وزارة معوَّقة.. ومعوَّقون متمسِّكون بالأمل..

كثيرة هي القضايا والمواضيع التي تضع الحكومة بأسرها، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تحديداً، بمناهج عملها وخططها ودورها الاجتماعي، في موقع الاتهام، حيث تتراكم الشكاوى على هذه الوزارة التي تمضي قدماً وبالتدريج باتجاه التنصل من مسؤولياتها تجاه المواطنين على اختلاف واقعهم الاجتماعي والصحي.. وعلى اختلاف احتياجاتهم، بعد أن قطعت شوطاً واسعاً في اعتناقها لليبرالية الجديدة..

وكمثال على تراجع وزارة العمل عن دورها المنوط بها، نسوق نموذجاً من الواقع، ما هو إلا حالة من عدد كبير من الحالات المشابهة..

المواطن مهند أبو حلاوي الحاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة دمشق 2006، هو شاب معاق حركياً، ورغم مرور عامين على تخرجه، إلا أنه ما يزال حتى الآن يطرق الأبواب من أجل الظفر بفرصة عمل، دون أية جدوى..

المهندس مهند، مثله مثل جميع أقرانه ونظرائه، أول ما قام به بعد تخرجه هو اللجوء إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بهدف الحصول على وظيفة تؤمّن له الحد الأدنى من الكرامة والكفاف، ولكنه لم يستفد شيئاً سوى ملء جعبته بالوعود، فلجأ إلى رئاسة مجلس الوزراء بكتاب يبين فيه أنه معاق حركياً، وأن إعاقته لا تمنعه من ممارسة أي عمل إداري، ورجا رئيس الحكومة الموافقة على تعينه في أية مؤسسة من مؤسسات الدولة، فأعادوه، وأحالوا طلبه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للنظر بالموضوع!!

القرار رقم /904/ الصادر عن الوزارة نفسها، يحدد في المادة الأولى منه الأعمال التي يمكن للمعوقين حركياً المؤهلين علمياً أو عملياً والحاملين لبطاقة معوق ممارستها، وهي تنحصر في «الأعمال الإدارية، مثل: أعمال الكمبيوتر، الأعمال التعليمية الدراسية، الصناعية التي لا تتطلب كثيراً من الحركة»، ولكن المعوق لا يستطيع الحصول على عمل إلا بتوفر شاغر، وبالتالي عليه الانتظار، وفي حالة مهند، فقد ظل يترصد توفر هذا الشاغر، وهكذا تقدم بطلب إلى وزارة النقل بعد أن سمع من «أهل الخير» بوجود شواغر هناك إلا أن صدمته كانت كبيرة عندما ذكر مدير الشؤون الإدارية في الوزارة أن الشواغر ليست في دمشق بل في حلب، وقال له: «اذهب إلى هناك كي تعمل»..

وكان من جملة ما سمعه مهند من أحد المسؤولين: «الوضع لا يسمح بتشغيل أعداد كبيرة من المعوقين، لذا ما عليك إلا تأمين موافقة خطية من رئيس مجلس الوزراء شخصياً»!

يقول مهند «المشكلة إن المعوقين لا يدخلون المسابقات، بل ينتظرون التعيين بوجود شاغر، ورغم أن قانون /34/ قد أعطاهم ميزات كثيرة ليخرجهم من باب الحسنة والشفقة، إلا أن الواقع البيروقراطي القائم يصدمهم بتعقيداته، ويقتل فيهم كل الطموحات، فيضطرون للانضمام إلى جيش العاطلين عن العمل، وبالتالي يبقون عالة على أهليهم وأسرهم والمجتمع».

مهند هو مثال ليس إلا، وهناك الآلاف مثله.. والمسؤولون عن هذا التردي في الواقع الاجتماعي ما يزالون يتحفوننا بالخطب الجوفاء دون خجل، فيما هم في الواقع لا يقومون بأي عمل من شأنه رفع الحيف والمعاناة عن هذه الشريحة من المواطنين..