يامن طوبر يامن طوبر

برسم وزير الزراعة: خطة زراعة القمح في الغاب تهدد الأمن الغذائي

 مع تصاعد الطلب على الغذاء، وبخاصة على مادة القمح، تجري الخطط الزراعية عكس التيار.والفلاحون السوريون يستغيثون بمن يجيرهم من القرارات الجائرة، وخاصة إذا كانت تتعلق بمنتوج القمح، هذا المنتوج السيادي الوطني في قائمة الأمن الغذائي، فقد وُضعت خطة من وزارة الزراعة هي بمثابة عينة توضح مدى التناقض وعدم الانسجام مع متطلبات المرحلة القادمة، تلك الخطة التي تخص أربع جمعيات فلاحية (العزيزية، الرملة، الحرية، والرصيف)، فقد خصصت 7904 دونمات من أصل 13089 دونماً، وباقي المساحة البالغة 5185 دونماً، تركت تحت رحمة الظروف المناخية، فإن هطلت الأمطار وامتلأت السدود زرعنا، وإن لم تهطل قعدنا.

كان إنتاج سورية من مادة القمح في موسم 2008 نحو 1،100000 طن، ساهمت منطقة الغاب ومحيطها بنحو 20 % منه، وإن كانت حاجة السوق المحلية قرابة 4 مليون طن للعام الجاري، فإنه بالتأكيد ستكون الحاجة إلى مادة القمح في العام القادم بازدياد، ومن هنا يأتي السؤال: لماذا قامت الجهات المعنية بتخفيض نسبة زراعة القمح مقارنة مع العام المنصرم، رغم الحاجة الماسة لكميات أكبر من القمح بنوعيها الطري والقاسي، سواء للسوق الداخلية أو بغرض التصدير؟! وكما صرنا نعلم فإن/1/طن من القمح القاسي يبادل بـ/2/ طن من القمح الطري، ورغم التحذيرات والدراسات من أن أزمة الغذاء سوف تستمر قرابة عقد من الزمن، ورغم نضوب الاحتياطي الاستراتيجي من القمح، فإنه وللمفارقة يجري تحديد كميات بذار القمح للخطة الزراعية لعام 2009 وتحديد المساحة للحيازة الزراعية. والسؤال: على ماذا ارتكز المخططون من نصائح ؟ وإن تصاعدت لهجة السؤال يصبح إلى ماذا يرمون؟
 
المساحة الأصغر للإنتاج الأهم

إن متوسط الحيازة الزراعية في منطقة الغاب يقارب 25 دونماً، فقد خصصت الخطة 8 دونمات منها لزراعة القمح، والباقي للقطن والشوندر والبقوليات والمحاصيل الأخرى، ونحن نعلم أن متوسط إنتاج الدونم من الشوندر السكري لا يتجاوز 3 طن، وقصة الشوندر وتدني المردود الذي يخضع لعدة عوامل باتت معروفة أولها سوء البذار الذي توزعه المؤسسة العامة لإكثار البذار، وثانيها ادّعاء زيادة نسبة الأجرام في مخابر المعامل، وثالثها ادّعاء تدني نسبة الحلاوة، إضافة للحسميات عن طريق نقص الوزن والتلاعب بالقبان، أما القطن فلا الدولة تشجع على زراعته ولا سياساتها الإجرائية بعد غلاء المازوت وشح المياه..
من هنا نرى أن زراعة القطن والشوندر أصبحت زراعة خاسرة وغير محمية ببرنامج زراعي تنموي، وبلا جدوى اقتصادية بالنسبة للفلاح، الذي لن يقدم على مغامرة قد تودي به إلى التهلكة.
أما البقوليات، كالبازلاء والفول، فبعد إغلاق معظم معامل الكونسروة، وعدم وجود ضابط محدد لسعره في السوق الداخلية، وعدم وجود سياسة تصديرية ناجعة لفائض الإنتاج الزراعي، فقد صارت زراعة البقوليات مغامرة أيضاً، وكذلك فإن عملية تسويق محصول البندورة ما زالت تعاني منها آلاف الأسر السورية، وليس بعيدا عن ذلك تسويق محصول البطاطا حيث هبط سعر الكيلوغرام في سوق الجملة إلى 4 ليرات سورية، بينما وصل إلى المستهلك بحوالي 30 ل.س. ونسأل ما هي الضمانات أو التطمينات التي سيتكئ عليها المزارعون للإقدام على خطوة كهذه؟ فمن يضمن لهم تسويق محاصيلهم بعائد ربح مجزٍ؟! ومن يحميهم من استغلال واحتكار الوسطاء وتجار الجملة في أسواق الهال؟! وأين ذهبت الفوارق الفاحشة والأرباح الخيالية بين سعر الجملة وسعر المفرق؟!
في توجيهات سابقة لوزير الزراعة، مازال يذكرها الفلاحون تماماً، حيث يقول: «لا تخزنوا البذار فإن الدولة ستوفره بأصناف أكثر جودة وإنتاجية»، فهل هذه التوجيهات تصب في مصلحة التجار الكبار الذين خزنوا في مستودعاتهم لكفاية الطلب المتوقع على بذار القمح؟! نظراً للزيادة النسبية في سعره وتقاعس الدولة عن تأمين البذار بكميات كافية؟! أم كان التخطيط يهدف سلفاً للوصول إلى هذه النتيجة؟! إذ أننا نرى أن كل ما تخططه الحكومة يصب في مصلحة قلة قليلة من أصحاب المال؟
إن بعض المختصين بالزراعة يصورون لرؤسائهم، لغاية في نفس يعقوب، أن الغاب يعتمد على الزراعات المروية، وهنا نرد عليهم أن هذا الكلام غير صحيح، لأنه باستثناء دفقتين من المياه لمحصول الشوندر السكري في بعض القطاعات، فإن المياه لا تروي عشر مساحة الغاب، يكفي تخطيطاً وهمياً لزراعات لا تصل موسم القطاف.
 
مؤسسة إكثار البذار لا تملك البذار

رئيس الجمعية الفلاحية في قرية العزيزية عدنان إبراهيم يقول: خصصت لنا الخطة الزراعية 3520 دونماً لزراعة القمح، حيث يقوم المصرف الزراعي بتقديم 60 % من كمية البذار التي قدرتها بمعدل 25 كغ للدونم الواحد، أي تقدم 15 كيلوغراماً فقط للدونم، والباقي (دبّر راسك)، في حين طبيعة الأرض تتطلب تخصيص 35 كغ للدونم الواحد بسبب أساليب الزراعة المتبعة، وعدم توفر آليات تعتمد تقنيات الزراعة الفنية الحديثة. أي أن الدولة ستؤمن 120 كغ من البذار لثمانية دونمات، وعلى الفلاح أن يؤمّن الـ160 كغ الباقية.
يتساءل الفلاحون بمرارة: «من أين سنحصل على باقي البذار وقد سلمنا محصول القمح كاملاً للمؤسسة العامة لتسويق الحبوب، وإن الخطة وُضِعت من الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب بالتعاون مع المحافظة، دون أن نُستشار علماً أن الخطط الزراعية في السنوات السابقة كانت تخضع للتداول والنقاش بين الفلاحين وممثليهم، وبعد الوصول إلى اتفاق حسب الحاجة يتم اعتمادها». الآن هذا التقليد قد تبدل، وصارت الخطة تُفرض من وزارة الزراعة فرضاً، دون الإطلاع أو الأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية لواقع زراعة المنطقة، ويطلب من رؤساء الجمعيات التوقيع على تعهد بتنفيذ الخطة الزراعية على مسؤوليتهم الشخصية.
في العام الفائت تم تخصيص250 دونماً لزراعة القطن، حرقها الجفاف والعطش، وكلفت الفلاحين مصاريف طائلة، ولم يعوض عليهم أحد، ولم تستطع الهيئة تأمين مياه الري! فكيف يتم الترخيص لجمعيتنا لزراعة 1050 دونماً بالقطن لموسم 2009، بمعدل 5 دونمات لكل حيازة، علماً أن معظم هذه الأراضي لم تصلها المياه منذ سنين طويلة، كما خصصت لنا الخطة 88 دونماً لزراعة التبغ، علماً أنه لا يوجد لدينا رخصة تبغ واحدة .
 
مليون ومائتا ألف ليرة سورية غرامة

ـ رئيس جمعية الصالحية قصته قصة، أولها توقيع وآخرها غصة، فقد حُكِم عليه من القضاء بمبلغ قدره 1200000 ل. س. لأن الفلاحين خالفوا الخطة الزراعية في سنة سابقة، وزرعوا القمح بدلاً من القطن لعدم وجود مياه الري، وقد سأله القاضي: لماذا خالفت الخطة الزراعية وأنت تملك كل هذه الأراضي؟ فأجابه: «أنا رئيس جمعية فلاحية ولست مالكاً، وليست لدي سلطة على أحد، وإن من يتحمل مسؤولية المخالفة هي الدولة لأنها لم تستطع تأمين المياه في سنوات سابقة، فهل يترك الفلاحون أراضيهم بوراً؟! قدِّموا لنا المياه وخذوا قطناً».
  ـ المزارع حسين يقول: خصصت الخطة لزراعة التبغ 200 دونم، علماً أنه لا يوجد ضمن مجال هذه الجمعيات الأربع رخصة فرن واحد فلمن تخصص هذه المساحات؟ وقد خُصِّصت نسبة لزراعة البطاطا والدولة لا تسلمنا البذار، أما الشعير فكانت له حصة بلا بذار أيضاً، لماذا لا يعطوننا بذاراً يكفي أراضينا، بعد أن سلمنا كامل محصولنا من القمح في الموسم الماضي؟!».

 
بوادر مبشرة بالخير

اجتمع يوم الثلاثاء 14/10/2008، في مبنى المحافظة، عضو قيادة الاتحاد العام للفلاحين ومدير عام مؤسسة إكثار البذار، وبعض رؤساء الجمعيات الفلاحية في منطقة الغاب، وتم الإقرار شفهياً أنه سيتم السماح بزراعة 90 % من كل حيازة زراعية، أي زراعة حوالي 22 دونماً بمادة القمح، مع التعهد بتأمين البذار حسب ما تتطلبه ظروف زراعة هذا المنتوج في المنطقة. ولكن هذا التعهد مازال شفهياً حتى ساعة إعداد هذه المادة، ولم يتم إقراره وتصديقه رسمياً.
 
لنا كلمة
لنحذر جيداً حتى لا يرتبط غذاؤنا بإرادة خارجية، لا تريد لوطننا خيراً.
والمطلوب تشجيع الفلاحين ودعمهم لزراعة القمح، في المناطق التي خُصصت للقطن دون إيجاد خطة لتأمين مياه الري اللازمة، ومعروفٌ جداً كم يتطلب هذا المحصول من غزارة في المياه، وفي المناطق التي خُصصت لزراعة التبغ وليست هناك رخصة واحدة لزراعة هذا المنتوج، أو أية رخصة فرن لتجفيف التبغ. أي المطلوب جدّياً: إعادة النظر في الخطة الزراعية، وتأمين كميات البذار الكافية، كي لا يكون الفلاحون عرضة لابتزاز التجار وجشع ضعاف النفوس منهم. وفي ذلك صيانة لكرامة الفلاح وكرامة الوطن.