عبدي يوسف عابد عبدي يوسف عابد

من الذاكرة..

من الإنصاف بمكان القول بأن الرفاق الأبطال الذين تمزقت سياط الجلادين على نزيف جراحاتهم لمدة ثلاث سنوات أيام الوحدة، لم يتحمل منهم، في الجزيرة، مشقات الحياة السرية، إلا الرفيقان يعقوب كرو والراحل رشيد كرد. المنظمة احتضنت الرفيق يعقوب لأنه كان تنظيمياً مرتبطاً بدمشق، بانتظار رأي القيادة حيث قررت ضمه إلى اللجنة المنطقية التي أصبحت تضم ثلاثة رفاق.

توزعنا المهام والمنظمات بين بعضنا، وسار عمل ونشاط المنظمة بشكل مرضٍ حتى بعد أن بقينا فيها يعقوب وأنا، لوحدنا، في أواخر 1964 اتفقنا أنا ويعقوب على قضاء سهرة رأس السنة في الحسكة، هو في بيت أقاربه، وأنا في بيت أحد أقارب الرفيق الملاحق «إلياس» وهو سكرتير منظمة الحسكة وفي 30/12 انطلقنا في بيك آب الرفيق هاكوب من حلكو، في طرق جانبية وقبل أن نصل حي العزيزية مدخل الحسكة، أوقفتنا دورية جمارك. طلبوا هوياتنا، وأعادوها إلي، وأنزلوني لأقف إلى الجانب الجنوبي من سيارتهم، بينما احتجزوا هوية يعقوب، لأنها كانت قديمة جداً ومكتوبة بحبر جديد، وأوقفوه في الجانب الشمالي من سيارتهم وراحوا يفتشون سيارتنا، وبقي عنصر منهم يتمشى ويراقبنا.

لقد جن جنوني، أنعتقل كلانا نحن الوحيدين في اللجنة المنطقية؟ ماذا سيكون وضع العمل والنشاط والمهام والمراسلات مع القيادة؟ فكرت بأنه من حق القيادة أن تطردنا، لتصرفنا الأرعن.

في غفلة من الحارس، أشرت ليعقوب باليد، بأنني سأهرب من هنا، وأنت من الطرف المقابل، أملاً في أن ينجو أحدنا، لأن الجمارك كانت تسلم من تشك بهم ممن يقعون في قبضتها، إلى أجهزة الأمن.

وغافلتُ الحارس وأطلقت ساقي للريح بأقصى سرعة ممكنة، فقال الحارس (ولاك ولاك) انطلق يعقوب من الطرف المقابل، ولأن الأرض كانت مفلوحة عميقاً بالسكة، ويتعذر على السيارة المشي فيها، نجوت. ولأتأكد من نجاة يعقوب أرسلت الرفيقة الراحلة «ابتسام» واستقصت من أهل يعقوب، فاطمأننت عندما جاءتني أخبارها أنه بخير. كانت أياماً حلوة ومرة، اختزنتها خبايا الذاكرة.