المشفى الوطني برأس العين أبقراط مازال حياً

قامت «قاسيون» بجولة في أركان المشفى الوطني في مدينة رأس العين، للوقوف على واقعه، وكشف الستار عما يجري داخل هذا البناء الجميل. فقد رويت أكثر من حكاية عن إدارته وكادره الطبي والإداري، فأردنا أن نرى الواقع كما هو، سلبا أو إيجابا، سيما وأنه مشفى دخل ميدان العمل حديثا بعد طول انتظار.

يقول المثل الشعبي (المكتوب مبين من عنوانه). ونحن ندخل بوابة المشفى، شاهدنا حديقة متميزة بكل معنى الكلمة، تركت في النفس أكثر من انطباع، وتبادر إلى الذهن أنه مازال هناك من يحب الجمال والطبيعة في ظل هذا القحط الروحي والطبيعي من حولنا.

الخطوة التالية كانت في البهو، حيث النظافة سيدة الموقف هنا، على عكس ما نراه في مشافي أخرى، خاصة وعامة، ودخلنا بثقة، مكتب مدير المشفى د. محمد خلف.

الحديقة ونظافة المشفى، مؤشر أولي بأننا في ضيافة طبيب لم ينس قسم أبقراط، ويهمه الصالح العام وشرف المهنة، بعد شيوع ثقافة الاستهلاك.

قدمنا أنفسنا، وأكدنا أننا بصدد إجراء تحقيق أولي عن المشفى..

بابتسامة ترافقها دهشة، يقول: ما قصة الصحافة مع هذا المشفى؟ أهلا بالصحافة على كل حال.

نسأله في محاولة لجس النبض، عن رسالة المشفى وهدفه، يرد الدكتور قائلا: مشفى رأس العين وحدة صحية، مهمتها تحقيق مستوى عال من الخدمات الطبية الكاملة العلاجية والوقائية، لأهل المنطقة، والارتقاء بالمستوى التعليمي والبحث العلمي ليؤمن التدريب للأطباء، ضمن المعايير العلمية للجودة، وتقديم التدريب المستمر للكادر الطبي بكل فئاته، وتعزيز وتنشيط حب العمل عند الكادر وتوفير أفضل السبل للتواصل مع المجتمع.

نريد أرقاما ووقائع. إذا تكرمت!

يقدم لنا جدولاً بما قام به الكادر الطبي والفني في المشفى وهو واحد منهم.

نعرض منه ما قاموا به خلال شهر أيلول: الإسعاف 4661 حالة، القبول 428، العمليات 70، الولادات 22 ، المخبر 3119، الأشعة 723، طبقي محوري 76، معالجة فيزيائية81.

طبعا هذا في ظل نقص كبير في عدد الكادرات الطبية والفنية، وحاجة المشفى إلى أطباء، إذ لا يتجاوز عدد الأطباء المقيمين 5 أطباء. ومشكلة نقص الكادرات، كما أكد لنا كل من التقينا بهم، هي تحدٍ كبير، أمام المشفى للقيام بدوره.

توضح لنا في لقاء بعيد عن عيون الإدارة مع أحد العمال، اشتكى من قسوة المدير وصرامته في التعامل. ومعظم الإجابات، بما فيها إجابة المدير، أقرت بالتعامل الصارم، ولكن لم يؤكد لنا أحد بمزاجية ما، في التعامل أو معاملة استثنائية. والصرامة هي، برأي المدير تطبيق للقانون، وضرورة الالتزام بالواجب الوظيفي والمهني تجاه مؤسسة هي ملك لأبناء المنطقة، وتخص صحة المواطن وحياته، واجب وطني وأخلاقي.

يوضح المدير قائلا: (ليست لي مشكلة مع العمال، ولكن المشكلة أن البعض تشربوا بالروح الاتكالية والانتهازية، والتهرب من المسؤولية، ويعترف قائلا: أنا قاس جدا مع المقصرين!

والجدير بالذكر أن أنبه إلى الجهود المتميزة التي يبذلها معظم الأطباء والإداريين، وبالأخص، رئيسة التمريض، في تسيير العمل كأسرة طبية ومهنية واحدة.

أُخبرنا قبل زيارة المشفى، بسرقة جهاز إيكو من عداد الأجهزة الطبية، كل من سألناهم، من المدير الإداري، ومدير المشفى والعمال، أكدوا إن الهدف من السرقة ليس مادياً محضاُ بل يراد منه شيء آخر، لعله الإساءة إلى الإدارة، مع العلم أن السرقة تمت في يوم وقوع حادثة سير مع مدير المشفى، مما أدى إلى غيابه عن العمل وأكد لنا المدير الإداري إن جميع الإجراءات القانونية اتخذت، وبُلغت مديرية الصحة بالأمر، وكذلك الأجهزة المختصة، ومازالت المتابعة جارية.

سرقة من نوع آخر، تسمى سرقة المرضى، وتعني استغلال بعض الأطباء وجودهم في المشفى، لتحويل المرضى إلى عياداتهم الخاصة، أو المشافي الخاصة التي يعملون فيها بالنسبة. على هذا يجيب الدكتور محمد موضحاً: لا يخلو الأمر، يقوم بعض ضعاف النفوس بالتعاون مع سماسرة لهم من داخل المشفى، أو خارجه، وعند ضبط أية مخالفة تحال إلى الرقابة، وهناك حالات ملموسة ضبطت وأحيل الفاعل إلى خارج المشفى، وإذا كان هناك من يعنيني بهذه التهمة فالأرقام تقول: أجريت في المشفى ما يقارب 500 عملية خلال 6 أشهر، وحصتي منها 83 عملية، وكلهم محالون من عيادتي الخاصة، مع العلم أن عدد الأطباء من الجراحات الاختصاصية 13 طبيباً فقط.

ما سبق ذكره من جهود استثنائية تقوم بها إدارة المشفى والكادر الطبي، وجميع المخلصين على حسن سير العمل، في هذا القطاع الحيوي، لا ينفي وجود إرباكات ونواقص في العمل، تتجلى بعدة قضايا:

1 - الجميع أكد على ضرورة استقدام أطباء مقيمين، وفنيين وممرضين وممرضات، مع العلم أن الإدارة، ورئاسة قسم التمريض، تقومان بجهود استثنائية في توفير الخدمات الطبية والعلاجية، مثلاً، لا يوجد على ملاك المشفى سوى 6-7 قابلات، والعمل في قسم النسائية والتوليد كبير، وعلى حساب راحة الكادر التمريضي.

2 - المشفى يفتقد إلى طبيب أشعة وطبيب جراحة عصبية، فكل الحالات الإسعافية تستقبلها المشفى وتقدم لها الخدمات اللازمة، بالاستعانة بأطباء من خارج المشفى دون مقابل. أما الحالات الباردة، فهناك لجنة تقوم بفحص المرضى والموافقة على التصوير.

3 - لا يوجد في المشفى مخفر شرطة، وهذا يخلق إرباكا في التعامل مع بعض المراجعين ذوي الأخلاقيات الشاذة، وأثناء وقوع حوادث تتطلب حضوراً فورياً للجهات صاحبة العلاقة.

4- عدم تعاون المجلس البلدي مع متعهد النظافة، مما يؤدي إلى تراكم الفضلات في بعض الأحيان.

5 - جناح النسائية مختلط مع جناح الرجال، بسبب عدم توفر الكادر.

مطالب عمالية
في لقائنا مع أعضاء اللجنة النقابية أكدوا على ضرورة حل قضية تدعو للضحك والبكاء معاً، وهي أنهم عمال في المشفى، ومحرومون من الطبابة المجانية إلا كمراجعين غرباء، ولا تصرف الوصفات لهم ولعائلاتهم، وهذا ما يضعف من مصداقية التنظيم النقابي لديهم.
بقي أن نقول: إن هذا المشفى الذي يقدم خدمات جليلة للفقراء والكادحين وعموم أبناء المنطقة، في ظل الغلاء الفاحش في المشافي الخاصة، يجب الحفاظ عليه، بل لابد من تقديم كافة الاحتياجات الضرورية له، وبالأخص الكادر الطبي والفني اللازم، لا وضع العصي في العجلات، كما يحاول بعض ضعاف النفوس، ونشير هنا إلى التعاون الإيجابي من مديرية صحة الحسكة، مع مشفى رأس العين، آملين الاهتمام بما يحتاجه المشفى...