جرمانا... نماذج للقهر

يا لتعاسة هذا المواطن!! فهو لا يستطيع أن يتخيل من أين ستأتيه المصائب، التي ليس من عادتها أن تأتي فرادى، بل بالجملة، ومن كل حدب وصوب. فمن همِّ لقمة الخبز ونار الأسعار المجنونة، التي كوتنا بسعيرها الذي لم يعد يعرف حدّاً يقف عنده، إلى همِّ الوطن وتوجس الشر المتربص به في كل لحظة، من شتى أنواع الأطماع الامبريالية والاستعمارية، إلى الهمِّ الأكبر والقلق الدائم، الذي يشكله التهديد المتواصل من الفريق الاقتصادي، وفي كل يوم بتصريح جديد، حول نية الحكومة رفع الدعم عن المواد الأساسية لمعيشة المواطن (مازوت، خبز، رز، سكر)، هذا الدعم الذي يشكل الشعرة الأخيرة التي تربط سواد مجتمعنا بأبسط مقومات الحياة.

وقد تراكمت كل تلك الهموم على كاهل مواطننا، حتى بات يتحايل على سبل المعيشة، ويخترع الأساليب الخاصة والفردية، التي تؤمن له كفاف يومه.ففي جرمانا كمثال، نجد عدداً ليس قليلاً من الأكشاك التي ترامت على جوانب الطرقات العامة، والفرعية الهامة في المدينة، يسعى أصحابها إلى الحصول على الربح اليسير، الذي لا يكاد يذكر، من بيع العلكة وأكياس الشيبس، وقد يضيف إليها في أحسن الأحوال، علب المحارم وبعض المستلزمات اليومية للاستعمال المنزلي السريع. وقد أقيمت بعض هذه الأكشاك منذ أكثر من عشرين سنة، وبموافقة المجلس البلدي، وبترخيص منه بناءً على طلبات خاصة تقدم بها بعض المواطنين، وكانت مصدراً للرزق ولمعيشة مئات العائلات الفقيرة البسيطة، التي تفاجأت في مطلع شهر الأعياد الحالي، بالعيدية التي قدمها لها مجلس المدينة، وهو قرار إلغاء هذه الأكشاك تماماً وكلياً، وقد نزلت التركسات وورشات الهدم لتكسيرها وإزالتها.

نحن طبعاً مع النظام والقانون، ومع تجميل شوارع المدينة بمنظر حضاري جميل، وإزالة كل ما يشوب المنظر العام، ولكن حتماً لسنا مع تنفيذ القرار بهذا الشكل المذل والمهين، وفي هذا الوقت الحساس بالذات، فإضافة إلى الذل والمهانة الظاهرة، التي تعرض لها أصحاب هذه الأكشاك أثناء الإزالة، فقد تم حرمان مئات العائلات من مصدر رزقهم ولقمة عيشهم، دون أية مراعاة للظرف والمشاعر، أو أخذ أي شيء بالحسبان.

ألَيس من الأَولى أن يقوم مجلس المدينة بتقديم البديل؟! أوليس من الأفضل أن يعمل على إقامة سوق شعبية على مساحةٍ من الأملاك العامة، التي يتم التنافس عليها من مختلف الجهات بدون فائدة؟! وتوزع منافذ بيع هذا السوق على أصحاب الأكشاك بأجور رمزية، تضمن عائدات دائمة لميزانية المجلس، وتكون بالمقابل قد قدمت حلاً جزئياً، لعطالة أرباب الأسر المتضررة من هذا الإجراء، وأوجدت بديلاً للمحلات الخاصة التي يتحكم أصحابها بالسوق الاستهلاكية، ويضعون الأسعار حسب قوانينهم ومصالحهم الذاتية، دون وازع من ضمير أو إحساسٍ بهمِّ الآخرين.

المطلوب من مجلس مدينة جرمانا أخذ هذا الاقتراح بعين الاعتبار، والعمل على تنفيذه لما له من فوائد عامة كثيرة.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.