كيف أصبحت شيوعياً؟

كم في دروبكم من مشاعل عزة

ستظل تغري شمس شعبي بالطلوع

أجيالك الموصول مدّ جموعهم

خبروا النضال فألهبوا عزم الجموع

سكنوا قلوب قلوبنا وتصدروا

صدر الكفاح ومزقوا ليل الدموع

الضرع حزبهم المجيد لبانه

فسل الدعاة.. ولا جواب عن الضروع

كما في كل أرجاء الوطن، هناك في تلك البراري التي تمتد وتمتد، وكسنابل القمح الخيرة، انتشر الفكر الشيوعي في مدن وقرى الجزيرة السورية. في تلك الفلذة من خافق بلادنا الغالية نبتت البراعم الواعدة لتغدو سنديانا شامخاً، وانطلق الرواد الأوائل يشعلون شموعهم ليكتمل مشهد الولادة الجديدة في خريطة وطننا الجميل، وعلى أرض تنوء بالأزمات والحرمان والقهر، نثر الرفاق الأوائل الأمل أولئك الطيبون كالخبز، البسطاء كالماء، الواضحون كطلقة مسدس.. الصادقون الصادقون، سكنوا قلوب الناس على الرغم من كل السموم والإشاعات التي نشرها أعداء الحياة من الإقطاعيين، والافتراءات التي أطلقها حراس التخلف والأفكار الرجعية والعادات البالية، وعلى الرغم من سياط جلاوزة الأنظمة المتعاقبة.  

ضيفنا اليوم واحد من الرفاق القدامى. إنه الرفيق إبراهيم إسحاق..

رفيقنا المحترم أبا فرج نحييك، ونسألك أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعيا؟.

أنا من مواليد قرية (طرطب) عام 1923، نشأت في بيئة تعاني الفقر والحرمان والمظالم المتعددة، وفي تلك الظروف بنهاية الأربعينات تعرفت على الفكر الشيوعي عن طريق الرفاق أراكيل، وحكمت دولي، وفيما بعد آرام مادو. وما شدني إلى هذه الأفكار هو تلك القيم النبيلة التي نشرها الرفاق، وهي الصدق مع الناس، والتواضع، والدفاع عن المظلومين، وبناء العلاقات الإنسانية بعيدا عن الانتماءات الضيقة الدينية والقومية، وهو ما تجسد بالروح الأممية.

من المعروف أن اليد الأطول في ريفنا أواسط القرن الماضي كانت للإقطاع، ومع مطالبة الفلاحين بالأرض بعد انتشار الأفكار الشيوعية، ومطالبة الشيوعيين بتطبيق الإصلاح الزراعي، حدثت مواجهات أخذت أشكالا عديدة، وكنت واحدا من الرفاق الذين شاركوا في الصراع مع آل نظام الدين ، وبعد انتصار الفلاحين حاول الإقطاعيون رشوتي بـ250 دونما من الأرض ومبلغ عشرة آلاف ليرة سورية، وذلك كي أكف عن المطالبة بالأرض، فكان جوابي القاطع: إن مبادئي وأفكاري لا تباع، وهي أغلى من كل أموالكم، وبرغم تواطؤ الكثيرين من الأجهزة الرسمية معهم، استطعنا بتضامننا وشجاعتنا التي كنا نستمدها من قوة أفكارنا وثقتنا بالحزب، استطعنا انتزاع الأرض. وهنا لابد من أن أذكّر بالرفيق الطيب الذكر المحامي الشجاع ميشيل أوسو، ودوره البارز في الدفاع عنّا أمام المحاكم. وبعد أن عجز الإقطاعيون عن مواجهتنا، حاولوا إثارة النعرات الدينية، ودعوا إلى اجتماع في قرية (زندا) لتأليب الناس على كادرات المنظمة على خلفية تعدد الانتماءات الدينية ، فكلف الحزب اثنين من رفاقنا بحضور الاجتماع وفضح متاجرتهم بالدين واستخدامه غطاء للدفاع عن مصالحهم، وقد استطاع الرفيقان إفشال محاولاتهم. وكان لذلك أثره الكبير بين الفلاحين فتوطدت صلتهم بالمنظمة التي وجدوا فيها المدافع الصلب عن حقوقهم. لقد قدم الحزب نموذجا من التضامن الأممي والإنساني وبذلك رسّخ وعيا بين الجماهير الفقيرة بأن مصالحها واحدة في مواجهة الظلم والاضطهاد، وإن التمييز والفرقة لا يستفيد منها إلا المستغلون.

واليوم مازال في ذاكرتي أسماء العشرات من الرفاق والرفيقات ممن عملنا معا في ذلك المشوار الرائع الطويل في القامشلي وقرى طرطب وزندا وحلكو ودبانة وأبو دويل وغيرها. إنني أتوجه بالتحية إلى الرفاق سلي وتوماس وآغوب وملكي وعبد العزيز وزويا التي كانت تكتب لنا العرائض التي نقدمها إلى الجهات المسؤولة، إنني أحيي جميع من عملوا في منظمتنا وكل من وضع لبنة في بناء الحزب الشيوعي السوري، وأدعو الأجيال الحالية من الشيوعيين السوريين أن يستعيدوا وحدتهم، ويقوموا بدورهم بعد أن نال حزبنا ما يكفي من انقسامات وانشقاقات.

إن الشيوعية هي ملح الأرض، وهي الدواء الشافي في ظل تفشي العصبيات الدينية والقومية، وهي التي تحمي إنسانية الإنسان ، وإنني سأبقى شيوعيا أفتخر بانتمائي إلى هذه المدرسة الكفاحية رغم كل محاولات الانتهازيين لتشويه الكثير من القيم الشيوعية في عيون الجماهير البسيطة، وأملي كبير بالمخلصين من الشيوعيين أن يلموا صفوفهم ليعود حزبنا إلى لعب دوره الوطني والطبقي المطلوب منه. وأذكّر أخيرا بأن الشيوعية هي توأم الأممية، فالشيوعي إما أن يكون أممياً.. أو لا يكون شيوعياً!

■ محمد علي طه

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 12:40