الأستاذ رجاء الناصر لـ«قاسيون»: المطلوب تعزيز نهج مقاومة المشروع الأمريكي ـ الصهيوني
جاءت التصريحات الأخيرة الداعمة والمشجعة لبعض من يسمون أنفسهم «المعارضة السورية» التي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش، لتؤكد من جديد وهمية ثنائية: معارضة – نظام، ولتثير الكثير من التساؤلات حول علاقة تلك القوى بصقور البيت الأبيض..
للوقوف عند بعض معاني تلك التصريحات أجرت «قاسيون» اتصالاً هاتفياً مع الشخصية السياسية المعروفة الأستاذ رجاء الناصر، وكان الحوار التالي:
■ أستاذ رجاء: كبف تقرؤون التصريح الأخير للرئيس بوش حول المعارضة السورية، حيث قال حرفياً إنه: «يصفق للتشكيل الأخير للمجلس الوطني لإعلان دمشق»؟؟
التحية التي وجهها الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى المعارضة السورية، لا يمكن النظر إليها ببراءة تامة، وهي لا تدخل حتماً في سياق دعمه للديمقراطية، والتغيير الوطني الديمقراطي، فما كان الرئيس الأمريكي وبعض الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وخصوصاً أولئك المحافظين الجدد، يوماً مع الديمقراطية وتحديداً في وطننا العربي، بل يعمل باستمرار ولا يزال يدعم الأنظمة الاستبدادية، وعارض بقوة نتائج الديمقراطية، عندما لم تصب في صالح السياسات الأمريكية، وهي حتماً تصب في غير مجرى تلك المصالح. ولعل الاحتلال الأمريكي للعراق والدعم الأمريكي المطلق للاحتلال الصهيوني، يبرز صورة وحقيقة الموقف الأمريكي من الديمقراطية.
إن هذه التحية لا تقوي ولا تعزز التوجه الوطني الديمقراطي، ولا هي تعمل على إحداث تغيرات في السياسة الداخلية السورية، بل هي تأتي ضمن سياسة الامتداد المترافق مع صفقات مطلوبة، لتغيير سياسات النظام السوري الخارجية، وتحديداً السياسات المتعلقة بما يسمى بالمسيرة السلمية للصراع العربي ـ الصهيوني، والطموحات الإقليمية للقيادة السورية، وهي ليست موضوع الخلاف الرئيسي بين قوى المعارضة الديمقراطية وبين السلطة في سورية، بل قد يكون الخلاف حول هذا الاتجاه المعاكس، حيث أن تياراً عريضاً من المعارضة الديمقراطية السورية يرى أن المطلوب تعزيز نهج مقاومة المشروع الأمريكي ـ الصهيوني، وتصليبه وإخراجه من دائرة الصفقات والمساومات.
■ ما هي المخاطر التي تختبئ خلف هذه التصريحات؟
إن خطورة هذه التحية أو القبول بها، هو فتح الطريق أمام التسابق على نيل الرضى الأمريكي، بين بعض من هم في السلطة وبعض من هم في المعارضة، على حساب القضايا الوطنية والقومية والأمن القومي العربي، وهي سياسة تساعد عليها عمليات قمع المعارضين، وتوسيع حملات الاعتقال والاستدعاءات، ويعززها ذلك النهج الذي يسد المنافذ أمام تغيير وطني ديمقراطي سلمي، وتلك السياسة الاقتصادية التي تساعد على تفاقم سوء الواقع المعاشي لكتلة واسعة من المواطنين، وتنامي وتغول قوى الفساد والاستغلال.
إن وعي خطورة هذه التحية، والمرامي التي تهدف إليها، وما يمكن أن تحدثه في صفوف المعارضة ذاتها، وما يمكن أن تساهم فيه من إعطاء تبريرات غير صحيحة، لعملية القمع ومحاربة الرأي الآخر، يصبح أكثر بالضرورة في هذه الأوقات الصعبة التي تمر على الوطن وعلى مجمل الحراك الوطني الديمقراطي.
■ كيف يجب التعامل مع هذه التحية؟
إن الطريقة السليمة لتجاوز مخاطر هذه التحية، تتركز على:
- ضرورة إيقاف النهج والأسلوب الأمني في حل الأزمات الداخلية، وإحداث انعطاف ديمقراطي جدي، يبدأ بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وخصوصاً الذين جرى اعتقالهم على خلفية مطلب التغيير الديمقراطي، وإجراء حوار وطني واسع، لمحاصرة بؤر التوتر الداخلية.
- القطع الجماعي مع المشروع الأمريكي ـ الصهيوني، والابتعاد عن سياسة الصفقات وإحناء الرأس وتقديم التنازلات لهذا المشروع من قبل الجميع، وتحديد سياسة واضحة لمواجهة ومقاومة هذا المشروع، والبحث عن توافق وطني حول السياسات الخارجية بما يخدم المصالح الوطنية العليا، وعدم الرهان على أية مواقف من قبل الإدارات الأمريكية، وممن يجري ويعمل في فلكها، والخروج من دائرة وهم إمكانية توظيفها في خدمة المصالح الوطنية أو التغيير الديمقراطي.
- تعميق السلم الأهلي عبر سياسة اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار مصالح الطبقات العريضة من المجتمع، وترفع شبح وحدّة مآسي العوز الذي أصاب قطاعات واسعة من المواطنين وتكافح سياسة الفساد وتحدّ من تفاقمه.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية معنية فعلاً بإنجاز تحولات ديمقراطية في سورية أو غيرها، وهي بالتأكيد غير ذلك، فإن الطريق نحو هذا العمل يأتي من خلال انسحاب قواتها من العراق والمحافظة على وحدته وعروبته، والتراجع عن دعم الإرهاب الصهيوني، وسحب قواتها وقواعدها من المنطقة، ورفع أياديها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وقبل كل هذا تبقى تلك التحية غير مقبولة ومردودة عليه من الرجال الشجعان الذين يناضلون ضد الاستبداد والفساد، وضد الاحتلال والهيمنة التي يمارسها التحالف الصهيوني ـ الأمريكي.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.