رفاق في الذاكرة.. «زوراب» الأرمني
زوراب شاب أرمني يشتغل في معمل سكب حديد في القامشلي، انتسب إلى الحزب الشيوعي مطلع الخمسينات، وناضل في صفوفه بإنكار ذات حتى وصل إلى عضوية لجنة محلية القامشلي، التي تشرف على جميع فرعيات المدينة.
في عهد الوحدة لوحق ودخل ميدان العمل السري، وكان يختفي في حي ماندك ذو الأغلبية الأرمنية. وفي الحي نفسه كان يوجد حارس ليلي حاقد ووقح يدعى يوسف، يزعج سكان الحي بتقصيه أخبار زوراب، وأسئلته حتى للأطفال.
ذات ليلة كمن له زوراب خلف حائط، وما إن ظهر حتى فاجأه بلكمات طرحته أرضاً، وأعمل عصاه في أنحاء جسمه، وتركه يئن من الألم، وفر هارباً.
اعتقل زوراب في عهد الوحدة، وأمضى أكثر من سنة في أقبية تحقيق سجن المزة، وصمد وخرج بانفراط عقد الوحدة، وعاد إلى نشاطه السري بعد 8 آذار 1963، واستمر في القيام بمهامه الحزبية.
وكانت توجد في الحي نفسه الرفيقة ماري، أرمنية وسكرتيرة فرعية النساء، اشتهرت هي والرفيقة نظيرة أصلان، بجرأتهما ونضالهما في نقل المطبوعات والرسائل إلى سائر منظمات الحزب، وفي زيارتهما بيوت الحي المستمرة للحديث على الوضع السياسي في سائر عهود النضال السري. ورغم أن ماري كانت أكبر سناً من زوراب، لكنه أحبها لارتباطها القوي بالحزب، وتزوجا
في أواسط الستينات، عندما سمحت أرمينيا بعودة المهجرين الأرمن إلى بلدهم الأم، سافر زوراب مع المهاجرين، بلهفة العطشان للماء الزلال، للعيش في عدالة النظام الاشتراكي التي كرسا حياتهما من أجل تطبيقها في سورية الحبيبة. لقد قدرا عالياً مكتسبات الشعب الأرمني، من تأمين عمل وسكن ودراسة ورعاية صحية ، ولكنهما اصطدما برفض قبولهما أعضاء في الحزب الشيوعي في أرمينيا، وبتحول الحزب الشيوعي المفروض فيه أن يكون خادماً للشعب، إلى طبقة فوقية مرفهة ذات امتيازات يفتقد إليها المواطنون، وأن الانتساب للحزب الشيوعي في أرمينيا، يحتاج إلى رشوة 25 ألف روبل، أي أكثر من 35 ألف دولار آنئذ. وهذه الواقعة أكدها لي العشرات من الرفاق الأرمن، ولست أدري أن كانت متفشية في جمهوريات سوفيتية أخرى.
وما ألم زوراب وماري كثيراً، هو أن يافعاً ابن عائلة أرمنية صديقة للحزب، انتسب إلى الحزب الشيوعي الأرمني وأصبح ذا مركز وجاه وسيادة بعد سنتين من هجرته إلى أرمينيا. لذلك قالا عند زيارتهما لسورية في سبعينات القرن الماضي، يوجد خطأ في قيادة الحزب الشيوعي الأرمني، يجب إصلاحه. وما يطبق في أرمينيا، لا يمت بصلة إلى المبادئ التي ناضلنا وضحينا من أجلها.