ضاحية الأسد.. خدمات حسب المحسوبيات.. وإجراءات تحرض على السرقة!
أعاده الحنين إلى الوطن بعد أن أمضى معظم حياته مغترباً، فبعد سفره من أجل إكمال اختصاصه في طب العيون، كان مجبراً على اغتراب آخر يتيح له تجميع رصيد يؤمن به عيادة وسكن في بلده.
عاد جهاد حداد حاملاً أحلامه ببيت يأويه مع أسرته، وعيادة يمارس من خلالها عمله كطبيب عيون مختص. ورغم ذهوله من الارتفاع الذي وصلت إليه أسعار العقارات في سورية، إلاّ أنه وبعد البحث وجد مواصفات البيت الذي يبحث عنه في جمعية سكنية في ضاحية الأسد شيدتها (مؤسسة الإنشاءات العسكرية)، بسعر مناسب، وبمواصفات تناسبه لأن الجهة التي وضعت مواصفاتها وأشرفت عليها هي جمعية أطباء تشرين.
اشترى الطبيب جهاد شقته، واستلمها من الجمعية بشكل نظامي، أي بعد أن دفع أكثر من 80% من ثمنها (بحسب نظام الجمعية)، كساها، وأخذ كتابين ممهورين بختم الجمعية الأول موجه إلى مؤسسة المياه لتزويده بالماء، والآخر إلى شركة الكهرباء لتزويده بالكهرباء.
مفاجآت غير منتظرة!
اكتشف الطبيب العائد لوطنه أن جمعية أطباء تشرين قد أخلت مسؤوليتها في تأمين الماء والكهرباء للشقق، بمجرد تزويدها أصحاب الشقق بكتب موجهة إلى الجهات المسؤولة عن تأمين هاتين الخدمتين.
يقول السيد جهاد: راجعت الشركة في ريف دمشق، فأخذوا صورة عن كتاب الجمعية، وحولوني إلى قسم الدراسات الذي حولني إلى قسم التركيب المؤقت، فسألتُ الموظف عن معنى التركيب المؤقت، فأجابني: سنجري كشفاً على المنطقة، وإذا كانت المسافة مناسبة سنركب لك عداداً تجارياً، وسنثبته في الشارع العام، والسلك الذي سيصل من العداد إلى منزلك ستشتريه على حسابك، كما أنك ستدفع ثمن المواد وأجور توصيله!!
ثمن السلك 20 ألف ل.س، وثمن العداد 8000 ل.س، يضاف إليهما أجور التوصيل والتركيب، فوجدتُ نفسي سأدفع 35000 ل.س على أقل تقدير، ولما سألت الموظف عن إمكانية تركيب العداد في مدخل البناء كي لا يتعرض للسرقة، أجابني أن مسؤولية أي اعتداء على العداد أو السلك تقع على عاتق الموظف، لذلك لا مجال لتركيبه في مدخل البناء! وبعد محاولات عدة التقيت مدير عام شركة كهرباء ريف دمشق الذي استقبلني بود، وأحال قضيتي إلى رئيس قسم الدراسات مرة أخرى، وذاك قال لي حرفياً: (لا يوجد كهرباء، ولن نركب لكم عدادات)!! ولما سألته عن السبب أجابني: دع مسؤول الإنشاءات العسكرية يحضر لعندي، فاستغربت طلبه غير المنطقي وأفهمته أنني مواطن عادي ولا أملك صلاحية إحضار أحد، كما أن عدم تزويد الناس بالكهرباء يحرض المواطنين على سرقتها، وأفهمته أنني رجل لا تسمح له أخلاقه ولا وضعه الاجتماعي ولا سنه بأن يقال عنه إنه سارق كهرباء. وبعد عدة محاولات أخرى عن طريق الجمعية وعن طريق بعض الواسطات أوصلونا إلى نتيجة أن هناك إمكانية لتزويد كل الشقق المأهولة بعدادين أو ثلاثة عدادات تجارية، لكن هذا الوضع لايمكن أن يناسب أحداً، لأن وضع عدد من الشقق على عداد واحد سيجبرنا على دفع ثمن الكيلوواط من الكهرباء، بأكثر من 12 ضعف ثمنه الحقيقي بعد رفع تسعيرة الكهرباء على الشريحة الأعلى إلى 7ل.س للكيلو، طبعاً هذا عدا عن المشاكل التي قد تحصل بين المشتركين على العداد.
وتساءل السيد جهاد: ألسنا مواطنين من حقنا التزود بالكهرباء، علماً أننا عرضنا أن ندفع 20 ألف ليرة من كل صاحب شقة ثمن أسلاك وأعمدة من أجل إيصال كهرباء نظامية لشققنا فكان الجواب بالرفض.
3000 ل.س شهرياً ثمن مياه ملوثة!
شقق الجمعية فيها تمديدات مياه وتمديدات صرف صحي داخلية وهي واصلة إلى خارج البناية، ولكن إلى الآن لا توجد شبكة مياه ليتم وصل هذه التمديدات إليها، فقد تبين أثناء فترة الإكساء أن على صاحب الشقة أن يشتري خزان الماء بـ400ل.س ثم بـ 500 ل.س بعد السكن في الشقة لارتفاع السعر، وذلك كل 3 ـ 4 أيام على الأكثر، وهي مياه كلسية تنفع لاستعمالات النظافة فقط كونها ملوثة بكل أنواع الملوثات، وغير معروفة المصدر. أما مياه الشرب والطبخ فتشترى بالبيدونات من مساكن برزة، ليتكلف المواطن 2500 ـ 3000 ل.س شهرياً، وهو إيجار إضافي للشقة، عدا عن المشقة في تأمينها.
وقد قمنا بجولة بين البنايات التي سلمتها الجمعية لأصحابها، فوجدنا خزاناً أرضياً يستعمله أحد أصحاب الشقق، وكان تلوث المياه فيه ظاهراً تسبح فيه جميع أنواع الديدان.!
الهاتف.. قصة أخرى
بالنسبة للهاتف، فقد أكد سكان جمعية أطباء تشرين أن خط الهاتف لا يبعد عنهم أكثر من 30 متراً، ومع ذلك فهم محرومون من هذه الخدمة، والحجة هي أن الهاتف الذي على يسار الطريق يتبع للقابون، وهم لم تحدد تبعيتهم بعد، إضافة إلى أن القانون يمنع أن يقطع خط الهاتف الطريق العام.
لذلك فعلى الأطباء الذين يسكنون عن طريق جمعيتهم أن يستغنوا عن خدمة الهاتف الأرضي حالياً ويستعيضوا عنها بالموبايل!
الحدائق.. محاضر ومكبات قمامة!
بيّن أحد السكان أن الفسحة التي تطل شقته عليها كانت مخصصة كحديقة، لكنها تحولت إلى مكب للقمامة ولأنقاض البناء، وأكد أن أكوام القمامة تتجمع يومياً في هذه الفسحة دون أن يأتي أحد لترحيلها، مما يضطر السكان لحرقها بشكل يومي مما يسبب روائح كريهة.
السيد يوسف قراب، أكد أن الخطر الأكبر يأتي من مكب النفايات الموجود على سفح الجبل المواجه لشقتهم، وبين أن هذا المكب يعود تاريخه إلى ما قبل إنشاء الضاحية، ولكن بعد أن شيدت مباني الضاحية بقي في مكانه، ولم يتم نقله، ويتم حرقه يومياً مما يسبب روائح كريهة، وأكد أن ابنه لم يشف من مرض الربو الذي أصيب به منذ أن سكن في الضاحية بسبب تلك الروائح، إضافة إلى الغبار الذي ينتج عن معامل الرخام المقابلة لشققهم، وأكد أنهم لا يستطيعون فتح النوافذ إطلاقاً بسبب الغبار الشديد وبسبب حرق النفايات.
أما عن الحدائق وتحويلها إلى مكبات نفايات فقد بين السيد يوسف أن هناك أمراً أخطر من ذلك، فأخرج من حقيبته مخططاً للجمعية، وأشّر لنا إلى مكان حديقة عامة وشاهدنا موقعها على الأرض حيث كانت تبنى مكانها بناية إضافية بدل الحديقة!
ومن المشاكل الأخرى التي يعانون منها، أكد السيد يوسف أن جميع السكان الذي استلموا شققهم يعانون المعاناة نفسها التي ذكرها الدكتور جهاد، وأضاف: أما بالنسبة لي فأنا كنت أعلم قبل أن أستلم الشقة أنها من دون كهرباء ولاماء، ولكنني مضطر للسكن فيها بدل الغرفة التي كنت أقيم فيها أنا وزوجتي وأطفالي.
الضجيج.. ليلاً ونهاراً فقط..
أكد معظم من التقيناهم أن أصوات المعامل المقابلة لشققهم، وهي معامل قص رخام ضخمة وأعدادها كبيرة تضج في آذانهم بشكل دائم، وهي سبب آخر لعدم تمكنهم من فتح نوافذ غرفهم. أحد السكان أكد أن شقته لها (ميزة إضافية) وهي وجود معمل بلوك بالقرب منها يعمل حتى ساعات متأخرة من الليل، ولكنه بين أن هذه القضية ثانوية بالنسبة للمشاكل التي يعانونها في سكنهم.
بيت صفيح مخدم بكل أنواع الخدمات
على بعد بضعة أمتار من مدخل البناية التي يسكنها د.جهاد، هناك بيت من البلوك مسقوف بالصفيح بني على أرض من المفترض أن تكون متنفسا لتلك الأبنية، ولكن المفارقة أن هذا البيت يتمتع بمعظم الخدمات التي تنقص سكان الشقق، فصاحب البيت لديه كهرباء، ولديه خط هاتف أتى به من الجهة التي منعوا سكان الشقق أن يمدوا منها، ولا ندري إن كان قد مد شبكة مياه خاصة به؟؟!
هموم أخرى
أما المواطن خ. ي، الذي يسكن في ضاحية الأسد بالقرب من جمعية أطباء تشرين، فقد أكد أن الخدمات في ضاحية الأسد هي حسب المنطقة، ففيها مناطق مخدمة بشكل جيد، وهناك مناطق قلما تعرف الخدمات، وتحدث عن معظم المساحات المخصصة كحدائق كيف تحولت إلى مكبات للنفايات ولأنقاض البناء، كما تحدث عن بعض المناطق التي تفوق الخدمة فيها الخدمات في أرقى أحياء دمشق وأضاف: منطقتنا من المناطق المحرومة من الخدمة تقريباً، فبالنسبة لنا حتى الشارع الذي يصل بيوتنا بالشارع العام تم تزفيته على حسابنا الخاص، إذ تم جمع مبلغ من كل صاحب شقة، وقمنا بتزفيت الشارع الذي كان ترابياً.
كما تحدث السيد خ.ي عن أخطاء في تصميم الصرف الصحي، إذ تم وضع غرف التفتيش لخط الصرف الصحي العام في بعض وجائب الأبنية، مما يجعل تلك الوجائب بشكل مستمر مع أول يوم ماطر عرضة لفيضان مياه الصرف الصحي عليها ودخولها إلى المنازل. وتساءل: ما ذنب أصحاب الشقق التي توضع غرف التفتيش ضمن وجائبها لتتحمل عبء فيضان مياه الصرف الصحي في أبنيتها؟
وختم السيد (خ) حديثه بوصف حالة الطريق العام الذي لا يبعد سوى بضعة أمتار عن شققهم فقال: إن الطريق العام المؤدي إلى الضاحية يعاني دائماً من انقطاع إنارته مما يشكل خطراً في القيادة، علماً أن جانبي هذا الطريق مكتظان بالمعامل والسكان، مما يعرضهم لخطر الحوادث.
وأضاف: كما أن هناك حيوانات نافقة بشكل مستمر على أطراف الطريق العام وحتى داخل الضاحية، وفي معظم الأحيان تبقى تلك الحيوانات حتى تتفسخ دون أن يتم ترحيلها، مما يشكل خطراً على الصحة العامة وعلى المظهر العام.
في شركة كهرباء ريف دمشق
التقينا المهندس عماد خميس مدير عام شركة كهرباء ريف دمشق، وحاولنا استيضاح أسباب عدم تخديم جمعية أطباء تشرين بالكهرباء، فقال: إن الشركات أو المؤسسات التي تقوم بإنشاء ضواح أو جمعيات سكنية مثل الإسكان أو الإنشاءات العسكرية أو المؤسسات العسكرية أو المؤسسات الاجتماعية عادةً تبني مراكز تحويل للأبنية التي تشيدها، وتوجه كتاباً إلى شركة الكهرباء التابعة لها لدراسة الشبكة كي تقوم بدفع نصف قيمة مركز التحويل المطلوب سلفاً، وبعدها تقوم الشركة بإعداد دراسة وتنفيذ الشبكة وفق متطلبات المنطقة، فإن كانت لعدة أبنية فإن العمل ينجز خلال أيام، أما إذا كانت المحطة لجزر سكنية فإنه يتم خلال أشهر قليلة. وتابع: عادة لا يتم تسليم الأبنية إلا بعد تجهيز الشبكة الكهربائية، ولكن الذي حصل بالنسبة لجمعية أطباء تشرين، أن المواطنين استلموا الشقق، وإلى الآن لم يأتنا كتاب بأن المنطقة قد سلمت من أجل تخديمها كهربائياً، كما أننا لم نستلم أي إشعار بأن الجمعية قد بنت مراكز تحويل للأبنية، إضافة إلى أننا لم نقبض أي مبلغ من قيمة محطة التحويل التي سننشئها، ولكن بالنسبة لنا كشركة كهرباء سنقوم بحل إسعافي لهذه المنطقة، وهو تركيب عدادات تجارية مؤقتة شريطة أن يتحمل المستثمر تكلفة تمديداتها من أقرب مكان على الشبكة شريطة أن لا يتجاوز كحد أقصى مسافة 100 متر عن الشبكة، لأنه حينها سيشكل خطراً. ولدى سؤالنا حول شكوى المواطنين من أن العدادات التجارية ستوضع على الشبكة في الشارع مما قد يعرضها للسرقة أو التعدي عليها أجاب: لقد وضعت ضمن الاقتراحات الجديدة أن يتم وضع العدادات في مدخل البناء ليتمكن المواطن من الحفاظ عليها.
كلمة أخيرة
إن السيد جهاد حداد هو واحد من 18 مليون شخص يعتقدون أنهم مواطنون سوريون ويعرفون أن عليهم واجبات يؤدونها تجاه دولتهم، وبالمقابل فإن لهم حقوق المواطنة التي يجب على الدولة أن تؤمنها لهم، وهو واحد من مئات الألوف من المواطنين السوريين الذي يسكنون في مناطق أهملتها بلدياتها وتنكرت لها مؤسسات الدولة الأخرى في تقديم أبسط الخدمات، وهو واحد من مئات الأطباء الذين اشتروا شققاً سكنية في ضاحية الأسد عن طريق جمعية أطباء تشرين، فمنهم من سكن في شقته ويعاني مثلما يعاني د.جهاد، ومنهم من باع ما اشتراه ليبحث عن سكن أفضل، ومنهم من ينتظر ويراهن على الوقت عسى أن يأتي زمان وتخدم به المنطقة.