كيف أصبحت شيوعياً؟
ضيفنا لهذه الزاوية الرفيق عبد الرحمن أسعد أسعد.
الرفيق المحترم عبد الرحمن كيف أصبحت شيوعياً؟.
أنا من مواليد الجزيرة عام 1946.. بعد إتمامي التعليم الابتدائي والإعدادي، درست في دار المعلمين العامة (نظام أربع سنوات)، وخلال هذه الدراسة انتسبت إلى الحزب الشيوعي السوري بعد تعرفي على الفكر الاشتراكي العلمي عن طريق أقارب وأصدقاء، وقراءة جريدة الحزب ولو بصورة غير منتظمة، وشيئاً فشيئاً بدأت أستوعب مفهوم الصراع الطبقي، وأدركت أن الماركسية اللينينية هي العلم الذي يوضح تطور المجتمع الإنساني ويعري استغلال الإنسان للإنسان، ويضع الحلول لمشكلات المجتمع، وينهي كل صور القهر والاستغلال. ولابد لي أن أنوه للتأثير الهام والكبير للرفاق من آل الكردي، وبخاصة إبراهيم ومحمود أبو راسم اللذين كانا حافزاً لانتسابي إلى الحزب عام 1965، فعن طريقهم تعرفت على الحزب ونضالاته، وأذكر أنني ساهمت بنسخ بيان باليد حين كنت مرشحاً لعضوية الحزب يهاجم حكومة الانفصال، وجرى توزيعه في مدينة الحسكة. وقد تابعت إكمال دراستي الجامعية، ونلت إجازة في علم التاريخ عام 1980.
في عام 1974 مثلت الحزب في شعبة نقابة المعلمين بالقامشلي لدورتين متتاليين، كما مثلت الحزب في فرع النقابة بالحسكة، ودافعت بقوة عن مطالب المعلمين في الاجتماعات النقابية والمؤتمرات النقابية، وكنت أحد مؤسسي الجمعية السكنية للمعلمين بالقامشلي التي كانت من أوائل الجمعيات السكنية على مستوى البلاد، كما كنت من المساهمين في بناء شعبة النقابة (البناء الحالي)، في وقت لم تكن فيه بعض الفروع في المحافظات تملك مقرات. حضرت المؤتمر العام للمعلمين على مستوى سورية عام 1974 كمندوب أصيل مع أعضاء مكتب الفرع بالحسكة. وكان الحزب ممثلاً بسبعة مندوبين من سبع محافظات إضافة إلى عضو المكتب التنفيذي الرفيق عصام عبد الرحمن. وقد أدينا دوراً مميزاً في كل لجان المؤتمر، وكانت لنا مداخلاتنا الوافية في جلسات اللجان والمؤتمر العام. وأذكر أن الحزب حينها كان ممثلاً في ثمانية وثلاثين مكتب نقابة وسبعة فروع وفي المكتب التنفيذي.
ومع بدء الأزمة في الحزب بدأ التراجع في دوره الفاعل، حتى كاد أن يتلاشى، وهذا ما حدث في بقية النقابات، ولكن بشكل أخف، عملت في التنظيم عضواً في اللجنة الفرعية ثم عضواً في اللجنة المحلية ثم مسؤولاً عن منظمة اتحاد الشباب الديمقراطي. ثم مسؤولاً عن فرع اتحاد الشباب الديمقراطي بالمحافظة، وعضواً في اللجنة التنفيذية على مستوى البلاد، وساهمت في عمل لجنة النشر المنطقية عضوية وكتابة (في سبيل الأرض والعمل)، ثم عضو لجنة المراقبة الحزبية /منظمات القاعدة/ وحضرت المؤتمر السابع التوحيدي العلني (فصيل النور) الذي عقد بدمشق في مدينة الشباب بالمزة، وانتخبت عضواً في اللجنة المركزية،كما حضرت المؤتمر الثامن (فصيل نضال الشعب)..
ومن خلال هذه التجربة في فصائل الشيوعيين توصلت إلى قناعة بأن حزبنا الشيوعي السوري فقد دوره كطليعة، وتحول عن النضال الجماهيري والديمقراطي إلى الصراع الداخلي بين تيارات متعددة.
وبتعدد الفصائل فقدت المحاسبة والتقييم على أساس العمل، وأصبحت الولاءات هي الأساس. وهكذا جرى ابتعاد كلي عن البرامج والنظام الداخلي وبالجوهر عن الماركسية اللينينية وبرأيي: أن من الأسباب الرئيسية لأزمة الحزب فقدان الديمقراطية داخل الحزب وسيطرة الفردية، فلو مورست الديمقراطية وقبول الرأي والرأي الآخر (أي المركزية الديمقراطية)، لكان ذلك كفيلاً بحل معظم المسائل المختلف عليها، ولجرى الحفاظ على وحدة الحزب..
كذلك من الأسباب ما كان نتيجة القبول بشرط عدم العمل في الجيش وبين الطلاب في ميثاق الجبهة، وقيامها في ظل الأحكام العرفية وقانون الطوارئ، وبروز الامتيازات، وظهور قيادات تسعى وراء مصالحها، وغياب الصحافة المستقلة، كل ذلك كان وراء الخلافات الداخلية مما أدى إلى إضعاف دور الحزب، وأنا أحمل قيادة الحزب المسؤولية عن الحالة المتردية التي وصل إليها الحزب. وحتى هذه اللحظة لم ينته مسلسل الانقسامات. وبتقديري أن القيادات الحالية غير قادرة على انجاز التوحيد، فمعظمها ما يزال يعيش عقليه متسلطة وغير ديمقراطية.
وعلى الرغم من بعض المبادرات الإيجابية في سبيل الوحدة (منظمات القاعدة سابقاً، والآن اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين)، فإن ذلك ليس كافياً، وأعتقد أن الوحدة هدف يمكن ويجب أن ينجز مستقبلاً، وذلك عندما يتحسس الشيوعيون آلام الجماهير الفقيرة، ويعبرون عن طموحاتها ببرامج واقعية جريئة. ويساهمون جدياً في عودة الديمقراطية.
أخيراً لابد من القول: لقد ساهم الشيوعيون السوريون في النضال الوطني والديمقراطي والنقابي مساهمة كبيرة، وقدموا التضحيات، وسيعود دورهم الفاعل بعودتهم للجماهير الفقيرة.