تعالي وتشدق على آلام النزوح والتشرد!
في منطقة إعزاز، الواقعة على الحدود السورية التركية، توضعت ثلاثة مخيمات هي «معرين-سجو-السلامة»، حيث يبلغ عدد القاطنين فيها ما بين 75-100 ألف نازح، أتى غالبهم من الريف الجنوبي والشمالي، يضاف إليهم من نزحوا من مناطق سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي من شمال وشمال شرق حلب.
هؤلاء منعهم فقرهم المدقع من الفرار إلى داخل المدينة أو إلى مدينة أخرى كما فعل سواهم، ليضطرهم شظف العيش على التجمع في خيم من النايلون، تضم في الغالب عائلتين على الأقل، ضمن ما يشبه المعسكر أو المعتقل المفتوح.
خدمات شبه معدومة
هذه المخيمات تفتقر لأبسط الخدمات الإنسانية والصحية، إذا لم نقل أنها منعدمة، فهي لا تقيهم حر صيف ولا برد شتاء، ما يعرضهم للأمراض بشتى أنواعها، إضافة لاعتمادهم في معيشتهم على المساعدات الإنسانية فقط، أي أنهم في حال انقطاعها قد يتعرضون للموت جوعاً، وهم في غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ، وهو ما حدث فعلياً في فترة العيد الماضي، فلم توزع عليهم الوجبات الغذائية، فبقوا لأيام دون طعام!!.
أمراض صحية واجتماعية
إضافة لتعرض هذه المخيمات للأوبئة الصحية، فهي بؤرة خصبة للأمراض الاجتماعية والتطرف، فالجوع قد يحول أبناء هذه المخيمات إلى قنابل موقوتة، تزيد الكارثة الإنسانية المنفجرة أصلاً بسبب إهمال أمثالهم وتركهم سدى في العراء، عرضة لكل ما ينتهك إنسانيتهم وعدم البحث عن بدائل تحميهم، في المناطق الواقعة تحت سلطة الدولة، وإفساح المجال أمامهم لإعالة أنفسهم على الأقل، فلا أسباب لبقائهم على هذه الحال.
إهانة وحرمان من المعونات
حال من تهجر داخل المدينة ليس بأفضل، فبعد الهجوم الذي استهدف مناطق «1070» وتشرين والحمدانية، اضطر سكان المنطقة من النازحين والمهجرين أصلاً من مناطق أخرى إلى النزوح من جديد بسبب الرعب، ومضوا إلى حيث الأمان، مفترشين الأحراش الموزعة على جانبي اتوستراد «دوار الباسل» في منطقة حلب الجديدة.
ما يزيد وطأة الأمر أن المشكلة مضى عليها ما يقارب الشهر دون وجود حلول لأوضاعهم، فهم حتى الآن محرومون من المعونات، بحجة أنهم نقلوا مناطق سكنهم إلى منطقة أخرى، وبحسب نظام توزيع المعونات في الجمعيات فهي مخصصة لمناطق محددة بما يغطي كامل المدينة، لكنها ظلت متجاهلة الظرف الاستثنائي الذي يعانونه، وأن انتقالهم لم يكن كيفياً وإنما تحت وطأة الموت. أما من أتى بالمعونات من الجمعيات فهو ،على حد تعبير أحد الأهالي، قامت إحدى السيارات التابعة لها بقذف المؤن من السيارة وهي تسير والناس تجري وراءها، ضمن مشهد مُهين إنسانياً ووطنياً وأخلاقياً، جمعية أخرى قامت بإحصائهم وذهبت ولم ير المواطنون منها شيئاً «وهذا وجه الضيف»!.
ليترك النازحون تحت خيم لا تقي حراً ولا تأوي من شتاء معرضين لضربات الشمس، وانتشار القمل والأمراض الجلدية بسبب عدم الاستحمام منذ خروجهم من مناطق سكنهم، إضافة لعدم وجود بنى تحتية وعدم ممارستهم لحاجاتهم الإنسانية بالشكل الطبيعي، وهو ما يعرضهم لأمراض خطيرة.
خبز «حاف»
العوز والفقر الذي رمى بهؤلاء إلى قارعة الطريق حرم أبناءهم من المدارس، فأغلبهم يعملون في التسول صغاراً وعند عمر محدد يذهبون لتعلم صنعة تقيهم ذل الحاجة، لكنها لا تسمن من جوع، ولا تقي ذلاً آخر يتعرضون له في عمر مبكر لفقدهم من يعولهم بسبب الخطف أو الموت. أما إن وجد المعيل سواء كان رجلاً أوشاباً في عائلة، والذي بات نادراً، يضطر لإعالة أكثر من أسرة في آن معاً. هي الحرب ذاتها التي تحرمه من إيجاد فرصة للعمل، فيقبل العمل بأجر يومي لا يتجاوز 1000 ل.س، لا تكفي ثمن خبز حاف يشبع البطون التي تنتظره آخر اليوم، دون التفكير ترفاً بما «يؤدم» ذلك الخبز فيعطيه طعماً آخر.
المنظر الحضاري أو الموت!
كان ملف النازحين الملف الأكثر تعقيداً وإهمالاً، حيث تمّ استخدمه وسيلة ابتزاز سياسي وإعلامي، في الوقت الذي تُركوا على الأرض لمصيرهم، فخلال سنوات الأزمة الخمس ماتزال تتداعى قصص النزوح من مخيم هنا وآخر هناك دون أن تنتهي، أما عن الحلول من قبل المسؤولين فهي للآن قيد الدراسة، فلم يرشح أي تحرك أو عمل من أجل تخفيف أعبائهم أو العمل على تحسين ظروفهم، فقط ما تم تداوله عن قرار من المحافظ بإجلاء هؤلاء النازحين من الاتوستراد بحجة أن ذلك «يشوه المنظر الحضاري للمدينة» إلى مدارس في منطقة الخالدية، ليهربوا من موت إلى آخر، فهي واقعة على مرمى القذائف والقنص في منطقة الخالدية، والتنقل إليها لا يمكن إلا عبر «طلاقيات» مفتوحة في الجدران.
تحييد المدنيين
أمام كارثة النزوح، سواء داخل المدينة أو خارجها، يبقى كل حل هو عاجز تماماً، إن لم يكن وقف الكارثة الإنسانية هدفاً بحد ذاته لإنقاذ من تبقى على قيد الحياة أو على قيد الإنسانية، حيث تُعبر الحناجر لتروي المعاناة والأسى رغم بعدها عن الإعلام، وتجاوزت الحدود لتوحد الإنسان، في وطن تمزق بين فرقاء اختلفوا عليه واتفقوا على دماره وتحطيم أحلام من قطنه يوماً، فحولوا أحلامه أشرعة لسفن حملاتهم، فكان الإنسان أول من دفع الثمن، فمأساة النزوح لم تهدأ لحظة إلا لتبرز كورقة ضغط بحسب الظرف السياسي، وإلى حيث تؤدي رياح التسويات، وقد وصل هؤلاء إلى حد لم يبق لهم ما يخسرونه أو من يخسرونه، هو وقف لن يتم إلا من خلال تحييد المدنيين عن الصراع، وعن التجاذب السياسي، وسحبه من يد الفرقاء كورقة ابتزاز أو «باب للتسول السياسي والإنساني»، بل العمل في سبيل فرض الحل السياسي لإنقاذهم وإنقاذ ما تبقى لهم من هذا الوطن وفيه.