشرقية عموماً، وفي البوكمال على وجه التحديد..
فمن المعروف أن مدينة البوكمال تعتبر من المدن الزراعية، وجل أبنائها يعتمدون على الزراعة وتربية الأغنام، كذلك فهي تعد من المدن المصدرة للثروة الحيوانية إلى داخل القطر وخارجه، فما هي الأضرار التي لحقت بالثروة الحيوانية، وبالزراعة، وبسائر مناحي الحياة من جراء رفع أسعار المازوت ؟؟ توجهنا بهذا السؤال إلى عدد من الأشخاص ومن شرائح مختلفة، فكانت الشهادات التالية:
أحد مربي الأغنام يقول: لقد تلقيت نبأ ارتفاع المازوت وكأنني أتلقى صفعة قوية.. قلنا له: لكن أغنامك لا تعمل على المازوت. ضحك ضحكة يشوبها الحزن وقال: بلى، إنها تعمل على المازوت، أنا مربي أغنام، وأملك جراراً زراعياً، وسيارة شاحنة متوسطة استخدمها في نقل الأعلاف وفي رحيلي بحثاً عن الكلأ والماء، وكان مصروف هاتين الآليتين قليلاً، أما الآن، وطبقاً للأسعار الجديدة، فالتنقل من مكان إقامتي في البادية إلى البوكمال يتم فيه استهلاك ما قيمته /2400/ ليرة ذهاباً وإياباً، بعد أن كانت كلفته يسيرة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فلقد أصبح سعر كيلو التبن ما بين /15- 17/ ليرة بعد أن كان بـ/9/ ليرات، وكيلو الشعير قفز إلى /19/ ليرة، وكل ذلك بسبب المازوت، ناهيك عن اللقاحات والأدوية البيطرية والموت الكثير الذي اجتاح القطعان بسبب الجفاف والعجاج (عواصف رملية)، فأصبحنا نبيع قسماً كبيراً من أغنامنا بأبخس الأثمان لنؤمن قيمة العلف للقسم الباقي، لذلك سنترك هذه المهنة لأجل عيون الحكومة (وإنشا الله ماحدا يأكل لحم ولا يشرب حليب)... الفلاح أبو خليف قال: عيب والله عيب! كيس السماد وصل إلى /900/ ليرة عند التجار، الجمعيات الفلاحية تستلم السماد وتبيعه لهؤلاء التجار.. اليوم أحد التجار رفض أن يبيع السماد إلا بـ /900/ ليرة للكيس، وحجته ارتفاع أسعار المازوت، كل شيء أصبح غالي الثمن.. أنا كنت أدفع أجرة السيارة من القرية إلى البوكمال عشر ليرات، أما اليوم فقد دفعت خمساً وعشرين ليرة، ومهما رفعنا أسعار خضرواتنا فلن نستطيع سد العجز.. سنترك الأراضي ولن نزرع مجدداً!! هكذا تريد الحكومة، أليس يقال إن حكومتنا حكومة العمال والفلاحين؟ والله العظيم لا يريدون لا عمال ولا فلاحين!! وعندنا مثل يقول: «بوس اللحى ضحك على الرجال»..
موظف في إحدى دوائر المدينة قال: أنا أتساءل كيف يستطيع رب أسرة مكونة من ستة أفراد أن يعيش هو وعائلته بكرامة؟؟ قاطعناه قائلين: لكن الزيادة الأخيرة قد ساعدتكم أنتم معشر الموظفين، أم أنك لا تحسبها؟ أجاب بامتعاض: ياريتهم لم يزيدوا لنا شيئاً، لقد أعطونا باليد اليمنى، وأخذوا أضعافاً مضاعفة باليد اليسرى، حتى زجاجة المياه الغازية ارتفعت من /5 ليرات/ إلى /10 ليرات/ رغيف الخبز في المدينة بـ /7.5/ ليرة.. وأنت تعرف أن غالبية أهالي البوكمال يفضلون خبز التنور، وكلنا كنا ننتجه في بيوتنا، ولكن أصبحت أسطوانة الغاز (واصلة إلى المنزل) بـ /285/ ليرة، والدقيق أصبح سلعة محرمة فماذا نفعل؟ حتى علبة سجائر الحمراء الطويلة المصنعة وطنياً باتت بـ 35 ليرة، وأجرة الراكب من البوكمال إلى دمشق /435/ ليرة.. أنا عندي ثلاثة أولاد، أحدهم يؤدي الخدمة الإلزامية والاثنان الآخران طالبا جامعة في دمشق، وقد أصبحت أجرة قدومهم وعودتهم /2600/ ليرة.. حتى الزيادة الأخيرة لا تغطي هذا الفرق، فأي زيادة التي تحسدني وزملائي عليها؟؟
هذا غيض من فيض آلام الناس واستيائهم، ومن خلال عينات اجتماعية من شرائح مختلفة، وهي حتماً ليس حالة خاصة بمدينة البوكمال كما أسلفنا، لكنها حالة عامة تشمل مجمل ساحة الوطن، وخاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود والعمال والفلاحين، هذه الطبقة التي تشكل الأكثرية الساحقة في المجتمع السوري أمام شريحة الحيتان والمتنفذين ومن يقف وراءهم.. إننا إذا ما استمرت الأمور بالتصاعد على هذه الوتيرة فسنخسر البشر والزرع والضرع، وتجارب الآخرين، ومنهم جيراننا، ما تزال أمامنا ماثلة، فهل ننقذ ما يمكن إنقاذه لنحافظ على ما تبقى من كرامة الوطن والمواطن؟!