كيف أصبحت شيوعياً؟
ضيفنا لهذا العدد الرفيق محمد ديب عزت الكردي وهو من الرفاق في تنظيم (النور).
رفيقنا المحترم أبو دياب نرحب بك، ونسألك أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعيا؟
أنا من مواليد دمشق ساروجة عام 1933، لم أكمل المرحلة الابتدائية واضطررت وأنا في التاسعة للعمل في مهنة البلاط كي أسهم في حمل أعباء المعيشة الصعبة. شهدت العديد من المظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي وخاصة التي جرت في حي العمارة بين جامع المعلق والمناخلية حيث ينقسم المتظاهرون إلى قسمين قسم يتظاهر وقسم يحمل (جنازة) تابوتها مملوء بالحجارة،وعندما يصبح جنود الاحتلال بين القسمين يبدأ الاشتباك بالحجارة، هذه المظاهرات أسهمت في تفتح وعيي السياسي والوطني، وخلال عملي في معامل البلاط عانيت مرارة الاستغلال، وعن طريق أحد الرفاق تعرفت على عدد من الشيوعيين أذكر منهم نصوح القباني وسعيد ميرخان وآخر من بيت الجزائري يعمل في (النافعة) وفي عام1949 انتظمت في فرقة تضم يوسف مبارك ومحمد سعيد إدلبي،وفي عهد الديكتاتوريات العسكرية شاركت بالكثير من المظاهرات في باب الجابية وقرب مقهى الهافانا، وفي المظاهرة التي جرت في ساحة المرجة وأجبرت رئيس الوزراء حسن الحكيم على تقديم استقالته، اعتقلت في عهد الشيشكلي بسجن القلعة، وبعد زوال الحكم الديكتاتوري عام 1954 بدأت نشاطي النقابي وترشحت للنقابة ونجحت وساهمت في المسيرة الكبيرة التي واكبت تأسيس اتحاد العمال العرب، ومن طرائف ما حدث حينها (لافتة) اقترحها رئيس نقابتنا ورفعها ضمن لافتات المطالب العمالية (لا للاختلاط في دور السينما!!) فسارعت مخاطبا العمال: أنطالب بحقوقنا أم بمنع الاختلاط؟ فقالوا طبعا بحقوقنا، و(عزلوا) رئيس النقابة عن المظاهرة، وسحبوا تلك اللافتة العجيبة الغريبة!
بقيت في العمل النقابي حتى بدء حملة الاعتقالات الظالمة التي طالت آلاف الشيوعيين عام 1959، وفي يوم جلسة مكتب النقابة رن الهاتف، وطلب المتكلم الحديث مع رئيس النقابة، وما إن انتهى الحديث حتى بادرني بقوله: «الله يرضى عليك دبر حالك.. إنهم يسألون عنك»! وفي الجلسة سجل في المحضر قرار فصلي «لغيابي عن الاجتماع ثلاث جلسات» وذلك لتبرير عدم وجودي في مكتب النقابة!، وقد سجنت في سجن المزة لمدة ثلاث سنوات، وبعد خروجي سافرت للدراسة في موسكو، وعند عودتي ذهبت إلى مكتب النقابة، ولما فتحت الباب استقبلني أعضاء المكتب بالحفاوة، وقال رئيس النقابة: لنأخذ قرارا بإعادته إلى المكتب (وكان لديهم بالفعل شاغر، ومن حقهم التنظيمي أخذ قرار بترميم النقص)، وهذا ما حصل، وعدت لأمارس عملي النقابي من جديد. وفي عام 1968 كنت عضوا في لجنة لدمج عمال البلاط بعمال البناء تحت اسم (نقابة عمال حرف البناء)، وفي عام 1973 صدر مرسوم بزيادة الأجور لم يلتزم به أصحاب المعامل الخاصة، وكنت حينها أمين سر نقابة البناء، فقمت بحشد العمال للإضراب دفاعا عن حقهم في الزيادة (رغم أن رئيس النقابة رفض الإضراب) وحين تم التحضير للإضراب داخل المعامل توافدت عناصر من كل فروع الأمن، واتصل مسؤول من الشعبة السياسية بمكتب النقابة وطلب الحديث مع ديب الكردي «تخصيصاً»، وسألني عن مطالب العمال وفي الثالثة من اليوم التالي جاء عنصر من الشعبة، عاين الوضع ثم اتصل هاتفيا برئيسه وأخبره أن هناك أكثر من 300 عامل على أهبة الخروج بمظاهرة، فطلب مني رئيسه ألا نخرج إلى الشارع وسيتكفل بحل المشكلة وضمان أن يدفع أصحاب المعامل الزيادة، وتم فعلا الاجتماع بأصحاب المعامل الذين وقعوا عقد عمل مشترك يضمن الزيادة المقررة وزيادة دورية 5% سنوياً وأجر يومي الإضراب، وذلك بعد أن تأكدوا من إصرار العمال جميعا على الخروج إلى الشوارع. وفي مجال دعاوى العمال التي تابعتها وعددها 180 دعوى كسبنا 178 وخسرنا اثنتين، ومن الذكريات السارة ذكرى زيارتنا كوفد من النقابة ولقائنا بعمال الكسارات في أماكن عملهم بالمزة لتشجيعهم على الانتساب للنقابة، وذلك (الاستقبال) الذي قابلونا به، وابتعدوا عنا هازئين، لكنني لم أيأس وتابعت زياراتي لهم شارحا أهمية انتسابهم للنقابة والنضال من أجل الحصول على حقوقهم، ولم يمض عام إلا وشاهدتهم يضربون دفاعاً عن مطالبهم المشروعة (وقد تحدث الرفيق أبو دياب بالتفصيل عن مواقف وأحداث كثيرة).
أما فيما يتعلق بواقعنا الحالي، فالأمر محزن وغير مقبول، ويتطلب منا جميعا في التنظيمات وخارجها السعي الجاد لمعالجة مأساة التشرذم والانقسامات والضعف، وبرأيي أن المدخل إلى ذلك هو أن نتقبل بعضنا بعضاً، وإن تعددت وجهات النظر، ولنشكل لجاناً مشتركة تضع مهام نضال مطلبي وسياسي بين الجماهير ومعها، وهذا ما نلمس بوادر منه، لكنها ليست في مستوى طموح الرفاق الذين يضغطون في اتجاه وحدة الشيوعيين السوريين.
وفي الختام أحيي صحيفة قاسيون التي أتاحت لي هذا المجال، وبالمناسبة فإنني أعتز بكوني واحدا من ثلاثة أصدروا العدد الأول من قاسيون في شهر آب عام 1967، وهم الرفاق فايز جلاحج ومنذر الشمعة وديب الكردي.