المرسوم /55/ لعام 2002 بين النص والتطبيق أو بين الأهداف والتوظيف
صدر المرسوم /55/ لعام 2002 القاضي بإحداث وكالات ملاحية خاصة، إلى جانب التوكيلات الملاحية العامة، التي كان ينحصر العمل الملاحي فيها قبل المرسوم، دون أن تشكل هذه الوكالات خطراً على نشاط وعمل التوكيلات الملاحية، نصّت الشروط على التزام وكلاء القطاع الخاص باستقدام خطوط ملاحية جديدة وعدم المس بخطوط الشركة، وتعزيز قدرة العمل الملاحي وزيادة حجم الأعمال، والمساهمة في امتصاص البطالة، وتقديم المبادرات لتفعيل السوق اقتصادياً، لتخفيض الكلف والأعباء المالية عن المستهلك، والعمل على استقطاب المزيد من البواخر، وتعويض التوكيلات الملاحية العامة، بنسبة 60% من واردات التوكيلات الخاصة ليتسنّى لها القيام بأعبائها المالية ونفقاتها على الرواتب. والالتزام بدفع الرسوم المتوجبة عليهم كرسوم لخزينة الدولة، وأية مخالفة لهذه الشروط توجب إلغاء الترخيص الممنوح للوكيل. غير أن هذه الشروط قد أغفلت أساسيات أو تجاهلتها. وأضافت امتيازات جديدة للوكلاء بالتعليمات التنفيذية الصادرة عن وزارة النقل بالقرارين رقم /750/ و/751/ لعام 2003 لم ينص عليها المرسوم، لإحداث ثغرات تتيح لهؤلاء الوكلاء فرصة التلاعب، أو التحلل من التزاماتهم، وغيبت التنظيم النقابي كجهة أساسية مسؤولة عن العمل.
وإذا عدنا للمرسوم /55/ نجد أن الوزارة كانت من الكرم المستفيض، ما يجعل المرء في حالة ذهول، فالمرسوم عدل المادة الأولى من المرسوم /347/ لعام 1969 وأضاف إليها ما يلي: (استثناء من أحكام الفقرة ب، يجوز الترخيص للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين بمزاولة أعمال الوكالة البحرية للسفن التجارية التي تؤم المرافئ السورية والتي تقوم بنقل الركاب أو بضائع القطاع الخاص أو بضائع العبور وفق الأسس والشروط ونسب البدلات التي تضعها وزارة النقل ويمنح الترخيص بقرار يصدر عن وزير النقل). وهذا النص تقييد لأحكام الضوابط الناظمة، لا يمتلك مصدر التعليمات التنفيذية أن يجتهد عليه، بل مهمته أن يضعه موضع التطبيق السليم والصحيح. فالمرسوم خوّل وزارة النقل أن تحرص على تحصين شركة التوكيلات من العبث والتلاعب الذي يمس مركزها ونشاطها، وأن لا تتجاوز حدود ما أعطاه المرسوم. إلا أنها، وتجاوزاً لنص المرسوم، اجتهدت من عندها فتركت لشركات النقل والتجار حرية اختيار الوكيل بالنسبة لسفن الحاويات، أو السفن التي تنقل بضائع القطاع العام، وحشرت بالقرار /750/ لعام 2003 سفن البترول ومشتقاته المتعلق بتحديد البدلات المترتب على الوكلاء تسديدها لشركة التوكيلات، كإشارة ضمنية لهم من خارج النص بإمكانية بسط وكالتهم عليها، وهي مواد عائدة للقطاع العام، ويجب أن تكون حصراً للتوكيلات الملاحية.
وبمقتضى هذه الاجتهادات، وما يمتلكه الوكلاء في القطاع الخاص من إمكانيات مادية تمكنهم من توظيفها لخدمة مصالحهم، وفي غياب الرقابة وعدم المحاسبة، تنصلوا من كل الالتزامات المنصوص عليها في التعليمات التنفيذية، وبدلاً من أن يستقدموا خطوطاً جديدة، سحبوا خطوط الشركة، وهذه المخالفة لوحدها كافية لإلغاء الترخيص برمته، لو أن حماية القطاع العام تحظى بالجدية والغيرة اللازمة من ذوي الشأن، لكن وللأسف، الألسنة تلهج في شيء، والقلوب مشدودة إلى شيء آخر، ولهذا لم يتوقف الوكلاء عند هذه المخالفة، بل تنصلوا أيضاً من كل الالتزامات، من تقديم وسائل التفريغ من أدوات وعدد، ومن الكتبة الذين يمثلونهم في الإشراف على عمليات التفريغ والسحب والتحميل، ولم يساهموا في امتصاص البطالة، بل على العكس أدى دخولهم على خط التوكيل إلى إضاعة /600/ فرصة عمل لكتبة التعداد المياومين الذين كانوا يعملون لدى التوكيلات في فترة الحصر عندما كان الطوناج ستة ملايين طن في عام 2006، وإضاعة 800فرصة عمل في عام 2007 نتيجة زيادة الإنتاج إلى 8.100 ملايين طن، وانخفض عدد العمال المثبتين في الشركة من /600/ عامل إلى /554/ عاملاً، نتيجة توقف أعمال الشركة، وهناك فكرة بتوزيع /400/ عامل من الباقين على دوائر الدولة الخدمية المختلفة للتخلص من الفائض.
أما على صعيد الواردات فإنه بمقارنة بسيطة بين ما كانت تورده شركة التوكيلات لخزينة الدولة وبين ما سدده هؤلاء الوكلاء جميعاًً، وعددهم 77 وكيلا ندرك مدى الكارثة التي حلت بالشركة والأضرار الجسيمة التي لحقت بخزينة الدولة ففي عام 2006 ورّدت الشركة للخزينة ما قيمته 754 مليون ليرة سورية وكان هذا الرقم مرشحاً للزيادة ليصل إلى مليار ليرة في نهاية عام 2007 لو بقي الوضع على ما كان عليه نتيجة زيادة الإنتاج بينما سدد جميع هؤلاء الوكلاء للخزينة 49 مليون ليرة سورية فقط عن عام 2006، ونشك أن يكونوا قد سددوا أي شيء عن عام 2007، والفرق الحاصل هذا، والذي يزيد عن 900 مليون ليرة سورية ذهب لجيوب هؤلاء الوكلاء، الذين نمّوا رؤوس أموالهم من حساب المال العام وحرمان العاملين في الشركة من لقمة عيشهم.
وعلى صعيد الغرامات المترتبة على التأخير في تفريغ الحاويات وتصدير الفارغ منها إلى بلد المنشأ كان شبه معدوم بعهد التوكيلات الملاحية بينما بلغ مئات الألوف من الدولارات في عهدهم بسبب العرقلة في العمل التي خلقوها، فما هي الحكمة بالله عليكم أيها المصلحون أن ندمر، تحت شعار الإصلاح، مرفقاً حيوياً كالتوكيلات الملاحية؟ ونحوله من مرفق يرفد خزينة الدولة بمئات الملايين إلى مرفق على حافة الانهيار، من أجل المصالح الفردية الخاصة؟! وكيف يتفق هذا مع الإصلاح؟