ما بين التأهيل والتنمية
أجمعت كل الشرائع والقوانين السماوية والأرضية على أن العمل هو شرف، واعتبرته حقاً وواجباً، فالمشاركة الفعلية في أي نتاج مادي هي إحدى أهم الصفات القيمية للشخصية، لأن العمل هو الحامل الأساسي لبناء المجتمعات المتطورة، وتأصيل المنظومة الأخلاقية، بالإضافة إلى العوامل النفسية التي تساهم كثيراً في تنظيم علاقات الإنتاج في التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية المختلفة، وبالتالي كان للجانب المعرفي والمهاري لدى الفرد الأهمية الكبرى خلال سيرورة الإنسان التاريخية، وفي العصور الحديثة على وجه الخصوص.
في السنوات الثلاثة الأخيرة تترد عبارات مثل: تنمية الموارد البشرية، تطوير الملاكات المهارية، بناء الشخصية الريادية، كخيار استراتيجي للمساهمة في إيجاد فرص عمل حقيقية في مجالات متعددة الجوانب. ويروج إعلامنا بكافة أشكاله لها، بالإضافة إلى الندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي تركز على أهمية التدريب والتأهيل في هذا الاتجاه على الصعيد الشخصي أو المؤسساتي والتي هي في صميمها صيغ أوربية عملت عليها الدول المتقدمة صناعياً من عشرات السنين ضمن ظروف موضوعية خاصة بها.
بغض النظر عن موقفنا من العملية وأسلوب طرحها، فإن امتلاك هذه المهارات والجملة المعرفية التي سيكتسبها الفرد من خلال التدريب والتأهيل، شرط ضروري، ولكنه غير كافٍ لإيجاد الفرصة المبتغاة، فهي بحاجة لواقع ملائم للتشغيل، أو بمعنى آخر، إن إيجاد فرص عمل حقيقية تحتاج إلى عاملين أساسيين، أولهما العامل الذاتي الذي يكمن في الجانب المهاري والمعرفي من شخصية الفرد، وثانيهما العامل الموضوعي والذي يقع تأمين القسم الأكبر منه على عاتق الدولة والمؤسسات المختلفة لتوفير مناخات ملائمة، إيجاد مشاريع كبيرة، توفير الإمكانيات المدية، وصيغ التفاضل الصحيحة للتنافس عليها بهدف استثمار هذه الطاقات، وتشغيلها في العملية الإنتاجية.
لتحقيق هذه المعادلة (عمل = مهارة معرفة + واقع ملائم)، يجب أن تتكامل جميع أطرافها بربط الاحتياجات الفردية بالجماعية، وخصوصاً أننا نملك رأسمال بشري هائل، وثروات باطنية وحيوانية كبيرة، ومصادر طاقة بديلة مستقبلية متعددة (شمسية، مائية، هوائية...الخ).