بصدد أحداث القامشلي الأخيرة!!
شهدت مدينة القامشلي يوم الخميس 20/3/2008 أحداثاً مؤلمةً ذهب ضحيتها ثلاثة شبان، وبعض الجرحى، إثر إطلاق الرصاص الحي على بعض التجمعات المحتفلة، في عيد نوروز، الذي يحتفل به (المواطنون الأكراد).
ما لاشك فيه أن إطلاق النار الحي على مواطنين عزّل عمل مدان بكل المقاييس، ويتحمل جهاز الدولة المسؤولية عما جرى، وخصوصا من أمر بإطلاق الرصاص، ولكنه في الوقت نفسه بات من الضروري قراءة الحدث قراءة تحليلية هادئة، بعيداً عن ردود الأفعال العفوية، والتأثُّر المباشر بالحدث، والخطاب القوموي المتشنج من هنا وهناك، فتكرار مثل هذه الأحداث منذ عام 2004، هي محاولة لإنتاج وعي مشوّه يؤسس موضوعياً للعزلة القومية، والنفور القومي والتعصب، هذه الظواهر المتناقضة مع مصالح عموم أبناء الجزيرة، عربا وكرداً وآشوريين وأرمن وغيرهم، والمتناقضة مع حقائق التاريخ والجغرافيا، وبالتالي المتناقضة مع المصالح الوطنية العليا، التي تعتبر الوحدة الوطنية ركنها الأساسي، في ظل مشاريع الفتن والفوضى الخلاقة الأمريكية التدميرية.
إن محافظة الحسكة هي أغنى المحافظات السورية بالمواد الخام، (النفط والحبوب)، وأفقرها بالبنى التحتية (معامل، مصانع، خدمات عامة.) وفي ذلك مفارقة مُرّة، غير مفهومة من الناحية المنطقية على الأقل، فثمة أحياء يتقاطر منها البؤس والحرمان، في أطراف المدن وقرى جنوب الرد وجبل عبد العزيز وغيرها، والمجال الوحيد المفتوح أمام أبنائها إما الهجرة إلى أطراف المدن الكبرى، أو الانخراط في الأعمال الهامشية، كالتهريب وغيرها، أما البطالة فحدث ولا حرج.
ـ إن هذا الواقع يخلق باستمرار شعوراً عارماً بالغبن والظلم والاحتقان، ويضاف إلى ذلك السياسات التمييزية بحق المواطنين السوريين الأكراد، كالإحصاء وغيرها، ليضفي على المشهد الاقتصادي الاجتماعي والسياسي في المحافظة، مزيدا من التعقيد، ونتيجة لتكرار هذه الحوادث واضطراب الوضع الإقليمي، تصاعدت حدة الخطاب القوموي (عربياً وكردياً) ودخل في سباق المزاودات القومية، وعلى الرغم من حالة التنابذ الظاهرية بين هذا وذاك، إلا أن الاثنين يلتقيان موضوعيا في نقطة واحدة، وهي التفكير خارج إطار المصلحة الوطنية، التي لا يمكن حل أية إشكالية عالقة لمصلحة الشعب السوري، دون أخذها بعين الاعتبار..
ـ إن الأحداث المتلاحقة في المحافظة منذ عام 2004، وحتى أحداث نوروز الأخيرة، هي مشكلة وطنية بامتياز، أي أنها تهم كل السوريين، ومن هنا فإن من واجب كل القوى الوطنية الشريفة، وكل العقلاء أنّى كانت مواقعهم في البلاد، العمل على وأد كل مظاهر الفتنة، وذلك يكون بـ :
ـ تعزيز ثقافة التسامح، وقبول الآخر، والتنوع الثقافي بما يؤكد على وحدة مصالح الشعب السوري، وتحلي الجميع بالحكمة والحذر من توظيف هذه الأحداث بما يسيء إلى كرامة الوطن والمواطن.
ـ مناقشة المشكلة عبر وسائل الإعلام الرسمية، وفسح المجال لنشاط القوى السياسية، وكل الفعاليات الوطنية، لقطع الطريق على إثارة الفتنة والإشاعات، والتهويل الذي تقوم به بعض الفضائيات والمواقع الالكترونية، كلما استجد حدث من هذا النوع، لاسيما وأن تجارب العديد من البلدان تؤكد أن قوى الظلام تستغل مثل هذه الأوضاع لإشاعة الفوضى، وإذكاء العصبيات، وصولا لتحقيق أهدافها الإجرامية.
ـ كف جهاز الدولة عن استخدام القوة في التعامل مع المواطنين العُزّل، وإجراء تحقيق عادل وعلني، لكشف كل الملابسات، ومحاسبة ومحاكمة رؤوس الفتنة.
ـ معالجة وضع المحافظة، من الناحية الاقتصادية الاجتماعية، وتطوير البنى التحتية، وإيجاد فرص عمل لآلاف الشباب، وبالأخص في أحزمة الفقر، التي تعاني من القلق والتوتر، في واقع موبوء بالفساد، والكف عن السياسات التمييزية، مما يعزز الانتماء الوطني والوحدة الوطنية.
إن المعركة الحقيقية اليوم، في سورية، هي بين أغلبية الشعب السوري من جهة، وبين قوى الفساد الكبير، داخل جهاز الدولة وخارجه، وحلفائهم في التحالف الأمريكي الصهيوني، الذي يستهدف بنية بلدان وشعوب المنطقة، والذي تخسر بموجبه كل شعوب المنطقة .