قرفصْ.. واستمعْ.. واستمتعْ!
بات صعود الناس إلى السرافيس لممارسة الوقوف العلني في الممر الضيق، بدل الجلوس ـ كالآدميين ـ على المقاعد، أمراً عادياً واعتيادياً في الأشهر الأخيرة الماضية، فلا من مخالفة تردع السائق عن اقتناص الناس المتناثرين على الأرصفة، ولا من ـ مسؤول ـ يسأل نفسه، أو غيره، عن مدى ملائمة رياضة القرفصاء وعمق ضررها ـ نفسياً وصحياً وأخلاقياً ـ على العجائز والنساء، بل والمواطنين، في القرن الواحد والعشرين، ولا من يحزنون!..
وقد اعتدنا منذ أعوام ونحن مقرفصون في المكاري، اعتدنا الاستماع ــ عبر الراديو أو عن طريق ما يتبادله الجالسون من أحاديث ــ لما تقوله الحكومة وهي تؤكد للحاضر والغائب على حد سواء، بأنها ستستبدل السرافيس بحافلات (موديرن) تتسع لعدد أكبر من الركاب، وتليق بما تصبو إليه آمالنا المواصلاتية، وطبعاً نسعد بقولها حين تؤكد لنا بأن هذه الحافلات ستساهم ـ في حال تمت دراسة عديدها بشكل علمي ـ في تخفيف الاختناقات المرورية وإزاحة عبء القرفصاء عن مفاصل السكان، لكن.. لا شيء من ذلك حدث، مما حول هذه الوعود إلى عادات هي الأخرى، إذ نسمعها باعتياد وحسب العادة كل عام قبل الوصول إلى العام الجديد، فلا نصدقها. وهكذا بتنا لا نصدق الحكومة مهما قالت، اللهم إلا عند ما تصرّح بما يهدد أمننا المعيشي عبر أطروحاتها الاقتصادية العجائبية، حيث اعتدنا تصديقها خوفاً على مستقبل عيشنا ولكن.. مكتوفي الأيدي ـ باستثناء قلّة قليلة منا ـ مما علمنا السكوت أيضاً محملين غيرنا همّ حلّ مشاكلنا القادمة سريعاً إلى أحضاننا!..
واليوم (16/01/2008) طالعتنا الصحف بأنباء عن «اقتراب» وصول دفعة الباصات الصينية في منتصف العام الجاري! وكأن مفاصل المواطنين أو مفترقات الطرق تستطيع الاحتمال بعد أكثر! وإلى جانب هذا الخبر ــ المطلوب تصديقه ــ أتحفتنا الصحف بأن الأزمة المرورية تشكل محور مناقشات أعضاء مجلس محافظة دمشق، فيا هناءنا إذ وجد المجتمعون حديثاً لا ينتهي للخوض فيه، بينما ترزح الشوارع المحيطة بمبنى المحافظة (حيث يجري اجتماعهم) بكل أنواع الاستعصاءات المرورية والغصات البشرية!..
فــإلى متى سيستمر اعتيادنا على ما يطلقه المصرحون من تصريحات مهدأة غير مسؤولة؟ وإلى متى سنقبع مقرفصين نَسمعُ دون أن نُسمعْ.. ونَستمتعْ؟!..