تناقضات صارخة.. وغياب للمنطق
لاشك أن الأستاذ رياض الترك يعبر عن إعلان دمشق، أي المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي في سورية في حلته الجديدة ذات الطابع الأمريكي المباشر هذه المرة، بعد سياسة أدت لانسحاب أقسام منه مثل البيان الصادر عن هيثم مناع ورفيقيه بتجميد عضويتهم.
في تصريح لرياض الترك لتوضيح موقفه من تصريحات بوش الثانية التي تعتبر «مجلس إعلان دمشق» ممثلا لرجال ونساء سورية، ويعبر عن أغلبية الشعب السوري، وأنه يؤيد مبادئ المجلس.. في هذا السياق أكد رياض الترك اعتباره لتصريحات بوش: «عملا إنسانيا نبيلا»، ورحب بها «بصرف النظر عن سياسة أمريكا في المنطقة»، كما انتقد الترك السياسة السورية تمنع انتخاب رئيس جديد في لبنان.
فهل يمكن تفسير هذا الإعلان الدمشقي الذي جاء رداً على تصريحات بوش سوى بطباق رؤية «المجلس» مع رؤية واشنطن ولأهدافها في المنطقة؟؟ ونحن نفهم أنه عند بيان تأسيس إعلان دمشق المتحول لمجلس الآن، تم تبني الإعلان بعد صدوره من الإدارة الأمريكية فوراً وبسرعة يحسدون عليها. أما الآن فقد تم إطلاق صافرة البداية من البيت الأبيض دون مناورة.
وهذا الارتباط الوثيق هو طريق سريع «أوتوستراد» لتحالف يبغي إعادة صياغة الشرق العربي في حلة جديدة: «طوائف وقوميات تتصارع مع بعضها»، وكل الثرثرة حول الديمقراطية ورفض التغيير الذي أرادته «رايس» ثرثرة دمشقية، ولانفهم كيف يوفق الترك الناطق باسم المجلس بين هذا التطابق المخيف وبين إدانته للاحتلال الأمريكي للعراق، إلا إذا كان يفصل بين العراق الأمريكي وسورية التي يريد أن يجعلها أمريكية لأنه يصرح بذلك في مقابلته «أرحب بمثل هذا التصريح»، ولمن لا يصدق عينيه لخطورة هذا الرأي أن يرجع لتصريحه.
ويفترض بـ«مانديلا سورية» كما درجت تسميته، أن العام هو الأساس ويليه الخاص. ولكن الحركة على الأرض للمجلس تقدم الخاص «السوري» على العام «العربي ـ العالمي»، أي تربط ممانعة سورية للمشروع الأمريكي بدعم حماس وجهاد في فلسطين والمقاومة العراقية وحزب الله وحلفائه والدولة الإيرانية وحركة التحرر العالمية، ولم يقدم لا المجلس ولا رياض الترك أي تصور أو تلميح كائناً ما كان حول وضع المنطقة بكاملها الذي يحافظ على ثبات سورية في هذا الدور إذا تم التغيير الذي يريدون بحماية أمريكا.
ونستطرد، فالمرشح - حسب طريقة صياغة إعلان دمشق والمجلس المنبثق عنه- المدعوم علناً من أمريكا للحلول محل المحور الوطني «إيران وحماس والمقاومة العراقية وحزب الله وسورية» بغياب سورية، هو سيطرة أمريكية على المنطقة، أي تنفيذ برنامج التقسيم الصادر عن الكونغرس الأمريكي في سورية أيضاً في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العالم، ويقول مانديلا سورية «لم يسمه أحدٌ بمانديلا سوى مجموعته»، كما سمى سمير جعجع نفسه «مانديلا لبنان» بلسان المجلس:
«تكون جاحداً إذا جاءك إنسان وساعدك على التخلص مما تعانيه، ثم تقول له اذهب عني».
وهذا النقد لايستهدف مطالبة المجلس بالتخلي عن مطلب الديمقراطية، فهذه مطالبته تعمّ الدنيا فنحن الوطنيين أيضاً نريد الديمقراطية غير المشروطة، وكل الناس وكل الأحزاب والشمس والقمر والعصافير والأشجار تريد الديمقراطية. ولانستخدم المطالبة بالديمقراطية كستار لدخول أمريكا للمنطقة كما يفعل المجلس، ونضيف إننا نريد إجابة مطالب الناس الفقراء وحماية حرية الناس ووحدتهم الاجتماعية العميقة دون تفرقة بسبب العرق أو الدين.
بينما المطالبة أمريكياً بالديمقراطية هي ستار للأسوأ: تقسيم سورية وتجويع شعبها بأسوأ مما حدث في العراق لأنها قلب المنطقة فإذا مزقت تخضع المنطقة تلقائياً بعد انهيارها على طريقة أحجار الدومينو: انهيار حجرٍ يجرّ البقية .
ولاينفع أن تنقد الشيطان في ذبحه للعراق وتستجديه للدخول لسورية ليفعل الشيء نفسه.
وفي هذا السياق يأتي إعلان المجلس بلسان الترك تكراراٍ للمسرحية التي عرضت منذ أعوام: «نقف مع لبنان الذي يشهد تدخلاً سورياً وإيرانياً في شوارعه الذي يمنعه من انتخاب رئيس جديد».
أليست هذه المعزوفة اليومية نفسها الصادرة عن البيت الأبيض وفرنسا؟ أي أن المجلس يرى أن الموقف الوطني ـ الديمقراطي هو لجعجع والسنيورة وجنبلاط، وإن الخائن هو حزب الله وحلفاؤه؟؟
ونستحضر هنا مطالبة «البطل» جنبلاط أثناء زيارته لبوش شيئين صغيرين فقط: نزع سلاح حزب الله، وإسقاط النظام السوري. طبعاً «يكتّر خيره» فالمجلس يريد أكثر: إحلال الديمقراطية الأمريكية على الطريقة العراقية!
والآن كيف يفهم الترك التضامن العربي؟ وكيف يفهمه المجلس؟
هنا الإبداع الحقيقي.يطالبون بإقامة علاقات ودية مع الأردن ومصر والسعودية، بدلاً من إيران «الفارسية»، وينتقد الترك موقف سورية من التحالف مع إيران بمواجهة بوش والأبواش الآخرين في الثلاثي العربي المرح: عبد الله وعبد الله وحسني. ولكن إذا تحالفت سورية معهم كما يريد «مانديلا سورية»، فالخصم هو إيران وحزب الله وحماس والمقاومة العراقية. هذا ليس سوء فهم بل هو برنامج تركيع المنطقة.
لقد تم أخيراً خلع الملابس Striptease «ستربتيز».
والآن نأتي إلى الذات وليس كما يراها الشيوعي حيث هي القوة القادرة على التغيير للأفضل، بل كما يراها إعلان دمشق وابنه المجلس وأبوه الروحي الترك: فالذات لديهم هو أنفسهم، فهم قد اندفعوا في المشروع المعادي لدرجة كبيرة، وتم دفعهم من بوش وساركوزي للنهايات ويتصورون إنه لا مجال للرجوع للخط الوطني «وهذا خطأ». نفس ما حدث مع جنبلاط «الوطني سابقاً مثلهم». والآن هم يشعرون بالخوف من صفقة للنظام السوري مع أمريكا، ولذلك يعطي الترك درساً لبوش. انظر معنا: «هل تريد أن تدعم أمريكا نظاماً سائراً إلى نهاياته»، «ولو عقد النظام صفقة مع أمريكا ..... لذلك نحن نتجه إلى الخارج».
وهنا يقّدم الزعيم الترك سبباً آخر لقبول واستجداء الدعم الأمريكي، وهو الخوف من أن تتجه أمريكا لدعم النظام السوري لكسبه، لذلك يحذّرها أن النظام سائر لنهاياته، فهو ومجموعته للأسف، قد وضعوا البيض كله في السلة الأمريكية، ولم يبق لديهم بيض. «يعني بدك تقول الحفاظ على الذات، أي الأشخاص، وليس تحرير الوطن».
وآخر عجائب الترك هو تمسكه بالشيوعية، أي والله، يعني «بتاع كلو»، أمريكا باليمين والشيوعية باليسار. وفي هذا السياق ينتقد الشيوعيين لأنهم يعتبرون أن العدو الرئيس هو الولايات المتحدة، ويعتبر تزلفاً للنظام.
ولترضيه يجب أن تنضم لركب جعجع وجنبلاط، فإذا لم تفعل فأنت عميل ومن جوقة النظام، متناسياً «أو لايعلم لبعد عهده بالشيوعية» أن هنالك طريقاً ثالثاً يتضمن الموقف الوطني ـ الطبقي، وهذا يصب باتجاه القتال ضد أمريكا طبقياً ووطنياً، وضد البرجوازية داخلياً. أليس هذا موقف حزب الله حتى من النافذة الطبقية، مع أنه ليس بالشيوعي؟؟ هو أقرب بملايين الكيلومترات من الشيوعية من الرفيق السابق جداً، الترك.
أما تفسيره للماركسية فهو أعجوبة «ماله ومالها ياناس ياهو» انظروا معنا:
يقول الترك: «ماركس كان متمرداً على الإقطاع»، طبعأً من لايعلم شيئاً ماركسياً قد يرتبك لأنه لم يقرأ أن ماركس تمرد على الرأسمالية الكائنة في وقته، ويبدو أن الترك لم يطلع سابقاً على الكتب الماركسية..
ختاماً. المسألة ليست سهلة، فمجمل قوى إعلان دمشق لها تاريخ تخلو عنه علناً بإعادة حساباتهم الشخصية وليست السياسية باتجاه السير مع الذي يعتقدون إنه الأقوى، وبتصورهم أن الترسانة الأمريكية أقوى من الشعوب، والملفت للنظر أنه كلما حققت قوى الشعب العزلاء من السلاح المتطور انتصاراً يلي الآخر في فلسطين ولبنان والعراق يزداد غرقهم بالاتجاه الآخر، لأنهم قطعوا الصلة بالاتجاه الوطني.
واقتضى الرد هذه المرة لأن سكوتنا المستمر نحن مجمل القوى الوطنية أحدث حالة من الاسترخاء لدى قوى إعلان دمشق، دفعتهم للتصعيد في ما نراه نحن غير صحيح في برامجهم. ونحن نأمل أن تقوم بعض قوى إعلان دمشق بالتقدم بالاتجاه الوطني وليس للخندق الآخر، مذكرين بأن كل تاريخ الترك في الممانعة الديمقراطية لايبرر إطلاقاً موقفا شموليا خاطئا، فالمسألة ليست بما كان، بل بما هو حاصل، وإلا تصبح سنوات السجن تحصيل حاصل.